- الشعب الكوري الشمالي أجهش في البكاء حزنا على وفاته أمام كاميرات التلفزيون بالإكراه
- كان يعطي الذهب عندما يكون سعيدا ويحكم بالإعدام إذا كان غاضبا
- عزل بلاده عن العالم وأقام نظاما شيوعيا شموليا معاديا للديمقراطية والتعددية الحزبية

لم يسيطر على مقاليد الحكم ومؤسسات الدولة فحسب، بل سيطر على عقل وتفكير الشعب، بعد أن عزل بلاده عن العالم وقام بمسح دماغ لجنود الجيش وشعبه حتى أن إعلامه الرسمي كان يروج لأساطير يصعب تصديقها في الحالات الطبيعية.
هو كيم جونغ إيل الذي حكم كوريا الشمالية بقبضة حديدية، وفرض على بلاده نظاما ديكتاتوريا لا مثيل له، بعد أن عزل بلاده عن العالم وأقام نظاما شيوعيا شموليا معاديا للديمقراطية والتعددية الحزبية والإعلامية ولحقوق الإنسان.
وارتكز الزعيم الكوري الشمالي السابق في سيطرته على البلاد والشعب على قوة الجيش والاستخبارات والدعاية والأعمال الشاقة لمن يعارض أفكاره وسياسته وسحق من يفكر في مخالفة الأوامر.
 
 
 
وبعد سنوات من حكم الصوت الواحد، أعلن عن وفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم ونغ إل، وأجهش الشعب الكوري الشمالي بالبكاء أمام كاميرات التلفزيون الرسمي بالإكراه.
وتأخر إعلان وفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إل لمدة 51 ساعة، وفي يوم 19 ديسمبر عام 2011، أعلن التلفزيون الرسمي وفاة كيم جونغ إل عن عمر يناهز 71 عاماً، فيما أعلن أحد العسكريين أن الشعب والجيش في كوريا الشمالية شعروا بالحزن الشديد على رحيل القائد الملهم كيم جونغ إل ودعا الشعب الكوري للبكاء الجماعي للمرة الثانية.
وظل الالاف يتوجهون يوميا الى ضريح كومسوسان لبكاء زعيمهم، ويضعون باقات الزهور الى جانب تماثيل وصور لإيل ويعبرون عن حزنهم الشديد امام عدسات الكاميرات، وتعبيرا عن الانتماء والوطنية، امتدت فترة الحزن عشرة أيام، يتم فيها البكاء بطريقة هستيرية على الزعيم الراحل .
هذه المشاهد لم تكن الأولى بل الأمر نفسه حدث عندما توفي والد كيم جونغ ايل عام 1994 وها هو يتكرر الآن بوفاته، حيث علم الشعب الكوري الشمالي كيف يقوم بالبكاء الهيستيري بدون أي عناء لاثبات الولاء.
 
 
جلطة دماغية
وكان قد أصيب كيم جونغ إيل بجلطة دماغية عام 2008 إلا أنه قد شفي منها، ثم كثرت الشائعات التي تتحدث عن تدهور حالته الصحية إلى أن تم الإعلان عن وفاته في 17 ديسمبر، أثناء قيامه برحلة في القطار متوجها إلى مدينة بيونغ يانغ، بحسب ما أعلنه التلفزيون الرسمي لكوريا الشمالية.
وأعلنت الحكومة الكورية حالة ودعا البيت الرئاسي «البيت الأزرق» إلى الإجتماع الطارئ لمجلس الأمن الوطني، وقالت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية، أنه أعلن حالة الطوارئ والاستنفار في صفوف الجيش الكوري الجنوبي بعد إعلان وفاة كيم جونغ إل.
ورثى التلفزيون الرسمي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إل، وتوجه برسالة إلى الشعب الكوري الشمالي:
“لقد أفنى حياته من أجل القضية الثورية، وعمل بنشاط ليلا ونهارا لأجل تحقيق الإزدهار للوطن وللإشتراكية، وهو الذي غرس السعادة والحب بين الناس، وأعاد توحيد البلاد وأعلن استقلالها من العالم، لقد رحل فجأة وشعرنا بالأسف العميق.
إن موت الزعيم المفاجئ في وقت تاريخي عظيم، عندما أراد أن يفتح مرحلة تاريخية لبناء الدولة الجديدة والثورة الكورية تحقق تقدماً اشتراكياً، رغم الصعوبات، كانت النتيجة أعظم خسارة لحزب العمال الكوري وشعر جميع الكوريين بالحزن في الداخل والخارج.
كيم جونغ إيل، الذي ولد من رحم مقاتلو جبل بايكدو المقدس، ونشأ ليكون ثورياً عظيماً، قاد بحكمة وإخلاص لحزبه وجيشه وشعبه لفترات طويلة، وأداء لا يموت - مآثر الثورة الكورية.”
 
