يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة سلطان إبراهيم الكليب.

- اشتهر بوطنيته وحبه وغيرته على وطنه وأهله
- شارك في الدفاع والذود عن الكويت  في حرب الجهراء «2» فحمل السلاح وجلب المؤن وخاض البحر وحرس ليلا
- حث مواطنيه على الإنفاق في سبيل الله لإقامة مدرسة المباركية كأول مؤسّسة علمية في بلده

المولد والنشأة 

سلطان بن إبراهيم بن علي بن كليب بن علي بن فيصل جده كليب، أخوه خضير بن علي جدّ آل خالد بن خضير وينتهي بهم النسب إلى قبيلة «عنزة العدنانية» المشهورة في جزيرة العرب وبادية الشام.
ولد رحمه الله سنة 1307 هـ الموافق 1889 في الكويت ونشأ فيها وتعلّم في كتاتيبها وكان حظّه من التعليم قليلا وهو القراءة والكتابة فقط كحظّ كثيرين غيره من أبناء بلده.لكنه امتاز على كثير من أقرانه بجد لا يشوبه ملل ونشاط لا يخالطه كسل.. وحب طاغ لبلده وإخلاص لأهله.
وكان حبه لبلده وغيرته عليها مثار حديث أقرانه وكل من عرفوه وعاصروه وقد أكبر الجميع فيه هذه الصفات التي برزت فيه مبكرة.
 

أوجه الإحسان في حياته

في هذا المجال نسوق حديث الشيخ عبد الله النوري عنه : «إن سلطان الكليب مثل شمعة تحترق في صمت لتنير ليل الآخرين المظلم». لقد عرف عن المرحوم سلطان الكليب حبّه للعمل التطوّعي وتفانيه في سبيل الخدمة العامّة، ولم يكن يرجو من وراء عمله هذا إلا ثواب الله تعالى، وعرف أنه لم ينافق قط واشتهر بوطنيّته وحبّه وغيرته على وطنه وأهله حتى أصبحت هذه الخصلة الحميدة مثار إعجاب كل الكويتيين.
 
 

في العمل الخيري التطوعي

عندما قام ابن خاله المحسن فرحان بن فهد الخالد بتأسيس الجمعية الخيرية عام 1331هـ، كان سلطان الكليب اليد اليمنى له والعامل الأقوى والأنشط في مساعدته في تأسيسها.
كان من أهداف الجمعية تعليم الناشئة ولا سيما المحتاجين ومساعدة طلاب العلم وإرسالهم إلى الجامعات الإسلامّية في البلاد العربية.
ولما ضمّت الجمعيّة إليها طبيبا يداوي المرضى المحتاجين تطوع سلطان فجعل من نفسه ممرضا فيها ومضمّدا بلا أجر إلا ثواب الله تعالى، ولم يكن سلطان يعرف عن الطب شيئا لكنه تطوع ليتعلم ما يفيد به أبناء وطنه في وقت كان الطب فيه نادرا. كما دأب على إقناع بعض الشباب من أصدقائه وحثّهم على إشغال أوقات فراغهم بمساعدة الطبيب وتضميد جراح المرضى. فقد كان تفانيه في العمل الخيرّي مضرب الأمثال وحديث الجميع.
 
 

في مجال التعليم

عندما قام المخلصون من أبناء الكويت بتأسيس المدرسة المباركية سنة 1330هـ وقرروا بناءها تطوع سلطان الكليب فجعل من نفسه مشرفا على البناء وحاثّا مواطنيه على الإنفاق في سبيل الله لإقامة أول مؤسّسة علمية في وطنهم وكان رحمه الله يرضى حتى بالنزر اليسير من المال ممن يريد أن يتبّرع مؤمنا بأن الإنفاق في تأسيس مدرسة إحياء للعلم الذي أمرنا الله به.
ومثل ما كان له من جهد في المدرسة المباركيّة لم يألو سلطان جهدا في المشاركة بتأسيس المدرسة الأحمدية. بل بذل «رحمه الله» أقصى ما لديه من جهد لتكون صنوا للمدرسة المباركية في كل شيء. ولما فتحت المدرسة الأحمدية أبوابها عام 1340هـ كان عضوا في مجلس إدارتها متطّوعا لا يريد بعمله إلا وجه الله تعالى.
جهاده في ميدان الدفاع عن الوطن
شارك في الدفاع عن وطنه في حرب الجهراء «2» فحمل السلاح وجلب المؤن وخاض البحر وحرس ليلا، وكان جنديا مخلصا في جنديّته. وكان احتمال استشهاده واردا.. فقد خاض حربا شرسة حاملا روحه على كفّه واضعا نصب عينيه أن ينال إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة في سبيل الله ثم الدفاع عن الوطن.
 
