في كل غرفة انتظار، أرى مرضى لا يحملون عبء أعراضهم الجسدية فحسب، بل يحملون أيضًا ثِقلًا خفيًّا من التوتر. وبالنسبة للبعض، يجد هذا التوتر متنفسه في التدخين، ولدى آخرين يتجلى في الإفراط في تناول الطعام، أو التحديق بدون راحة في شاشات هواتفهم، أو قضاء ليالٍ بلا نوم. هذه الأنماط تختلف من شخصٍ لآخر، لكن الدافع الرئيسي وراءها غالبًا ما يكون أمر واحد وهو: صعوبة التكيّف مع ضغوط الحياة اليومية التي لا تنتهي.
العادات عبارة عن نسيج من العوامل. مثلاً الاعتماد على النيكوتين، و الحلوى والمشروبات الغازية و وجبات الطعام السريعة والعادات التي يُعيد الدماغ تعزيزها عبر نظام "مكافأة الدوبامين". وغالبًا ما يُسرّع التوتر من هذه الدائرة، فيجعل السلوكيات الإدمانية أكثر ترسخًا ويصعب عملية التخلص منها. وفي الواقع لا يمكن تجنب بعض مسببات التوتر بداية من الضغوط الاقتصادية إلى أعباء الرعاية والمسؤوليات الأسرية، فيصبح من الضروري تخفيف الأضرار الناتجة عن هذه السلوكيات. فكما لا نتوقع من شخص يعاني ألمًا مزمنًا أن يتحمله دون تخفيف، كذلك يستحق من لا يستطيع تغيير سلوكه السيئ كالتدخين أو الافراط في الاكل الغير صحي وسيلةً أقل ضررًا.
مثلاً الإفراط في تناول الطعام — نجد أنه أحد أكثر السلوكيات القهرية شيوعًا الناتجة عن التوتر. ويمكن لاتباع نهجٍ منظّم، يبدأ بتخطيط وجباتٍ صحية ويمتد إلى الوعي بالمحفّزات العاطفية وطلب المساعدة من مختصين، أن يحدث فرقًا ملموسًا. وعندما يصعب تغيير العادة، قد يوصي اختصاصي الغدد الصماء بعلاجات دوائية مثبتة علميًا، تشمل الحقن المثبطة للشهية المنتشرة مؤخراً. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات ليست خالية تمامًا من المخاطر، فقد أثبتت فعاليتها في إنقاص الوزن والحد من السلوكيات الغذائية القهرية و بالتالي تقلل من الاضرار الناتجة عن السمنة.
تشير الإرشادات الحديثة الصادرة عن الجمعية الأوروبية لأمراض القلب (esc) لعام 2025 إلى أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والمشاكل النفسية يواجهون صعوبات أكبر في الإقلاع عن التدخين. فإن توفير دعم متكامل - وفي الحالات التي يصعب فيها الإقلاع التام وهي نسب عالية جداً - وإتاحة بدائل أقل ضررًا، يُمكن أن يُساهم في تقليل مخاطر التدخين وتحسين جودة الحياة. فعلى سبيل المثال، أظهر مقال في منشور سبرنجر الطبي springer في اغسطس الحالي أن منتجات تسخين التبغ بدلا عن حرقه تُصدر مستويات أقل بكثير من المواد السامة مقارنة بالتدخين، رغم أنها لا تخلو من المخاطر وتحتوي على النيكوتين.
ووفقاً لمراجعة كوكرين (cochrane) الصادرة عام 2024، تبيَّن أن السجائر الإلكترونية تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين لمدة لا تقل عن ستة أشهر، بفعالية تفوق تلك التي تحققها علاجات بدائل النيكوتين التقليدية مثل اللصقات أو العلكات أو غيرها من الوسائل. وبالإضافة إلى ذلك أظهرت تحاليل مراجعة الأقران التي نُشرت عام 2025 في المجلة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة (ijerph)، وشملت تحليل 15 دراسة مستقلة، أن منتجات التبغ المسخَّن والسجائر الإلكترونية تُقلل من التعرّض للمواد الكيميائية السامة بنسبة تتجاوز 90% مقارنة بالسجائر التقليدية.
كما أن أكياس النيكوتين من البدائل لعادة التدخين . وهي منتجات صغيرة توضع بين اللثة والشفة، وتعمل على إيصال النيكوتين. تشير المراجعة العلمية المنشورة في فرونتيرز frontiers في اغسطس الحالي من قبل خبراء طبيين سعوديين في جامعة الملك عبد العزيز أن هذه الأكياس، رغم أنها ليست خالية تمامًا من المخاطر، إلا أنها تحتوي على عدد أقل بكثير من المواد الضارة مقارنة بالسجائر التقليدية فهي بديل أقل ضرر من السجائر. ومع ذلك، لا يُنصح باستخدامها من قبل البالغين الذين لم يسبق لهم التدخين أو استهلاك النيكوتين. 
ومن أجل تحقيق سلوكيات المجتمع في الكويت، سيتطلّب هذا الأمر الاعتراف بواقعنا الثقافي والاجتماعي الخاص. فليس هناك حلّ واحد يناسب الجميع، و للعاملين في القطاع الصحي دور محوري في مساعدة الأفراد على فهم كيف يمكن للتوتر اليومي أن يغذي سلوكيات الإدمان بصمت، وفي تقديم معلومات واضحة وسهلة الوصول حول خيارات بديلة عندما يستصعب عليهم تغيير سلوكياتهم و عاداتهم المضرة كالتدخين أو الافراط في الاكل. و دعم المدخنين البالغين الذين لم يقلعوا عن التدخين عبر توجيههم نحو بدائل أقل ضررًا مع توفير المشورة والمتابعة المستمرة، بجانب ضمان عدم الترويج أو إتاحة هذه المنتجات للشباب أو للبالغين الذين لم يدخنوا أو يستخدموا النيكوتين من قبل، إذ إن النيكوتين مادة عالية الإدمان وقد تؤدي إلى التعلق بها. وقبل كل شيء، يتطلب هذا الجهد تعاونًا وثيقًا بين أطباء الأسرة، وأخصائيي الصحة النفسية، والمجتمع الأوسع، حتى يتمكن الراغبون في التغيير من الحصول على الدعم الشامل الذي يحتاجونه للبدء بخطوات عملية نحو حياة أكثر توازنًا وصحة.
وفي المجتمعات الكويتية المتماسكة، يمكن لاختيارٍ صحي واحد أن يترك أثره العميق على أسرةٍ بأكملها. وإذا تعاملنا مع الإدمان بالتعاطف، والمعلومات الموثوقة، والحلول العملية، فبإمكاننا مساعدة المزيد من الأشخاص على التحرر من دوائر الأذى والسير بثبات نحو صحةٍ مستدامة وحياةٍ أفضل.