أكدت دراسة لمجلس الامة عن “ الاختصاص المالي لمجلس الأمة” أن الدستور حقق رقابة ممثلي الشعب “ نواب مجلس الامة “ على أموال الشعب وأحكم هذه الرقابة على كل من تكون له علاقة بمالية الدولة ، وانه تتجلى رقابة مجلس الأمة على الميزانية في الأحكام التي وضعها الدستور ، واللائحة الداخلية لمجلس الأمة ، والتي يجب أن تراعي ، سواء عند تحضير الميزانية وإعدادها ، أو عند مناقشتها في مجلس الأمة ، أو أثناء تنفيذها في الواقع العملي .
واشارت الدراسة الى ان الدستور الكويتي قد خصص الفرع الثاني من الفصل الرابع لتناول الموضوعات المالية تحت عنوان ‘الشؤون المالية’ كما خصصت اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الفصل الثالث للغرض ذاته . فعالجه الدستور في المواد من 134 إلى 156 ، وعالجته اللائحة الداخلية لمجلس الأمة في المواد 159 إلى 171 .
“ الوسط “ تنشر في السطور التالية  نص الدراسة التي اعدها في أكتوبر 2007م باحث أول قانوني ناصر محمد الشمري باشراف الخبير القانوني بمجلس الامة د. مصطفى كامل :
تعد الوظيفة المالية للبرلمان هي أولى وظائفه ظهوراً ورغم أن الاختصاص المالي هو فرع من الاختصاص التشريعي ، يتمثل في وضع القوانين بالنسبة للمسائل المالية ، مثلها في ذلك مثل الموضوعات غير المالية ، وبما أن دراسة الاختصاص المالي تختلف بصورة مستقلة عن دراسة الاختصاص التشريعي ، لما ذلك الاختصاص من أهمية نابعة من أهمية الموضوعات المالية ذاتها .
والهدف من الاختصاص المالي هو بسط الرقابة البرلمانية على الجانب المالي في الدولة – من إيرادات ونفقات والتزامات مالية – بغية المحافظة على أموال الشعب وعدم إهدارها وتوجيهها الوجهة التي تهم مصالح الشعب في الحاضر وفي المستقبل ، بالإضافة إلى تحقيق أهداف أخرى مثل مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة وتحقيق العدالة .
ومما لا ريب فيه أن اختصاصات المجالس النيابية في الشؤون المالية ، يجب أن تحظى بالعناية والاهتمام ، خصوصاً متى روعي أن أهمية التشريعات المالية قد ازدادت في الوقت الحاضر بعد انكماش فكرة الدولة الحارسة ، واندفاع الدولة الحديثة في سياسة التدخل في شتى أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي بحثاً عن العدالة الاجتماعية وتحقيقاً للمساواة بين الأفراد في الفرص والدخول ، والقدرات حيث أصبحت السياسة المالية وسيلة مؤثرة في حياة الدولة والأفراد .
وقد خصص الدستور الكويتي الفرع الثاني من الفصل الرابع لتناول الموضوعات المالية تحت عنوان ‘الشؤون المالية’ كما خصصت اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الفصل الثالث للغرض ذاته . فعالجه الدستور في المواد من 134 إلى 156 ، وعالجته اللائحة الداخلية لمجلس الأمة في المواد 159 إلى 171 .
وفي ضوء هذه النصوص وما جرى عليه العمل نعرض في بندين :
-1 رقابة مجلس الأمة على الميزانية والحساب الختامي .
-2  اختصاص مجلس الأمة في الشئون المالية الأخرى
أولاً :رقابة مجلس الأمة على الميزانية والحساب الختامي :
تتجلى رقابة مجلس الأمة على الميزانية في الأحكام التي وضعها الدستور ، واللائحة الداخلية لمجلس الأمة ، والتي يجب أن تراعي ، سواء عند تحضير الميزانية وإعدادها ، أو عند مناقشتها في مجلس الأمة ، أو أثناء تنفيذها في الواقع العملي .
الميزانية في مرحلة التحضير والإعداد : 
1 - ميزانية الدولة سنوية ، أي أنها تشمل تقديراً احتماليا للإيرادات والمصروفات لسنة كاملة ، وهذا مستفاد من نص المادتين 139 ، 140 من الدستور .