 

العناية بالمساجد

ما من مسجد أوشك على السقوط في ذلك الوقت إلا وقام سلطان مشمّرا عن ساعد الجدّ لإصلاحه وترميمه وصيانته بمساعدة أهل الخير من الكويتيين.
وحين أوشك مسجد السوق الكبير على السقوط ذهب سلطان إلى من يظن بهم خيرا يحثّهم على إصلاحه، ولكن السيدة «شاهة الصقر» علمت بالأمر وطلبت من سلطان أن يقوم بإصلاحه وترميمه على نفقتها الخاصّة.. فشمر عن ساعده وبدأ في التنفيذ فورا واضعا نصب عينيه أن ينتهي منه في أقرب وقت ممكن كي لا يحرم المصلين من الصلاة فيه.
فكان بمثابة مهندس ومشرف على البناء ومراقب للعمال يبدأ حضوره قبل حضورهم وينصرف بعد انصرافهم لا يفتأ نهاره ينتقل من مكان إلى مكان يجلب مستلزمات البناء ويطعم العمال حتى تم بناء المسجد الذي جددت بناءه دائرة الأوقاف العامة بتاريخ 5/7/1953م.
 
 

أول منارة

وقد ذكر الشيخ عبد الله النوري في كتابه «خالدون في تاريخ الكويت» إن أول منارة بنيت في الكويت على الطراز الحديث بناها سلطان في مسجد السوق في محل المنارة القائمة الآن وقد تم بناء المسجد سنة 1353هـ في شهر ربيع الأول وذلك امتثالا لقوله تعالى:
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ «18» سورة التوبة.
محاربته للدجل والشعوذة
مثلما كان محبا للعلم والمعرفة كان عدوّا للدجل والدجالين وعدوا للخرافات التي انتشرت في عصره بالكويت والمناطق المجاورة فتزعم حملة تدعو إلى تنقية ديننا من الخرافات التي استشرت كالمرض في عقول الناس في ذلك الوقت مطالبا بفهم الدين الإسلامي بمعناه الصحيح.
 
 

في مجال الخدمة العامة

شارك سلطان الكليب في العديد من المجالات وقام بالخدمات العامة، ومن أبرز مساهماته هذه ما يلي:
- تولى إدارة المكتبة الأهلية في عام 1924م
- تولى إدارة البلدية من «أكتوبر 1939م إلى ديسمبر 1942م» ونظم الكثير من الأمور وبخاصة ما يتعلق بالبيع والشراء ونظام الموازين.
- تم اختياره عضوا في مجلس المعارف في الفترتين من 1936 حتى 1938م ومن 1951 حتى 1952م.
- عين مديرا لشركة الكهرباء في عام 1938م.
- تم اختياره عضوا بالمجلس البلدي من 19 يونيو 1937 حتى 13 مارس 1938.
- تم اختياره عضوا في المجلس التشريعي عام 1938م.
 

وفاته

توفي رحمه الله تعالى في يوم 27 ذي القعدة عام 1371هـ الموافق 18 أغسطس 1952 بعد حياة عامرة بالكفاح والجهاد والإخلاص والنشاط والحيوية في إنكار للذات وتفان في سبيل المصلحة العامة.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه عن الكويت وأهلها خير الجزاء.
«1» ذكر عبد العزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» عن المدرسة الأحمدية ص 374 ما يلي : «هناك من الفضلاء من لهم الفضل في إبراز المدرسة الأحمدية إلى حيز الوجود ولهم دون سواهم يسند الشرف في تشييدها واليك أسماؤهم لتذكرهم فتشكرهم، الحاج حمد الصقر، الشيخ يوسف بن عيسى، الحاج أحمد الحميضي، الحاج أحمد الفهد الخالد، السيد الفاضل عبد الرحمن النقيب، الحاج مشعل الخضير، الحاج مرزوق الداود، وهنا رجل آخر أبلى بلاء حسنا في سبيلها جدير بأن ينضم في سلك هؤلاء الأفاضل وهو الأديب سلطان الابراهيم الكليب فقد بذل همّة ونشاطا في جمع الإعانات لها والترغيب في معاضتها».
«2» موقعة الجهراء : وقعت يوم الأحد 26 محرم عام 1339هـ حيث أغار فيصل الدويش على القرية بنحو أربعة آلاف رجل ولم يكن بها من الكويتيين إلا نحو 1500 رجل فتحصن الكويتيون في القصر الأحمر، وطلبوا النجدة من أهل المدينة، الذين حضروا بوساطة السفن، وهزم الأعداء بعد أن تكبدوا ألفين من القتلى حيث دامت المعركة حوالي عشرة أيام.