يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة شملان بن علي آل سيف.

- لم يركن إلى ما ورثه عن والده من ثروة وسعى جاهدا في تنميتها
- شارك في أول مجلس للأعيان في الكويت عام 1921م أثناء حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح 
- ديوانيته كانت  ملتقى أهل العلم والشورى في الكويت كان يستضيف فيها العلماء الوافدين

المولد والنشأة

ولد المحسن شملان بن علي آل سيف في الحي الشرقي من مدينة الكويت في بيت عز وجاه وثراء، توفي والده سنة 1304هـ - 1886م وعمره نحو 23 سنة، فورث هو وشقيقه الأكبر حسين «وهو من الرجال البارزين الذين خدموا الكويت – توفي سنة 1326هـ» ثروة طائلة تقدر بمئة وخمسين ألف روبية في ذلك الوقت.
نظرا لفطنته واستعداده الفطري للاعتماد على نفسه ومواصلة الحياة بعد وفاة والده بجد واجتهاد لم يركن شملان إلى ما ورثه عن والده من ثروة وسعى جاهدا في تنميتها ولما كانت مجالات العمل في الكويت آنذاك منحصرة في التجارة أو العمل في البحر لصيد اللؤلؤ فقد اشتغل شملان بتجارة اللؤلؤ يشتريه من الغواصين ثم يسافر بتجارته إلى مراكز بيعه في البحرين أو الهند بمشاركة شقيقه حسين «رحمهما الله» فزادت الثروة وذاع صيته بين التجار لصدقه وأمانته، وبلغت ثروتهما أول العشرينيات ثمانمائة وخمسين ألف روبية، وكان هذا المبلغ كبير جدا في ذلك الوقت.
شارك شملان في أول مجلس للأعيان في الكويت سنة 1921م في أول حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه، وقد كان رئيس المجلس آنذاك المرحوم حمد الصقر.
 
أوجه الإحسان في حياته:
 

في مجال التعليم

كانت ديوانية شملان بن علي ملتقى أهل العلم والشورى في الكويت يستضيف فيها العلماء الوافدين حيث تعقد حلقات العلم وتبادل الآراء.
ولما عقد أهل الرأي والشورى بالكويت العزم على بناء مدرسة حديثة سميت مدرسة المباركية تبرع شملان بمبلغ «5000» خمسة آلاف روبية لتأسيسها وهكذا كان تواقا للقضاء على الجهل ونشر نور العلم في وقت كان التعليم فيه محصورا في الكتاتيب التقليدية القديمة.
 

تعليم الأيتام

رغم وجود مدرستي المباركية والأحمدية – إلا أن المدرستين ضاقتا بطلاب العلم، ووجد شملان بن علي أن هناك كثيرا من اليتامى محرومين من نعمة التعليم لعدم وجود عائل ينفق عليهم.
فهداه الله إلى تأسيس مدرسة خاصة تضم اليتامى من أهل الكويت يتلقون فيها بالمجان علوما مختلفة أسوة بغيرهم من الطلاب المنتسبين إلى مدرستي المباركية والأحمدية وسميت «مدرسة السعادة» وخصص لها جزءا من ماله وعين للعمل فيها مدرسين أكفاء وأوكل إدارتها إلى الشيخ أحمد الخميس الذي كان راتبه مائة روبية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، وقد فتحت المدرسة أبوابها في عام 1343هـ «1924م» وكانت ثالث مدرسة نظامية بالكويت، وكان التعليم فيها مجانا للطلاب، وبلغ عدد طلابها نحو ثلاثمائة تلميذ. في سنة 1934م اضطر لإغلاقها حيث لم يعد بوسعه الصرف عليها بعد ذهاب ثروته إثر كساد تجارة اللؤلؤ، بسبب ظهور اللؤلؤ الصناعي.
 

قالوا عنه:

في الاحتفال الذي أقامه شملان بن سيف بمناسبة افتتاح مدرسة السعادة سنة 1924م قام الشاعر الشاب المرحوم عبد اللطيف إبراهيم النصف يثني عليه بقصيدة وردت فيها الأبيات التالية:
اليوم نال العلا والمجد ما طلبا
مذ أصبحا لأبي الأمجاد قد نسبا
مازال يدأب والخلائق يكلؤه
حتى استكان له الأمر الذي صعبا
الله أكبر يا «شملان» كم لك من
مكارم فقت فيها العجم والعربا..
وقد قال الشيخ يوسف بن عيسى في هذه المدرسة وفي مؤسسها الفاضل قصيدة غراء على لسان أحد الأيتام :
أيا من شاد للأيتام دارا
حباك الله مجدا واعتبارا
وأولاك الجليل جليل فضل
يشيد به من العليا منارا
وأسكنك الجنان جنان عدن
تحل برحبها دارا فدارا
كما أن العالم الجليل الشيخ عبد الله الخلف الدحيان قد نظم قصيدة في مدح شملان لافتتاحه هذه المدرسة الفريدة من نوعها، ختمها ببيت أرخ فيه لافتتاح المدرسة سنة 1343هـ - 1924م فيقول:
وإن رمت تاريخي فهاك مؤرخا
ألا إن خير البر ما كان عاجلا
إطعام الفقراء وقت العسرة:
ورث شملان بن علي عن أبيه كريم الخصال، فعاش حياة حافلة بجليل الأعمال الخيرية، واشتهر بإحسانه إلى الفقراء والمساكين في السر والعلن مع شقيقه «حسين»، وتجلى إحسانهما وقت العسرة عندما حلت الأزمة الاقتصادية بالمنطقة العربية كلها أثناء الحرب العالمية الأولى «1914 – 1918م» حيث انقطعت سبل المواصلات وتوقف التجار عن عملهم وبلغت الأزمة منتهاها، فسارع شملان وأخوه إلى إطعام الفقراء والمساكين، وكان ديوانهما مفتوحا للضيوف والفقراء وغيرهم.
 

الماء للعطشى

كان الماء قديما يجلب من خارج الكويت من شط العرب أمام البصرة بوساطة السفن وكان شملان بن علي وشقيقه حسين خصصا لهذا الغرض سفينة تسمى «وجعلا نصف ما تجلبه السفينة من الماء لسقاية الفقراء مجانا في وقت كانت حاجة الناس للماء شديدة في صيف الكويت القاسي.
 

العناية بالمساجد

لم يتوقف إحسان شملان بن علي «رحمه الله تعالى» على الأيتام والمحتاجين أو على إنفاق ماله في سبيل الدفاع عن وطنه أو على المساهمة في تشجيع العلم فقد كان لتعمير المساجد وتجهيزها حظ وافر من ماله.
فبعدما تأسس مسجد الشملان ذو المئذنتين، تبرع شملان بن علي آل سيف بثلث مال ابنه علي رحمه الله عام 1340هـ -1921م« لجاسم بن إدريس فعمل منه خلوة ومكان للوضوء، ويقع هذا المسجد في المرقاب عند تقاطع شارعي الهلال «ش الشهداء حاليا» وعبد الله المبارك وجددته وزارة الأوقاف عام 1379هـ - 1959م.
 

وفاته

بعد عمر قضاه شملان بن علي آل سيف في البر والإحسان توفاه الله يوم 14 ربيع الأول سنة 1364هـ الموافق 26 فبراير 1945م، وعمره حوالي 83 سنة، أسكنه الله فسيح جناته وجعل أعماله في ميزان حسناته وجزاه الله عن الكويت وأهلها خير الجزاء.