2 - تعد الدولة مشروع الميزانية السنوية الشاملة لإيرادات الدولة ومصروفاتها وتقديمه إلى مجلس الأمة قبل انتهاء السنة المالية بشهرين على الأقل ، لفحصها وإقرارها » المادة 140 من الدستور »  .
.3 - يجب مراعاة قاعدة سنوية الميزانية عند إعدادها ، فالأصل أنه لا يجوز تخصيص مبالغ معينة لأكثر من سنة مالية واحدة ، ولكن الدستور أجاز الخروج على ذلك الأصل استثناء إذا اقتضت ذلك طبيعة المصرف على أن يكون هذا التخصيص بقانون« المادة 142 من الدستور » .4 - يجب أن يراعى عند إعداد الميزانية مبدأ وحدة الميزانية وعدم تخصيص الإيرادات «المادة 141 من الدستور »  .
وقد نصت المادة «143» من الدستور على أنه لا يجوز أن يتضمن قانون الميزانية أي نص من شأنه إنشاء ضريبة جديدة ، أو زيادة في ضريبة موجودة ، أو تعديل قانون قائم أو تفادي إصدار قانون خاص في أمر نص هذا الدستور على وجوب صدور قانون في شأنه <
 -الميزانية في مرحلة المناقشة في مجلس الأمة : 
ثمة إجراءات وقواعد يجب أن تراعى عند مناقشة الميزانية في مجلس الأمة وأهمها :
1  -بعد تقديم مشروع الميزانية إلى مجلس الأمة يحيله الرئيس إلى لجنة الميزانيات والحساب الختامي فور تقديمه للمجلس ويخطر المجلس بذلك في أول جلسة له « المادة 160 من اللائحة الداخلية».
2  -كل تعديل تقترحه لجنة الميزانيات والحساب الختامي في الاعتمادات التي تضمنها مشروع الميزانية يجب أن تأخذ رأي الحكومة فيه ، وأن تنوه عنه في تقريرها « المادة 164 من اللائحة الداخلية »
3  -يكون نظر الميزانية في المجلس ولجانه بطريقة الاستعجال ولا يجوز للمجلس أن يناقش مشروع الميزانية جملة واحدة بل يجب عليه مناقشة الميزانية باباً باباً « المادة 141 من اللائحة الداخلية »  .
-4 وتقضي المادة «144» من الدستور بأن تصدر الميزانية بقانون ، وهذا يعني أنها تخضع لكل إجراءات القانون العادي من موافقة مجلس الأمة وتصديق وإصدار ونشر .
ونشير أخيراً إلى أن الدستور قد حرص على أن يقرر أنه لا يجوز فض دور الانعقاد العادي لمجلس الأمة قبل الانتهاء من اعتماد الميزانية  « المادة «85» من الدستور .»  
الميزانية في مرحلة التنفيذ :  حتى لا تخرج الحكومة على قانون الميزانية فتفلت من رقابة المجلس ، وضع الدستور عدة أحكام يجب مراعاتها في أثناء تنفيذ الميزانية أهمها : 
1 - يتعين على الحكومة عند صدور قانون الميزانية احترام توزيع أوجه الإنفاق كما وردت بهذا القانون . 
-2  كل مصروف غير وارد في الميزانية أو زائد على التقديرات الواردة في قانونها يجب أن يكون بقانون « المادة «146» من الدستور »  .
3  - لا يجوز نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الميزانية إلا بقانون « المادة «146» من الدستور . »
-4  ولا يجوز بحال تجاوز الحد الأقصى لتقديرات الإنفاق الواردة في قانون الميزانية والقوانين المعدلة له «المادة «147» من الدستور»  .
5  - ولا يجوز للحكومة مخالفة التقديرات المالية والواردة في قانون الميزانية عن طريق إصدار مراسيم لها قوة القوانين «وذلك في حالة الضرورة» استنادا إلى نص المادة 71 من الدستور .
6  - يجب على الحكومة أن تقدم إلى مجلس الأمة ‘بياناً عن الحالة المالية للدولة مرة على الأقل في خلال كل دور من أدوار الانعقاد العادية « المادة «150» من الدستور» .
