قعت منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” استمرار تراجع إنتاج النفط الخام الصخري الضيق وسوائل الغاز الطبيعي غير التقليدية خلال العام الجاري، مع انحسار مراكز الإنتاج لتبقى ممثلة في إنتاج محدود من أمريكا الشمالية مع بعض المساهمات من الصخر الزيتي في الأرجنتين وسيبيريا.
وقال تقرير للمنظمة صدر أخيرا عن آفاق سوق الطاقة في العالم، إنه من الضروري مراجعة الإنتاج العالمي بشكل دقيق دوريا ودراسة التوقعات متوسطة وطويلة الأجل، خاصة فيما يتعلق بإنتاج الدول خارج منظمة “أوبك”، خاصة ما يتعلق بالنفط الضيق وسوائل الغاز الطبيعي غير التقليدية، التي شهدت طفرة في الإنتاج منذ 2013 ويتوقع استمرار تأثيراتها حتى 2019.
وأوضح أن المعروض القادم من أمريكا الشمالية سيحدد كثيرا من ملامح السوق المستقبلية لأن الطفرة التي حدثت في إنتاج النفط الضيق، خاصة الصخري الزيتي وسوائل الغاز الطبيعي غير التقليدية غيرت كثيرا من ملامح السوق. وأشار إلى أن الطفرة الإنتاجية في النفط العالمي خلال السنوات 2013 - 2019 تعود في الأساس إلى الخام الأمريكي الضيق وسوائل الغاز الطبيعي غير التقليدية إلى جانب مساهمات رئيسية أخرى تأتي من البرازيل، ويواكب ذلك تراجع نسبي في بعض مراكز الإنتاج التقليدي في مناطق أخرى، ولا سيما المكسيك.
وقال التقرير إن ألاسكا وخليج المكسيك هما من المناطق الجغرافية الرئيسية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة ويقدمان إسهامات رئيسية في إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام الضيق وسوائل الغاز الطبيعي، مشيرا إلى أن نفط ألاسكا شهد تراجعا في الفترة الأخيرة بسبب القيود البيئية. وأوضح أن النفط الخام الذي يتم إنتاجه من منطقة ألاسكا الرئيسة لا يساهم حاليا إلا بـ6.6 في المائة من إجمالي النفط الخام في الولايات المتحدة بعد أن بلغ ذروته في 1988 ومتوقع أن يستمر في الانخفاض خلال العام الحالي.
وقال التقرير إن التطور السريع، الذي حدث في الفترة الماضية في إنتاج النفط والغاز الصخريين وسوائل الغاز الطبيعي غير التقليدية أدى حاليا إلى بدء مرحلة التراجع مع توالي توقف الحفارات النفطية في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن هذا الإنتاج يقاوم الخسائر حاليا عن طريق التركيز على تحسين كفاءة الحفر وتطوير نظم عمل وتشغيل المنصات وتحسين تصميم التكسير الهيدروليكي وعمليات التنقيب لزيادة الإنتاج وتقليل التكاليف في نفس الوقت.وأوضح أنه يتم حاليا تركيز الجهود على تخفيض تكاليف رأس المال والاعتماد على أسلوب “التعلم بالممارسة”، حيث يتم تعديل نظم العمل، حسب التجارب العملية في الإنتاج بما يحسن مستوى الإنتاج ويخفض تكاليفه. وقال المختص في الشؤون النفطية  بيتر فنش إن تنوع الإنتاج النفطي وزيادة موارد الطاقة أمر جيد وصحي للاقتصاد الدولي، ولا شك أن النفط الصخري يمثل طفرة إنتاجية وإضافة مطلوبة للسوق في ضوء توقع تنامي الطلب بشكل واسع على الطاقة على المدى الطويل بفعل النمو السكاني، خاصة في آسيا.
وقال إن منظمة “أوبك” أكدت بنفسها مرارا أنها ليست ضد الإنتاج الجديد، خاصة الصخري، لكنها مع ضبط الإنتاج بما يحفظ استقرار السوق بعدما تسبب التسارع الشديد في هذا الإنتاج على مدى الشهور الماضية في زيادة المعروض إلى حدة التخمة مقابل طلب ما زال بطيئا، ما أدى إلى انهيارات حادة في الأسعار.
وأشار إلى أن حالة عدم التوازن بين العرض والطلب لا يمكن أن تستمر بشكل دائم، وهناك مؤشرات قوية عن تحسن قادم في الطلب مع تقلص العرض بسبب الخسائر السابقة والإنتاج الذي أصبح غير مربح في عديد من المناطق. وأوضح أن الإنتاج خارج “أوبك” يتسم بعدم التنظيم وضعف المرونة في التعامل مع متغيرات السوق، حيث لا يمكن خفضه بسهولة في عديد من مناطق الإنتاج.
وشدد المختص النفطي رالف فالتمان في حديثه على أن التسارع السابق في إنتاج الصخري كان بهدف السباق والتنافس في المجالات الصناعية بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأقصى بينما يراه البعض الآخر مدفوعا بصراعات سياسية. وأوضح أن التسارع الشديد تسبب بعد انهيار الأسعار في صعوبة استمرار بعض الاستثمارات وتوقف الحفارات النفطية، خاصة في الولايات المتحدة وعودة التفوق والمزايا التنافسية من جديد إلى النفط التقليدي في الشرق الأوسط.
وقال إنه رغم التراجعات الحادة السابقة في الأسعار إلا أن عديدا من الدول النامية المستهلكة للنفط ما زالت تعاني موازنات ضعيفة، ولم تستفد بالشكل الأمثل من الوفورات في فواتير استهلاك الطاقة، كما استمرت مشكلة نقص الكهرباء وفقر الطاقة لدى قطاع كبير من سكان العالم، ما يعني أن زيادة الإنتاج لا بد أن تترجم في برامج تنموية واسعة.
وقالت المختصة في الشؤون النفطية أمريتا إنج إن منتجي النفط الصخري يسابقون الزمن حاليا من أجل التوصل إلى تكنولوجيات أكثر تطورا في الحفر والإنتاج، وفي نفس الوقت أقل تكلفة بما يمكنهم من تحقيق المواءمة الاقتصادية وتخفيض تكاليف الإنتاج حتى يمكن الاستمرار في ضوء الأسعار الحالية المنخفضة للنفط الخام.وشددت على ضرورة التوسع في الاعتماد على الطاقات الجديدة والبديلة وليس فقط الطاقة التقليدية حتى وإن تطورت وسائل وسبل إنتاجها، مشيرة إلى أن تقارير اقتصادية تحدثت عن نفاد النفط والغاز في شمال أوروبا، خاصة النرويج بعد أقل من 80 عاما. وأضافت أن الاحتياطات النفطية ما زالت ضخمة في المقابل في منطقة الشرق الأوسط، لكن القيود البيئية الدولية وتقلبات أسعار الخام تتطلب من جميع الدول المنتجة التوسع في الاعتماد على مصادر متنوعة للطاقة.