يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة فرحان بن فهد الخالد.

حياته كانت مليئة بجلائل الأعمال ومكارم الأخلاق
كان متواضعاً بين الناس وكريماً في عطائه

المولد والنشأة:
هو فرحان بن فهد بن خالد بن خضير بن علي بن فيصل ولد عام 1296هـ في أسرة عريقة الأصل لها أعمالها الطيبة وهي أسرة (آل خالد) اشتهرت بالكرم والإصلاح وأحب العلم والعلماء ونشأ نشأة دينية، ولم تكن الثروة التي يملكها والده لتدفع به إلى التراخي والكسل بل دفعته للسعي والجد والتعلق بأهداب الفضيلة فكان متواضعا بين الناس كريما في عطائه، كان من رواد مجلس المرحوم السيد خلف باشا النقيب وكان رواده مشغولين دائما بالسعي لخير العباد.
أوجه الإحسان في حياته:
أهل الخير أناس متميزون في خصالهم وعطائهم أثروا في أوطانهم بالعلم والفكر والإصلاح، وحياة هذا الرجل مليئة بجلائل الأعمال ومكارم الأخلاق، ملأها بالمآثر النبيلة.. فكانت صفحة منيرة في سجل رجال الكويت البارزين التي تستمد منها الأجيال القادمة معاني الخير وحب الإصلاح وخدمة المجتمع.
الجمعية الخيرية
يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه (تاريخ الكويت) لا يستحق أن يعطي صك الشرف والسبق في هذه المؤسسة النافعة غير الشاب التقي المبرور «فرحان الفهد الخالد الخضير» فإنه هو أول من أخذ يفاتح الناس بأمرها ويحسن لهم القيام بمشروعها، وقد لقي «رحمه الله» آذانا صاغية وميلا كبيرا من مواطنيه، لما له من المكانة السامية بينهم، ولما له من الجاه والسمعة الحسنة بالاستقامة والصلاح، وكان الغرض من تأسيسها كما جاء في المنشور الذي أذاعته الجمعية إذ ذاك هو:
- إرسال طلاب العلوم الدينية إلى الجامعات الإسلامية في البلاد العربية الراقية كمصر وبيروت ودمشق وغيرها وبدل ما يقتضي لهم من المصاريف في مدة تحصيلهم من صندوق الجمعية.
- جلب محدث فاضل يعظ الناس ويرشدهم  إلى الصراط المستقيم.
- جلب طبيبا وصيدليا مسلمين حاذقين لمداواة الفقراء والمساكين، وإعطائهم العلاجات اللازمة مجانا.
- توزيع الماء الذي هو من أهم حاجات البلاد.
- تجهيز وتكفين أموات المسلمين الفقراء والغرباء.
- افتتحت الجمعية في ربيع الآخر سنة 1331هـ وأقيم لافتتاحها حفل ألقيت فيه خطب من بعض الفضلاء من بينهم العالم الفاضل الشيخ عبد الله الخلف الدحيان والمرحوم فرحان الفهد الخالد.
أعمال الجمعية الخيرية
قامت الجمعية بأعمال طيبة لخدمة الكويت والمواطنين وبخاصة الفقراء والمساكين والغرباء وهذه أعمال الجمعية كما ذكرها المؤرخ الكويتي العم سيف مرزوق الشملان في كتابه: «أعلام الكويت».
1 - المستوصف: افتتحت الجمعية مستوصفا صغيرا لعلاج المواطنين مجانا، وهو أول مستوصف يؤسس في الكويت من قبل الأهالي، وأحضرت من البصرة طبيبا تركيا ومعه صيدلي للعمل في المستوصف.
وافتتاح المستوصف من أجل الأعمال التي قامت بها الجمعية نظرا لحاجة الكويت الماسة إليه، وقد تطوع بعض الشباب يومئذ لمساعدة الطبيب في تمريض المرضى وتضميد الجرحى.
2 - المكتبة: جمعت الجمعية الكتب من الأهالي وحفظتها في مقرها حتى تؤسس لها مكتبة عامة يرتادها الجمهور للقراءة. وكذلك اشتركت في بعض الصحف والمجلات، ليطلع أعضاء الجمعية وغيرهم على الأحداث العالمية.
3 - الواعظ: كتبت الجمعية للعالم الجليل المرحوم الشيخ «محمد الشنقيطي» بأن يجيء إلى الكويت بعدما وصل البصرة قادما من مصر، فحضر بعد افتتاح الجمعية للوعظ والإرشاد، فكان يلقي الأحاديث الدينية في المساجد والجوامع، ويحث الناس على العلم والأخذ بأسباب الحضارة.