7  -نصت المادة «151» من الدستور على أن ‘ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله ، ويكون ملحقاً بمجلس الأمة ، ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية ويقدم الديوان كل من الحكومة ومجلس الأمة تقريراً سنوياً عن أعماله وملاحظاته>
ونشير أخيراً إلى أن الدستور في المادة «148» فرق بين الميزانية العامة المستقلة والميزانية العامة الملحقة وهو أن الأولى تحتفظ بما تحققه من وفورات في نهاية السنة المالية للعام التالي على حين أن الميزانية الملحقة إذا تحققت فيها وفورات ارتدت وفوراتها إلى الميزانية العامة للدولة .
ثانياً :رقابة المجلس على الحساب الختامي :
إذا كانت الميزانية مجرد تقديرات احتمالية للإيرادات التي تتوقع الدولة تحصيلها في السنة المقبلة ، فإن الحساب الختامي هو بيان بالإيرادات والمصروفات الفعلية التي تمت خلال السنة المالية المنتهية وإلى أي مدى اتفقت أو اختلفت مع تقديرات ميزانية العام المنصرم .
وقد نصت المادة «149» من الدستور على أن ‘الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة عن العام المنقضي يقدم إلى مجلس الأمة خلال أربعة أشهر لانتهاء السنة المالية للنظر فيه وإقراره .
الحساب الختامي مجرد بيان مالي يقدم لمجلس الأمة فهو لا يقدم في صورة مشروع قانون لأن الحساب الختامي هو على خلاف الميزانية وتسري الأحكام الخاصة بمناقشة الميزانية العامة وإصدارها على الحساب الختامي « المادة «170» من الدستور »  . اختصاص مجلس الأمة في الشئون المالية الأخرى : ونعرض في هذا الصدد بإيجاز شديد لاختصاص المجلس في المسائل الآتية :
 «1» الضرائب : تضع المادة «134» من الدستور القاعدة العامة فيما يتعلق بالضرائب بقولها ‘إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون <
وتنص المادة «48» من الدستور على أن ‘أداء الضرائب العامة واجب وفقاً للقانون ، وينظم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الدنى اللازم للمعيشة> .
وتقول المادة «24» من الدستور ‘العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة> . «2» القروض : تقضي المادة «136» بأن تعقد القروض العامة بقانون ويجوز  أن تقرض الدولة أو أن تكفل قرضاً بقانون أو في حدود الاعتمادات المقررة لهذا القرض بقانون الميزانية .
«3» الالتزام والاحتكارات : الالتزام عقد تعهد الدولة بموجب إلى غيرها استجابة لضرورات الحياة المعاصرة – بإدارة مرفق من المرافق العامة أو باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعة مقابل مبلغ معين يدفعه الطرف الآخر ، والملتزم قد يكون فرداً أو شركة وقد يكون وطنياً أو أجنبياً .
فالمادة «153» تنص على أنه ‘كل احتكار لا يمنح إلا بقانون وإلى زمن محدود> كما نصت المادة «152» على أنه ‘كل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا يكون إلا بقانون ولزمن محدود ، وتكفل الإجراءات التمهيدية أعمال البحث والكشف وتحقيق العلانية والمنافسة>
 «4» بعض المسائل المالية المتفرقة :وبجانب الأحكام الخاصة بالميزانية والحساب الختامي والضرائب والقروض والالتزام والاحتكار ، تبقى هناك بعض المسائل المالية المتفرقة التي قدر المشرع الدستوري أن لها من الأهمية ما يستوجب أن لا يكون تنظيمها إلا بقانون ، ومن ذلك أن الدستور قد ترك للقانون وحده أن ينظم النقد والمصارف ويحدد المقاييس والمكاييل والموازين” المادة «170» من الدستور”  .وأن ينظم شؤون المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التي تقرر على خزانة الدولة” المادة «155» من الدستور “ . والأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة” المادة «138» من الدستور “ والأحكام الخاصة بتحصيل الأموال العامة وبإجراءات صرفها “المادة «135» من الدستور”.
وهكذا يكون الدستور قد حقق رقابة ممثلي الشعب على أموال الشعب وأحكم هذه الرقابة على كل من تكون له علاقة بمالية الدولة . وبهذا نكون قد انتهينا من دراسة الاختصاص المالي لمجلس الأمة .