 
التدريب العقائدي
يقول لي يونغ غوك الذي كان يعمل حارسا شخصيا للزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونغ إيل لمدة عشر سنوات، أنه قبل العمل معه تلقى تدريبات قاسية للغاية إلا أن التدريب الرئيسي كان التدريب العقائدي ومسح دماغ، لكي يعتقد بأن كيم جونغ إيل هو إله، وأن السبب الوحيد لولادته هو الخدمة في حماية «القائد العزيز.»
وأكد أن الزعيم الراحل كان له وجهان”، حيث كان يمكنه أن يعطي الذهب عندما يكون سعيدا، ويمكن يحكم بالإعدام حين لا يكون كذلك، وأوضح “عندما كان كيم جونغ إيل يصل بساريته، كان على مستشاريه وهم بين الستين والسبعين من العمر، أن يركضوا ويلقوا بأنفسهم على العشب، وتتلوث ملابسهم بالتراب، ولكنهم كانوا يريدون الاختفاء من أمامه، بل وكانوا يشعرون بالخوف حتى عندما يكون سعيدا، بأن يصبح قاسيا، ويجز رؤوسهم.»
وقال بأنه يتذكر مسؤولا كبيرا ذات مرة استخدم المصعد الشخصي لكيم جونغ إيل ومنفضة سجائره، وعندما علم كيم بذلك أرسله إلى معسكر اعتقال وبعدها مات الرجل هناك.»
ويؤكد لي أنه كان يعلم بقسوة الزعيم الكوري الشمالي حين كان يعمل في خدمته، إلا أنه لم يدرك بأنه أن كيم كان ديكتاتورا حقيقيا إلا عندما هرب إلى كوريا الجنوبية، موطنه الجديد، بسبب عمليات مسح الدماغ التي تحدث للمقربين للزعيم الكوري الشمالي وللشعب نفسه.
 
 
 
