بخبرة بسيطة يرافقها تصميم وإرادة وحب لهذا الوطن تمكن عبدالإله القناعي رحمه الله من افتتاح أول صيدلية طبية متكاملة أو (دواخانه) في الكويت عام 1919.وكانت ال(دواخانه) كما كان يطلق عليها أهل الكويت قديما أول صيدلية في البلاد يؤسسها كويتي ويعمل فيها ويقدم من خلالها خدمات صحية عديدة منها تحضير الدواء وتركيبه وعلاج أمراض بسيطة إضافة إلى الطعوم ضد الأمراض والأوبئة التي كانت تظهر بين حين وآخر في البلاد.وفي هذا السياق قال الدكتور خالد الجارالله في كتابه (دواخانه) الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية عام 2005 إن مؤسس ال(دواخانه) المرحوم عبدالإله بن عبدالله القناعي ويعد من الشخصيات الكويتية البارزة في وقته إذ تعلم من والده المرحوم الملا عبدالله بن محمد القناعي علوم الدين واللغة والأدب واللغة الإنجليزية وأدب التدوين وحفظ الوثائق.وأضاف أن الملا عبدالله القناعي والد عبدالإله كان يعمل كاتبا خاصا للمعتمدية السياسية البريطانية في الكويت عام 1904 وبسبب كفاءته وإخلاصه في العمل منحته الحكومة البريطانية وشاحا ولقب (خان بهادر) تقديرا لجهوده وإخلاصه في العمل.وأوضح أن هذه المكانة المرموقة للملا عبدالله مكنت ولده عبدالإله من الحصول على فرصة عمل كمساعد لطبيب مستوصف المعتمدية البريطانية في عام 1909 ما مكنه من اكتساب الخبرة والاطلاع على العديد من الأمور الطبية إضافة الى تمكنه من خلال هذا العمل من الاطلاع على أحوال المرضى والاحتكاك بكل أفراد المجتمع وبناء علاقات اجتماعية مع الكثير من الأسر الكويتية.وأوضح أن عبدالإله ظل يعمل ويتدرب على فنون الطبابة والتطعيم ووصف العلاجات ومعرفة استعمال الأدوات الجراحية في مستوصف المعتمدية البريطانية حتى عام 1912 حيث توقف المستوصف عن العمل وأقفل أبوابه بسبب الحرب العالمية الأولى.وأشار إلى أن عبدالإله استمر في العمل بالمعتمدية البريطانية في الكويت - حتى بعد اقفال المستوصف - إلى أواخر عام 1918 عندما فكر في الانتفاع بما اكتسبه من خبرة طبية أثناء عمله في مستوصف المعتمدية فعمل على تجهيز مكان مناسب لممارسة مهنته الطبية ثم سافر عام 1919 إلى مدينة بومباي الهندية للاطلاع على الأدوية وطرق استعمالها والتعرف على المعدات الطبية المستعملة للأغراض العلاجية إلى جانب التعرف على بعض البضائع الخاصة في العناية بالنظافة العامة.وذكر أن عبدالإله بدأ في التعامل مع التاجر المرحوم حسين بن عيسى المستقر في مومباي لتوفير ما يحتاج إليه من الأدوية والمعدات الطبية وارسالها الى الكويت التي عمل فور الوصول إليها على تجهيز مقر (الدواخانه) لتصبح عيادة طبية متكاملة يقدم فيها مختلف الخدمات والعلاجات الطبية للناس طيلة فترة العشرينيات والثلاثينيات من بدايات القرن الماضي.وبين الجار الله أن مقر ال(دواخانه) كان وسط السوق وتحديدا تحت الكشك الخاص بالمغفور له الشيخ مبارك الصباح الذي أصبح فيما بعد مقرا للمحكمة الشرعية إذ كان يطل على ساحة الصرافين ويقع في المدخل الشرقي لسوق التمر والخضراوات من جهة ومدخل (سوق التناكة) من جهة أخرى.وأكد أن موقع ال(دواخانه) كان يعد مكانا مميزا لممارسة المهنة في تلك الفترة حيث يتوسط أسواق الكويت قديما مما يسهل على كل مريض ومحتاج الاستدلال عليه فضلا عن قربه من حائط أو لوحة إعلانات الحكومة التي كان يستخدمها عبدالإله للاعلان عن خدماته الطبية.وذكر الجار الله في كتابه أن عبدالإله القناعي تمكن من إظهار قدرته في التطبيب ووصف العلاجات للعديد من الأمراض آنذاك مثل الصداع والإمساك وآلام البطن والأمراض المعوية الطفيلية والحمى والتهاب الشعب الهوائية وأمراض المسالك البولية وأمراض العيون وأمراض الجلد.وأضاف أنه أستطاع أيضا تركيب الدواء وصرفه وعلاج الجروح وتضميدها وعلاج آلام الأسنان وخلعها وإجراء بعض الجراحات البسيطة مشيرا إلى أن عبدالإله جمع في شخصه أعمال الفريق الطبي المتكامل فكان الطبيب والممرض والصيدلي والمعلم الصحي في آن معا.وأوضح أن ال(دواخانه) أدت دورا في نشر ثقافة التطعيم والوقاية من مرض الجدري الذي كان منتشرا في الكويت والجزيرة العربية في ذلك الوقت إذ قام عبد الإله بإحضار أمصال التطعيم ضد الجدري من الهند وتقديم خدمة التطعيم للراغبين من الأهالي والمراجعين بأجور رمزية.وأشار إلى أن ال(دواخانه) وفرت لوازم المرضى الدوائية والضمادات الطبية والأدوات الجراحية والأدوية المركبة والمصنعة التي كانت تستورد من الهند أو بريطانيا إضافة إلى مستحضرات دوائية مستخلصة من الأعشاب.وأضاف أن عبدالإله استعمل الكثير من تلك الزيوت النباتية في علاج العديد من الأمراض مثل زيت الخروع والدارسين والمراهم والكريمات إضافة إلى توفيره قطرات العيون ومستحضرات الحقن واللصقات والأقراص (حبوب المص) وأنواع أدوية الشراب مثل (الكفوركو) لعلاج السعال والمياه العطرية كماء النعناع المركز المضاد للمغص المعوي.يذكر أن ال(دواخانه) مهدت لافتتاح صيدليات أخرى في الكويت قديما اذ افتتحت (الصيدلية الإسلامية الوطنية) عام 1927 لصاحبها المرحوم عبداللطيف الدهيم وصيدلية (وانيس) لصاحبها الصيدلاني وانيس عام 1935 ليتم بعد ذلك تأسيس العديد من الصيدليات الأهلية.