شهدت أسعار النفط في الاسابيع الاخيرة تدهورا حادا ومستوى لم تبلغه منذ ضربت الازمة المالية مفاصل الاقتصاد العالمي عام 2008 حيث وصل سعر برميل النفط مزيج برنت الى حدود 45 دولارا فيما بلغ البرميل الكويتي 43 دولارا.
 ويأتي هذا التدهور نتيجة عدة أسباب منها عوامل فنية واقتصادية وأخرى سياسية ألقت جميعا بظلالها على أسعار النفط التي باتت تشكل هاجسا للدول المنتجة المعتمدة على عوائدها النفطية كمصدر رئيس للدخل القومي.
 وأصبح من الصعب في ضوء الاجواء الحالية غير المستقرة اقتصاديا في العالم توقع ما قد تصل اليه أسعار النفط لاسيما مع تدهور الكثير من اسواق المال في العالم وانخفاض معدلات النمو وارتفاع اعداد البطالة وغيرها من العوامل المؤدية الى المزيد من تدهور الأسعار.
 واكد محللان نفطيان كويتيان أن توقع أسعار النفط للفترة المقبلة مسألة في غاية الصعوبة بعد فشل اغلب التوقعات منذ العام الماضي متوقعين استمرار ضعف الأسعار وانخفاضها لفترة ربما تطول.
 وقال المحللان ان السعر العادل للبرميل يترواح بين 70 و 75 دولارا لكن السعر الذي ربما يصل اليه البرميل هو 20 دولارا فقط داعيا الى تحرك منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) لإنقاذ النفط من حالة التدهور التي يعيشها.
 من جهته اوضح الخبير النفطي ورئيس مركز الافق للاستشارات الادارية الدكتور خالد بودي أن هناك عدة عوامل ساهمت في الهبوط غير المتوقع للأسعار لافتا الى ان اولها كان الاتفاق النووي الايراني وهو الذي خلق حالة نفسية بالأسواق بان هناك زيادة في الانتاج مستقبلية وزيادة في المعروض اكثر من الموجود حاليا ما ادى لهبوط الأسعار بوتيرة سريعة.
 وتوقع بودي ان تكون الزيادة في الانتاج بالنسبة للنفط الايراني بين مليون واحد و 5ر1 مليون برميل يوميا «لكن ذلك سيستغرق بعض الوقت» مشيرا الى ان من العوامل التي اثرت بشكل كبير التطورات بشأن الاقتصاد الصيني.
 وذكر ان تعرض الاسهم الصينية للخسائر وكذلك الاسهم الاوروبية القى بظلاله على أسعار النفط التي تتأثر بأوضاع الاقتصاد العالمي كون النفط سلعة استثمارية يتم تداولها بالأسواق مشيرا الى ان الفائض في المعروض من النفط كان بحدود مليوني برميل يوميا وادى التباطؤ في النمو الاقتصادي الى زيادته ليصبح نحو ثلاثة ملايين برميل.
 ولفت الى ان عدم تحرك منظمة (اوبك) لإنقاذ الأسعار يزيدها تدهورا مشددا على ضرورة تصدي المنظمة الدولية لهذه الموجة من الهبوط بعقد اجتماع فوري واتخاذ اجراءات من شأنها الحفاظ على الأسعار عند مستويات مقبولة وقد يكون ذلك بخفض الانتاج والحصص لدول المنظمة «لكن ما يحدث يظهر ان المنظمة غير مكترثة بالهبوط الحاد».
 واوضح ان انخفاض الأسعار بنسبة 30 في المئة خلال شهرين يجعل من الملح عقد اجتماع طارئ لأوبك متسائلا «إذا لم يجتمعوا في مثل هذه الاوضاع فمتي سيجتمعون». واضاف ان النفط يباع حاليا بأسعار زهيدة جدا وهو ما كبد الدول المنتجة خسائر ضخمة لافتا الى ان السعر العادل يتراوح بين 70 الى 75 دولار للبرميل وان الحديث عن محاولات بعض الدول المنتجة الصمود مع انخفاض الأسعار للقضاء على ظاهرة النفط الصخري مرتفع الكلفة ضرب من الخيال فضلا عن وجود تضخيم لدور النفط الصخري في الاسواق.
 وقال ان النفط الصخري لن يستمر طويلا بطبيعة الحال ولا يمكن مقارنته بالنفط التقليدي وانه في افضل الاحوال وبعد 20 عاما لن يشكل اكثر من 10 في المئة من حجم الانتاج العالمي مشيرا الى ان الانتاج من النفط الصخري يبلغ حاليا اربعة ملايين برميل يوميا ويتوقع ان يصل في 2030 الى 10 ملايين برميل.
 وعن توقعاته لأسعار النفط خلال الفترة المقبلة افاد بودي بان الاوضاع الحالية غير مطمئنة وقد يستمر التدهور في الأسعار لفترة مقبلة خاصة في ضوء معاناة الاقتصادات العالمية من الركود ووجود ازمات اقتصادية كأزمة اليونان.  وقال انه لا يستطيع التوقع بالنسبة للأسعار في الفترة المقبلة لكن المؤشرات تقول انها ستكون فترة صعبة لكن ربما تحدث مفاجآت تقلب الموازين وتعيد الأسعار لتسترد عافيتها من جديد.
