لم يعد في مقدرة القيادة الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي إنكار أن الاتحاد، بل عموم القارة الأوروبية تعاني الركود الاقتصادي، لكن المشكلة الأكثر حدة حاليا، أن أصوات عديد من الخبراء والمختصين باتت تتحدث وبشكل صريح، أن المجتمعات الأوروبية عليها إدراك حقيقة أن الاقتصاد الأوروبي سيعاني لسنوات طويلة قد تصل إلى عقدين أو أكثر من الركود الاقتصادي باعتباره واقعا لا مفر منها.
فقد أصدرت مؤسسة IPPR أحد أبرز المؤسسات البحثية في المملكة المتحدة، وعموم القارة الأوروبية، تقريرا أشارت فيه إلى تنامي ظاهرتين اقتصاديتين متناقضتين في آن واحد في أوروبا.
الأولى ارتفاع مستويات البطالة في عديد من القطاعات الاقتصادية حيث بلغ المعدل الراهن للبطالة 10.4 بالمئة، في الوقت ذاته نقص الأيدي العاملة في قطاعات اقتصادية أخرى إذا بلغ نحو 5.8 بالمئة، وفي إجمالي القارة الأوروبية، ووفقا للتقرير فإن هناك عددا من الأدلة تشير إلى أن تلك الظاهرة في طريقها إلى التنامي في الاقتصادات الأوروبية.
الدكتور بادي هامل أستاذ التحليل الاقتصادي الأوروبي أحد المشاركين في إعداد التقرير يعلق لـ «الاقتصادية» قائلا «تنامي البطالة في بعض القطاعات ونقص العمالة في قطاعات أخرى ولفترات زمنية طويلة، لا يمكن فقط تفسيره بنقص برامج التدريب، وإنما يكشف عن عورات في آليات النظام الاقتصادي ذاته، ترتبط بحالة من الجمود وتراجع الإنتاجية».
وأضاف أن قضية تراجع الإنتاجية لديها شقان الأول برامج التدريب، وهذا يعني أن السياسة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن تعاني مشكلة حقيقية في هذا الجانب، مشيرا إلى أن الجانب الأكثر خطورة هو نقص الإنتاجية الذي يعكس تراجعا في القدرة الاستثمارية لدى الرأسمالية الأوروبية منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، وعدم قدرة كبار الرأسماليين على الاستثمار الكثيف في الأنظمة الإنتاجية الحديثة، موضحا أن ذلك يكشف عن تآكل في القدرة المالية لأوروبا بما في ذلك أنظمتها المصرفية التي تمول العمليات الاستثمارية الضخمة مقارنة بالاقتصادات الناشئة والصين ناهيك عن الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب التقرير الذي يشير إلى خطر أكبر فيما يتعلق باستمرار ارتفاع معدلات البطالة الأوروبية لفترة طويلة، إذ إن التطور التكنولوجي السريع يوجد فجوة بين العاطلين عن العمل لمدد زمنية طويلة، وقدرتهم على التكيف مع وسائل الإنتاج الحديثة إذ ما أتيح لهم فرص عمل جديدة، ويعتقد التقرير أن التجربة الألمانية وعلى الرغم مما يعتريها من جوانب خل وقصور إلاأنها تعد الأفضل أوروبيا في كيفية التعامل مع مشكلة البطالة، ويدعو التقرير باقي بلدان القارة للاستفادة من التجربة الألمانية والإضافة إليها.
ولـ»الاقتصادية» تعلق تينا أرفين الباحثة في مركز IPPR قائلة «إن أبرز ما في التجربة الألمانية أن استثمارها في مجال الأبحاث والتطوير وهذا يزيد في المتوسط على أي دولة أوروبية أخرى بنحو 50 بالمئة، وتمثل ميزانية الأبحاث في الميزانية العامة الألمانية نحو 2.9 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي، أي أعلى من المتوسط العام للاتحاد الأوروبي الذي لا يتجاوز 2 بالمئة، كما أن زيادة ميزانية التعليم مظهر دائم في الميزانية الألمانية، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا بخفض ميزانية التعليم».
وعن مشكلة نقص العمالة في بعض القطاعات الاقتصادية فإن التقرير يرجع تلك الظاهرة إلى التحولات الراهنة في سوق العمل الأوروبية، والتحول بعيدا عن الوظائف ذات المهارات المنخفضة إلى الوظائف ذات المهارات العالية، مؤكدا وجود عديد من الدلائل على أن المعروض حاليا من المهارات في سوق العمل، لا يفي باحتياجات أصحاب العمل، كما يرصد التقرير صعوبة حصول الفئات العمرية الشابة في مجمل البلدان الأوروبية على فرص عمل حقيقية، وتراجع العقود الدائمة لصالح العقود المؤقتة.