قال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية أنس الصالح إن الانخفاض الحاد والمفاجئ إلى حد كبير في أسعار النفط العالمية منذ يونيو من العام الماضي جاء ليسلط الضوء مرة أخرى على إحدى أبرز معضلات الموازنة العامة للكويت.
وأضاف الصالح في كلمته الافتتاحية لمؤتمر (يورومني -الكويت) اليوم إن اعتماد الموازنة العامة على الإيرادات النفطية يرتبط بشكل رئيسي بالبيئة الهيكلية للاقتصاد الكويتي والدور المحوري للصناعة النفطية لا سيما أن الكويت تملك نحو 10 في المئة من المخزون العالمي للنفط وهي ضمن أكبر عشرة مصدرين للنفط في العالم.
وأوضح أن المؤتمر يعقد في ظل أجواء اقتصادية عالمية وإقليمية مليئة بالتحديات "إذ إن الأداء الاقتصادي في معظم مناطق العالم لا يزال عند مستويات متواضعة نسبيا وتنطوي الآفاق المستقبلية لذلك الأداء على احتمالات سلبية عديدة".
وذكر أن تحديات الأداء الاقتصادي العالمي انعكست بشكل مؤثر على منظومة مجلس التعاون الخليجي من خلال التراجع الحاد الذي تشهده أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ منتصف العام الماضي.
وبين أن الكويت ومنذ بداية ظهور فوائض العائدات النفطية في خمسينيات القرن الماضي أنشأت صندوق الاحتياطي العام وبادرت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي بإنشاء صندوق احتياطي الأجيال المقبلة وصناديق الثروة السيادية في البلدان المصدرة للنفط على المستوى العالمي.
وأشار الصالح إلى أن الكويت تواصل تطوير أداء هذين الصندوقين وإدارتهما بحصافة للتخفيف من أثر التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار النفط والتي باتت سمة من سمات أسواقه العالمية.
ولفت إلى أن الانخفاض الحالي لأسعار النفط في الأسواق العالمية وتداعيات استمراره على أوضاع الموازنات العامة يمثل أحد أبرز الاهتمامات على الساحات المحلية والإقليمية والدولية.
وأكد ضرورة التمييز بين العجز المالي للموازنة العامة وبين العجز الهيكلي لتلك الموازنة والمرتبط أساسا ببنية الاقتصاد الوطني المعتمد على النفط ومشتقاته وما يصاحب ذلك من قصور في تنوع مصادر الإيرادات من جهة والنمو المتسارع للمصروفات الجارية لتلك الموازنة من جهة أخرى.
وأشار إلى أهمية التمييز بين العجز المالي والعجز الهيكلي في تحديد نوعية المعالجات المطلوبة لتلك العجوزات حيث إن العجز المالي يمكن معالجته من خلال التمويل من الاحتياطيات العامة أو الاقتراض وهو عجز مؤقت يتلاشى مع ارتفاع أسعار النفط.
أما العجز الهيكلي فأوضح الصالح أنه يرتبط بالضرورة بالبنية الهيكلية للاقتصاد الوطني واعتماده على النفط كمصدر يكاد يكون وحيدا لتوليد الدخل مبينا إن هذا العجز تتطلب معالجته إصلاحا اقتصاديا شاملا لا يمكن تحقيقه إلا على مدى أطول من الزمن.
وقال إن مواجهة العجز الهيكلي للموازنة العامة تتطلب إعادة تحديد دور الحكومة في الاقتصاد الوطني باتجاه تعزيز الجانب الرقابي والتنظيمي والإشرافي وتطوير قدراتها على القيام بذلك الدور بكفاءة وتعزيز دور القطاع الخاص في دفع عجلة التنمية والنمو الاقتصادي.
وشدد على وجوب مواصلة الاهتمام بتنمية وتطوير القدرات الانتاجية للاقتصاد الوطني في مجالات التنمية البشرية "التعليم والصحة" وتطوير البنى التحتية في مختلف القطاعات الاقتصادية وتوسعة وتطوير شبكة الامان الاجتماعي بما يضمن متطلبات العيش الكريم لشرائح المجتمع وخصوصا ذوي الدخول المتدنية.
وذكر الصالح أن مسارات التحرك التي انطلقت فعلا "والتي نحرص على إتباعها لتحقيق الإصلاح المالي كقاطرة للاصلاح الاقتصادي المنشود تتضمن دراسة البدائل المختلفة لسد الفجوة التمويلية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط بما في ذلك أولوية الاقتراض المحلي".
وشدد على ضرورة الاخذ بعين الاعتبار وجود الإطار التشريعي لإصدار أدوات الدين العام والخبرة الممتدة لبنك الكويت المركزي في إدارة إصدارات أذونات وسندات الخزانة الكويتية نيابة عن وزارة المالية منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وذكر أن خطوات الإصلاح المنشود تتضمن استكمال منظومة التشريعات واللوائح لتفعيل الصيغ المختلفة للشراكة بين القطاعين العام والخاص بما ينسجم مع إعادة تحديد الدور الاقتصادي للحكومة باتجاه الرقابة والتنظيم والإشراف وتعزيز الدور الرائد والرئيسي للقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
وبين أنه تم أخيرا بدء إجراءات طرح عدد من المشروعات التنموية بنظام ال(البناء والتشغيل والنقل) ومنها محطتا الزور والخيران للطاقة الكهربائية وتحلية المياه ومحطة العبدلي لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية ومشروع كبد لتدوير النفايات.
وأوضح الصالح أن ذلك يسير بالتوازي مع تكثيف الجهود الرامية إلى خلق مناخ استثماري جاذب للمستثمر المحلي والأجنبي من خلال تطوير بيئة الأعمال وتبسيط وتقليص الإجراءات البيروقراطية.
وأشار إلى أن العمل جار حاليا على تعزيز مرونة الموازنة العامة للمصروفات الجارية والإيرادات غير النفطية وزيادة كفاءة برامج الدعم المختلفة بما يضمن توجيه الدعم لمستحقيه وإعادة النظر بنظم التسعير مقابل الانتفاع بالسلع والخدمات للحد من مظاهر الإسراف فيها وتحسين جودتها.