 من جهته اكد المحلل النفطي محمد الشطي وجود اجماع على وجود فائض من النفط في السوق مشيرا الى وجود اختلاف في التقديرات حول حجم الفائض «لكن السعر هو الذي سيؤدي الي سحب الفائض».  ولفت الى ان معظم توقعات صناع النفط تحاول ان تصل الي الوضوح والدقة حول مستوى السعر والذي تنتظره المشاريع والموازنات ومنها تنطلق التوقعات لتحديد موعد اعادة التوازن ما بين متفائل ومتشائم.
 وقال انه في ضوء حالة الشكوك في السوق بدأت الشركات النفطية تستخدم أسعار نفط عند مستويات ثلاثة لتحديد مدى التزامها بالمضي في مشاريعها طويلة الاجل وهي 60 و 80 و 100 دولار «ويجري الان الحديث حول خفض تلك المستويات لتكون 40 و 60 و 80 دولارا للبرميل وذلك في ضوء فشل الاعتماد على نماذج اقتصادية للتنبؤ بمسار الأسعار في المستقبل».
 وذكر الشطي ان أسعار نفط خام الإشارة مزيج برنت انخفضت من 46ر110 دولار للبرميل في بداية شهر يونيو 2014 وهبطت الى 22ر45 دولار للبرميل في 13 يناير 2015 أي هبوط بمقدار 24ر65 دولار للبرميل ليعكس توقعات ضعف السوق النفطية خلال النصف الأول من عام 2015 وبلوغ المخزون مستويات تاريخية.
 وافاد بان السوق بدأ يتعافى بعد ان استوعب قرار الأوبك في اجتماع 27 نوفمبر 2014 بأن آلية الاستعانة بالسوق كفيلة بإعادة التوازن وسحب الفائض من خلال تأثر النفط الغالي التكاليف من خارج الأوبك مبينا ان هذا الفهم دعمه قيام الشركات النفطية داخل الولايات المتحدة وخارجها بإعلان خطط لخفض الانفاق الاستثماري لتطوير انتاج جديد للنفط يصل الى 30 في المئة.
 وذكر ان الحديث عن توقع خفض وتأثر انتاج الولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الثاني من عام 2015 بدا اخيرا وهو ما سيؤدي الي سحب الفائض وتحقيق التوازن نسبيا مبينا ان هذا التوجه دعمه خفض كبير في عدد أبراج ومنصات الحفر بما يقارب 60 في المئة وهذا ما اسهم في دعم أسعار نفط خام الإشارة برنت ليصل الى 65ر66 دولار للبرميل في 14 مايو الماضي.
 واضاف الشطي انه وبعد فشل كل توقعات الأسعار على الأقل منذ نهاية 2014 يتم الحديث عن أن انتاج النفط الصخري سيتأثر اذا ما استمر مستوى نفط خام برنت دون 45 دولارا للبرميل لفتره تطول ستة اشهر مقبلة مبينا ان هناك حديثا عن ان أسعار النفط ستبقى ضعيفة لفترة طويله ربما تمتد حتى عام 2020 «وهناك من لا يستبعد هبوط أسعار النفط الى 20 او 10 دولارات للبرميل».
 وقال الشطي «ازعم بان توقع مسار أسعار النفط ليس بالأمر السهل وهي منطقة ينزلق فيها الجميع واعتقد انه لابد من اللجوء الى طرق أخرى من اجل تقييم المشاريع المستقبلية وان اختيار ثلاثة مستويات للأسعار هو الأقرب في الوقت الحالي».
 واعرب عن اعتقاده ان تظل أسعار نفط خام برنت تدور حول مستوى 45 دولارا للبرميل الى حين تحقيق التوازن وسحب الفائض مع امكانية هبوط أسعار النفط الى 40 دولارا للبرميل لفترات قصيرة مبينا ان الركيزة في ذلك هو الفائض في المعروض واحتكام المنتجين في السوق الى آليات السوق لاحداث التوازن.
 واضاف انه لا توجد بوادر لأي خفض ارادي او تعاون دولي من اجل تحقيق التوازن «وعليه لابد من هبوط أسعار النفط الى مستويات متدنية تؤثر على الجميع وهذا لا يكون لفترة قصيرة وانما طويلة ربما تبلغ اشهرا».
 واشار الى وجود مستفيدين من أسعار النفط سواء مضاربين او حكومات او شركات او مستثمرين ولذلك فإن هبوط أسعار النفط بدون حد ادنى ربما لا يكون ممكنا.
 وعن تأثير عودة النفط الايراني على الاسواق اكد الشطي انه لن يتم التعرف على حقيقة تأثير النفط الإيراني على السوق الا بعد وصول ذلك النفط الى السوق فعليا مبينا ان هناك من يتوقع وصوله للأسواق بعد ابريل 2016 ومن يتوقع بعد سبتمبر 2016.
 واشار الى ان العوامل التي تؤثر على مسار السوق حاليا هي أداء الدولار مقابل العملات الأخرى وأداء البورصات العالمية وشكوك حول أداء الاقتصاد العالمي والصيني واستمرار انتاج الأوبك في الارتفاع الى مستويات تفوق 5ر31 مليون برميل يوميا واستمرار ارتفاع انتاج النفط الأمريكي ونشاط المضاربين ومستوى المخزون النفطي.