مهنة الصرافة تعد من المهن القديمة في الكويت وارتبطت بحاجة الناس آنذاك الى السفر الكثير طلبا للرزق وبالتالي حاجتهم الى العملات الأجنبية عند سفرهم ثم التخلص مما يتبقى لديهم منها عند عودتهم.وكانت كثرة تردد سكان البادية من الجزيرة العربية وجنوب العراق الى الكويت قديما للبيع والشراء تتطلب وجود أماكن لصرف واستبدال العملات المختلفة التي كانوا يجلبونها معهم مما حتم وجود متاجر للصرافة.وفي هذا السياق قال الباحث في التراث الكويتي محمد عبدالهادي جمال في كتابه (الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت) "إنه الى ما قبل نهاية القرن ال 19 كانت الكويت تضم عددا من محلات الصرافة التي فتحت في ساحة الصرافين وكانت عبارة عن ملتقى لعدد كبير من الأسواق وممرا مهما للمتسوقين سواء في أثناء قدومهم للأسواق أو عودتهم منها".وأوضح جمال أن تلك الساحة كانت تمثل انذاك مركزا مهما يلتقي فيه سكان البادية والمدينة لتبادل السلع وكانت معظم المحلات تتمثل في (عماريات) تنصب في وسط الساحة حيث كان الصراف يجلس على الأرض لمزاولة مهنته واضعا العملات داخل صندوق خشبي صغير لا يتجاوز طوله مترا واحدا وعرضه نصف متر وارتفاعه 30 سنتيمترا يسمى (تختة) يضعه امامه وكان لذلك الصندوق غطاء زجاجي ذو برواز خشبي لكشف ما به من عملات.وأضاف أن العملات المتداولة في ذلك الوقت كانت من المعدن فقط قبل دخول العملة الورقية الى السوق في أواخر العشرينيات من القرن الماضي تقريبا ومن أهمها الريال السعودي والريال النمساوي والدينار العراقي والتومان الايراني وكذلك كان يتم التداول بالجنيه الاسترليني والدولار الأميركي بصورة محدودة نظرا لعدم الحاجة لتلك العملات.وذكر أن الصراف كان يشتري العملات المختلفة من التجار الذين يتوافدون الى الكويت من الدول المجاورة لشراء حاجاتهم منها مشيرا الى أن أعمال الصرافة كانت تزداد في فصل الشتاء عند قدوم البدو للمدينة لبيع السمن البلدي والمنتجات الاخرى في حين يخف العمل بصورة كبيرة في اثناء الصيف.وأكد أن البدو (أهل البادية) كانوا قديما أهم عملاء للصرافين حيث يتوجهون الى ذلك السوق حاملين معهم كميات كبيرة من الريالات الفضية السعودية و(النمساوية) التي كان يطلق عليها الفرنسية والتي كانت تتداول في دول الخليج في بداية القرن الماضي حيث كانت الريالات توضع في (الخرج) - وهي أكياس تحاك من خام السدو - على ظهور الجمال والحمير ويتم ربط الخرج بالحبال بصورة محكمة ثم قفله بقفل خاص عند فوهته.وبين أن (البدوي) - رجل البادية - كان يبيع حمولته من الريالات مباشرة لاحد الصرافين او يسلمها لاحد عملائه الذي يقوم بعرضها عليهم فيما يشبه الحراج المحدود او المزايدة ليتم شراؤها من أحد الصرافين بسعر (الجملة) حسب ما هو سائد بالسوق وعند بيعها يتسلم صاحب الريالات قيمتها بالروبيات التي يضعها بالخرج ثم يتوجه الى أسواق الكويت لشراء حاجاته منها.وبين جمال أن عدد محلات الصرافة في سوق الصرافين ازداد الى حوالي عشرة في منتصف الاربعينيات لاسيما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث توسع نشاط الصرافة بصورة كبيرة وصار الصرافون يتعاملون مع التجار ومزاولي المهنة ذاتها في الدول المجاورة وكانوا يتلقون الطلبات اليومية برقيا من بغداد والبصرة من التجار هناك لشراء وبيع مختلف العملات ليتم شحنها او جلبها بواسطة سيارات التاكسي التي كانت تتنقل بين الكويت والبصرة يوميا.وقال إن الريالات والروبيات كانت توضع في أكياس خاصة بعد عدها ليتم تسليمها للعملاء اما الكميات الكبيرة من المال فتعبأ في (خياش) مبينا أن الصرافين كانوا يحسبون الكميات الكبيرة من العملات الفضية بطريقتهم الخاصة حيث يستخدمون (صواني) خشبية مستطيلة الشكل تسمى الواحدة منها (درج) يتم صف الروبيات او الريالات الفضية فيها لمعرفة عددها حيث تسع الصينية عددا معينا من الروبيات.وأضاف ان الروبيات كانت تصف في (الدرج) في صفوف متساوية الارتفاع بحيث يبلغ عدد الصف الواحد منها بين 10 و15 روبية وتسمى كل مجموعة من الروبيات المرصوص بعضها فوق بعض (خانة).وذكر أن (الدرج) يسع عادة ما بين 50 و100 خانة فإذا ما تم ملء الدرج ذي الخمسين خانة بالروبيات يصبح عددها فيه 500 روبية اذا كان مجموع عدد الروبيات في الخانة الواحدة عشرة وهكذا.وأوضح جمال انه يوجد في احد جوانب الدرج فتحة لتفريغ الروبيات منها الى الكيس مشيرا الى أن احجام الدروج تختلف إذ يسع بعضها 125 روبية ويسمى (ربع درج) ويسع الاخر 250 روبية ويسمى (نصف درج) اما (الدرج الكامل) فيحتوي 500 روبية.