 ويعتقد الشعب الكوري الشمالي ببعض الأساطير التي روج لها الإعلام الرسمي ويصدقها الشعب بسبب حالة التعتيم والعزلة التي يعيشها الشعب حيث لا يرى سوى التليفزيون الرسمي ولا يسمع سوه قائده الملهم.
ومن بين تلك الاساطير إن الثلوج تصدعت في بحيرة تشون البركانية الشهيرة بالقرب من مسقط رأسه عند جبل بايكدو «بصوت عال جدا بدا كأنه يهز السماوات والأرض»، بالإضافة إلى مشاهدة توهج واضح على قمة جبل شهير في كوريا الشمالية.
ولطالما بنيت حول كيم ايل، هالة من القداسة الدينية بما في ذلك ظهور قصص عديدة عن المعجزات والأعمال الخارقة التي نسبت إليه، مما يعني انها ليست المرة الاولى التي تروج فيها اساطير كهذه، وامعانا في الخيال، ذكرت الوكالة أنه عقب انتهاء العاصفة نحتت رسالة على الصخر تقول «جبل بايكدو، جبل الثورة المقدس. كيم جونغ إيل»، وتوهجت الرسالة بشكل واضح وظلت هناك حتى غروب الشمس.
ونقلت الوكالة أيضا أنه في اليوم نفسه اتخذ طائر كركي في منطقة منشوريا وضعا حزينا على ما يبدو أمام تمثال لوالد الزعيم الراحل في هامهونغ شمال البلاد، ونقلت الوكالة عن مسئولين قولهم «حتى طائر الكركي بدا حزينا على وفاة الزعيم الراحل كيم جونغ إيل، سليل السماء، بعد أن هبط هناك في ليلة شتوية شديدة البرودة، وهو غير قادر على نسيانه».
وحاول الإعلام الرسمي اقناع الشعب بأن الحزن على رحيل كيم جونغ ايل لم يقتصر على بني البشر بل ان الطيور تعتكف على اغصان الاشجار وقد هجرت الفضاء الرحب وامتنعت عن البحث عن قوت يومها لتبقى الى جانب ضريحه.
نشأة كيم جونغ إيل
ولد كيم جونغ إيل يوم 16 فبراير 1942 في معسكر سري للمتمردين بقيادة والده بالقرب من جبل بايكدو الشهير في كوريا بحسب الرواية الرسمية، وإن كان البعض يرجح أن ولادته كانت في الاتحاد السوفياتي عندما كان أبواه منفيين هناك.
اشتهر بشكل تصفيف شعره، والملابس والأحذية التي يرتديها، وخرج شيئا فشيئا من جلباب أبيه ليصبح واحدا من أكثر زعماء العالم غموضا، ويحول بلاده إلى قوة نووية، ما يزال الغرب يعدها تهديدا لاستقرار العالم.
والتحق كيم جونغ-إيل بمكتب التنظيم والدعاية التابع للحزب الشيوعي الكوري الشمالي الذي كان يتزعمه آنذاك عمه كيم جونغ-جو ثم شغل في 1973 منصب أمين عام للجنة المركزية قبل أن يصبح في 1974 عضوا كاملا في المكتب السياسي للحزب.
في 1990، تقلد منصب نائب رئيس لجنة الدفاع ثم أصبح القائد الأعلى للجيش في 1991 وبعد ذلك رئيسا للبلاد في 1994.
تأثر كيم جونغ-إيل، الذي يعشق السينما وموسيقى الأوبرا، بأحداث مؤلمة في حياته، أبرزها وفاة والدته في 1949 ورحيل أخيه ثم زواج والده مرة ثانية بامرأة تصغره 20 سنة.
 
 
 
تحسنت صورة كيم جونغ-إيل بعض الشيء بعد اللقاء الذي جمع الكوريتين سنة 2000. ووصف الرئيس الكوري الجنوبي كيم أي- جونغ آنذاك نظيره الشمالي بالرجل الذي “يستوعب الأشياء بسهولة” وبأنه كان يدرك بأن “الإصلاحات ضرورية”. نفس الكلام قالته أيضا مادلين أولبريت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة حيث وصفت الزعيم الكوري الشمالي “بالرجل العملي”.
ورغم بعض التحولات الصغيرة التي عرفها النظام الكوري الشمالي منذ عام 2000 إلا أنها غير كافية لإخراجه من العزلة الدولية التي يعيش فيها منذ أكثر من 30 سنة.
ففي الوقت الذي يصرف فيه أموالا باهظة من أجل التسلح، لا يزال الشعب يعاني من فقر مدقع ومجاعة خطيرة أودت بحياة مليون شخص على الأقل منذ التسعينيات. ورغم المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة، إلا أن هناك 3 ملايين كوري شمالي يعيش تحت تهديد المجاعة.
وتحكم عائلة كيم، بداية من كيم إيل سونغ، كوريا الشمالية أكثر من 6 عقود كأنها عائلة كبيرة واحدة، كان الناس يطلقون على كيم ايل سونغ «الأب» اي ابا الامة، وكانوا لا يعترضون على كل ما يقوم به رغم انه اجج الصراع مع الجارة كوريا الجنوبية. 
ولم يتغير الحال مع وصول نجله، حتى بوفاة الاخير، اذ تستعرض اللوحات الزيتية الجدارية الدعائية جنود كوريا الشمالية وهم يتشبثون بعائلة كيم مثل الأطفال الذين يتعلقون بآبائهم، ويمجد الجميع إيل عند أقرب تمثال له، ومثل أطفال يرعون مقبرة آبائهم كما تقضي ثقافة كوريا الشمالية، يتحرك المواطنون حول ضريح كيم تقريبا كل يوم منذ اعلان وفاته.