4 - تعليم الأميين: افتتحت الجمعية في مقرها صفا لتعليم الأميين القراءة والكتابة، وكان يشرف على التعليم وعلى إلقاء الدروس الشيخ محمد الشنقيطي.
5 - الماء: أخذت الجمعية تجلب الماء من شط العرب في البصرة بواسطة سفن شراعية (بوم) وتوزع الماء مجانا على الفقراء والمساكين، وكانت الكويت في ذلك الوقت تعاني من قلة الماء، ناهيك عن فصل الصيف لا سيما على الفقراء الذين ليس في استطاعتهم شراء المال من السفن التي تجلبه من شط العرب.
6 - تجهيز الموتى وتكفينهم: قامت الجمعية بتجهيز وتكفين أموات المسلمين الفقراء والغرباء أيضا.
7 - أعمال أخرى: ذكر الأريب محمد ملا حسين التركيت في مقالة بمجلة البعثة: «إن الجمعية اهتمت بصفة خاصة بالحالة الاجتماعية وتحسينها وإصلاح ما فسد، وتعمير المساجد وإتمام نواقصها، حتى أنها عملت لكل مسجد سريرا (نعشا) للموتى كتبت عليه اسم المسجد، كما اهتمت أيضا بالأخذ بيد الضعيف..».
8 - الإصلاح الاجتماعي: كما توجه المحسن فرحان بن فهد الخالد الخضير إلى الإصلاح الاجتماعي ممن خلال حثه على صلة الرحم وإصلاح ذات البين، وزيادة التواصل والتراحم بين الناس.
وبشكل عام فقد استفاض خير هذه الجمعية الخيرية وفضلها على غير المسلمين، فقد أسلم بعد افتتاحها جماعة من اليهود وجماعة من النصارى المقيمين في الكويت.
قالوا عنه: في بيت آل خالد وأبنائه قال المرحوم الشيخ عبد العزيز أحمد الرشيد:
هات اليراع لأقضي حقا وجبا
لمن أنبروا للمكرمات وشمروا
أما يراعي فهو أعرج منحني
مازال يكبو في السباق ويعثر
هات اليراع لتمتطيه أناملي
في مدح قوم في العلا ماق صروا
السابقين إلى المفاخر فوقهم
سبقا لعمري شمسه لا تستر
فليهنكم آل خالد سبقكم
والسبق في الخيرات فخر يذكر
وفاته
سافر فرحان الفهد إلى الهند في شهر ذي القعدة سنة 1331هـ وظل في بومباي مدة شهر ونصف للعلاج ولما رأى أن العلاج لم يجده نفعا، وأن المرض ازداد عليه كثيرا وأقعده، قرر أن يعود إلى الكويت ليتوفى بها ويدفن في تربتها التي نشأ عليها ولكنه لم ينل هذه الأمنية فعندما وصلت الباخرة (سردار) إلى ميناء (بندر عباس) توفي فرحان على سطح الباخرة في شهر محرم سنة 1332هـ ديسمبر 1913م، وهو في ريعان شبابه، حيث أن عمره كان (33 سنة) ودفن في بندر عباس أحد موانئ الخليج العربي. رحمه الله رحمة واسعة وأثابه أجرا كبيراعلى أعماله الطيبة لخدمة وطنه وأبناء وطنه، وصدق الله العظيم حيث يقول في كتاب الكريم:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة لقمان.
وقد كان لموته رنة أسف وحزن عظيمين في الكويت وعلم أهلها أنهم أصيبوا فقد أحد أخيار بلدهم فضلا وأدبا وأخلاقا وغيرة وحماسا، وقد رثاه الأريب السيد مساعد بن السيد عبد الله فقال:
متى يسلو منا القلب والنفس تمرح
وقد مات فرحان فهيهات نفرح
وبعد وفاته قام أخواه أحمد وعلي بإكمال رحلة الخير لهذه الجمعية وبعد مدة توقف العمل بها لأسباب اضطرارية ولكن الله لم يرد أن ينقطع هذا الأثر الخير، فبعد توقف الجمعية حفظت الكتب لدى بيت آل بدر ولما تأسست المكتبة الأهلية سنة 1341هـ - 1922م بفضل مساعي الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، تسلمت كتب الجمعية والمكتبة الأهلية هي المكتبة العامة حاليا التي تتبع وزارة التربية، ولعل مكتبة الجمعية الخيرية كانت النواة الأولى للمكتبة الأهلية كما قال الشيخ عبدالله النوري في كتابه: «قصة التعليم في الكويت في نصف قرن».
رحم الله المحسن «فرحان بن فهد الخالد» وألحقه بالذين أنعم عليهم من النبيين والصديبقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.