يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة عبد الله عبد اللطيف العثمان.

- أسس مع إخوته مدرسة العثمان التي افتتحت في منتصف ثلاثينات القرن العشرين
- عين مديراً لبلدية الكويت عام 1948م إضافة إلى إمامته لمسجد قصر نايف
- خصص ديوانية للفقراء والمساكين يلتقي بهم ويتعرف على حاجاتهم

المولد والنشأة

هو عبد الله عبد اللطيف عبد الله العثمان، نشأ في أسرة ترجع أصولها إلى قبيلة سبيع بن عامر في الإحساء.
ولد بالكويت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي في حي «القبلة» بسكة «ابن دعيج» حيث كان منزل والده المرحوم «عبد اللطيف». تعلم في الكتاب على يد المشايخ ومن ثم المدرسة المباركية ولفطنته وتميزه في علم الحساب رشح مع أخيه الملا «عثمان» ليكونا مدرسين في المدرسة المباركية رغم حداثة سنيهما.
وبعد فترة من الاشتغال بالتدريس قرر «عبد الله العثمان» وإخوته الثلاثة «عثمان ومحمد وعبد العزيز» إنشاء مدرسة لهم يدرسون فيها علم الفقه والحساب واللغة العربية ولم يترددوا في تنفيذ هذه الفكرة التي أفادت الكويت وأهلها، فكانت مدرسة العثمان التي افتتحت في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين بالإضافة إلى عملهم في الصيف على مركب الغوص العائد لوالدهم رحمه الله.
وبعد سنوات من العمل في التدريس ترك «عبد الله» هذه المهنة ليلتحق بالعمل الحكومي، حيث عمل في بلدية الكويت التي عين مديرا لها عام 1948م بالإضافة إلى إمامته لمسجد قصر نايف التي استمرت حتى وفاة «الشيخ عبد الله الأحمد الصباح» رحمه الله.
وبعد ترك العمل الحكومي عمل في تجارة العقارات، وقد كان عبد الله العثمان شاعرا وأديبا فقد صدر له كتاب «ديوان العثمان» سنة 1965 قبيل وفاته وتم إعادة طبعه حديثا باسم «أفياء الأغصان من ديوان العثمان» من إعداد وتأليف ابنه عدنان العثمان.
 
أوجه الإحسان في حياته
 

إحسانه على الفقراء:

عمل عبد الله عبد اللطيف العثمان في التجارة العقارية، فمن الله عليه بالخير الوفير والنعم الكثيرة التي لم ينس الحمد والثناء لله عليها، فسعى إلى فعل الخيرات، وخصص ديوانية للفقراء والمساكين يلتقي بهم ويتعرف على حاجاتهم وفتح قلبه للغارمين والمدينين والراهنين فسدد ديون الكثيرين غير منتظر من أصحابها السداد ومنح قروضا كثيرة غير محددة الموعد ودون مطالبة بها فكان دائما يفك ضيق المدين لحين ميسرة، كما تبرع بمصاريف إنشاء غرفتين في المستشفى الأمريكاني لعلاج الفقراء وجعلها جزءا من وصيته بعد مماته.
وذلك عملا بقول الله تعالى
«إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم» سورة التوبة
كما عرف عن المحسن عبد الله عبد اللطيف العثمان أنه كان شديد الحرص على تحري نصاب الزكاة، وكان يتصدق بأكثر من النصاب طمعا في حب الله وكرمه فهو يعلم أن الله أكرم ممن خلق، وتعبيرا صادقا منه عن شكره لله الذي أغدق عليه من نعمه.
ومازالت حشود المستحقين للزكاة في موسم إخراجها حديث الناس يتناقلونه يوما بعد يوم وهم يدعون الله تعالى لمن أحسن إليهم.
 

موقف إحسان ونبل

جاءته امرأة ذات يوم بديوانه بالمرقاب ولما وجدت الديوان مكتظا بالناس جلست بعيدا عنهم على استحياء، شعر المحسن عبد الله عبد اللطيف العثمان أن لها حاجة، فقام إليها وسألها عن حاجتها فقالت:
توفي زوجي وترك بيتنا مرهونا عند أحد المرابين وقد نفذت المحكمة حكم البيع وأصبحت أنا وأولادي بلا مأوى، فقال لها:
اذهبي بأطفالك إلى بيتك وغدا إن شاء الله ستكون وثيقة البيت بين يديك، ثم أبلغ المرابي أن يحضر إلى مكتبه ليتسلم كامل الدين ويرد البيت إلى الأيتام وأمهم الأرملة المسكينة، وقد فعل. ومما يذكر أن الدولة قامت بتثمين البيت بعد ذلك بمبلغ كبير، انتفعت به الأم في تربية الأيتام وتعليمهم.
 

العناية بالمساجد:

عاش رحمه الله مهتما بعمارة المساجد وصيانتها، فقد بني في الكويت ثلاثة مساجد أكبرها المعروف باسم مسجد العثمان بمنطقة النقرة وهو مسجد ضخم ذو مئذنتين أسسه عام 1378هـ - 1958م والمسجدان الآخران في خيطان والعقيلة.
ولم يقتصر إحسانه على بناء بيوت الله في الكويت بل تجاوز حدود الدولة وامتد إلى بلاد المسلمين في أماكن متفرقة في العالم نذكر منها:
 

في سوريا

بنى مسجدا في دمشق يعد المسجد الأكبر بعد الجامع الأموي وبنى بجواره مستشفى خيريا ومدرسة إسلامية ومجمعا تجاريا كبيرا أوقف ريعه للصرف على المستشفى والمدرسة وصيانة المسجد.
 

في لبنان

بنى رحمه الله مسجدين في لبنان: أحدهما في مصيف بحمدون، والآخر في مدينة صيدا.
 

في خارج البلاد العربية

لم يكتف المرحوم عبد الله عبد اللطيف العثمان بما بناه في كل من سوريا ولبنان، بل امتد إحسانه ليشمل الاقليات المسلمة في غير البلاد الإسلامية، فساهم ببناء المساجد في كل من الولايات المتحدة وكينيا، والنيجر، وبانكوك وكوريا الجنوبية، (وذلك حسب ما ورد في سجلاته القديمة لعام 63/ 1964م) مما أسهم كثيرا في تمسك المسلمين في تلك الدول بإسلامهم وأعانهم على تأدية شعائره، وأدى إلى تثبيت الدعوة وانتشارها.
وقد كان للمرحوم مساهمة كبيرة بدعم المجاهدين الجزائريين خلال حرب التحرير، وتقديرا لذلك أطلق الجزائريون اسمه على أحد شوارع مدينة الجزائر، وفي جمهورية مصر العربية منحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى سنة 1377هـ، كما تم إطلاق اسمه على أحد شوارع محافظة حولي تقديرا لإحسانه.
 

وصية إحسان

أوصى رحمه الله بثلث تركته وقفا للعمل الصالح وبناء المساجد تاركا إدارتها إلى الهيئة العامة لشئون القصر في الكويت بالمشاركة مع الصالح من أبناء وأمر باستثمار تلك الأموال وتوزيع ريعها على المستحقين من فقراء المسلمين والأعمال الخيرية.
 

وفاته

توفي عبد الله العثمان في العام 1385هـ الموافق 1965م ومازال إحسانه ممتدا يقضي حاجة المحتاج ويجير المستجير.
رحم الله المحسن عبد الله عبد اللطيف العثمان وأسكنه فسيح جناته.