- إدوارد سعيد: لا توجد مؤسسة تعليمية عربية واحدة قادرة على مضاهاة أماكن مثل : أكسفورد وهارفارد  وجامعة كاليفورنيا  ولوس أنجليس في دراسة العالم العربي 
- السباعي : كثيراً ما أتمنى أن يتفرغ منا رجال للكتابة عن هذه الحضارة « الغربية» وتاريخ علمائها بالأسلوب نفسه الذي يكتب به المستشرقون 
- جارودي: هدفنا أن نظهر للغربيين أن الإسلام هو الوحيد  Thursday 16th July 2015 - 9 th year - Issue No.2486
- القادر على تجنيبنا  يجنبنا حرباً نووية قد تؤدي بالكون إلى الهلاك المحقق

 
في هذا العدد نستكمل نشر كتاب “ “الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري” لوزير الاوقاف المصري الاسبق الدكتور محمود حمدي زقزوق :
 
[2] مؤسسة إسلامية علمية عالمية : 
لقد آن الأوان للتفكير ـ على مستوى العالم الإسلامي ـ في إقامة مؤسسة إسلامية علمية عالمية لا تنتمي بالولاء لقُطر معين من الأقطار الإسلامية ولا لمذهب سياسي أو فكري أو ديني معين، بل يكون ولاؤها الأول والأخير لله وحده ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وتستيطع استقطاب الكفاءات العلمية الإسلامية في شتى أنحاء العالم، وتقف على قدم المساواة مع الحركة الاستشراقية ويكون لها دوريات ومجلات علمية ذات مستوى رفيع تنشر بحوثها بلغات مختلفة، وتعمل على استعادة أصالتنا الفكرية واستقلالنا في ميدان الأفكار، فهذا هو الطريق الصحيح إلى الاستقلال الاقتصادي والسياسي، وإذ أن المجتمع الذي لا يصنع أفكاره الرئيسة لا يمكنه على أية حال أن يصنع المنتجات الضرورية لاستهلاكه ولا المنتجات الضرورية لتصنيعه. 
 
والأمر الذي يؤسف له حقاً هو أننا على امتداد العالم الإسلامي بسكانه الذين تجاوزوا الألف مليون وبكل ما لنا من إمكانية هائلة لا نملك مؤسسة علمية دولية لها الإمكانات العلمية والمادية نفسها التي تملكها المؤسسة الاستشراقية.أليس هذا من الأمور التي تدعو إلى الأسى والحسرة ؟ ويعبر إدوارد سعيد في كتابه عن ( الاستشراق ) عن هذا الفراغ الهائل في حقل الثقافة العربية والإسلامية والآثار المترتبة عليه فيقول :
( .. فما من باحث عربي أو إسلامي يستطيع المخاطرة بتجاهل ما يحدث في المجلات البحثية والمعاهد والجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا، غير أن العكس ليس بصحيح. ليس هناك، مثلاً ، مجلة رئيسية واحدة للدراسات العربية تصدر في العالم العربي اليوم، بالضبط كما أنه ليس ثمة من مؤسسة تعليمية عربية واحدة قادرة على مضاهاة أماكن مثل : أكسفورد ، وهارفارد ، وجامعة كاليفورنيا ـ لوس أنجلس في دراسة العالم العربي، دع عنك أي موضوع آخر غير شرقي . 
والنتيجة المتوقعة لهذا هي أن الطلاب الشرقيين ( والأساتذة الشرقيين ) ما يزالون يريدون الحضور إلى الويات المتحدة والجلوس عند أقدام المستشرقين الأمريكيين ثم العودة فيما بعد لتكرار القوالب الفكرية ( الكليشيهات ) ـ التي ما فتئت أسميها مذهبيات جامدة استشراقية ـ على مسامع جمهورهم المحلي . ونظام اعتماد إنتاج كهذا يجعل من الحتمي أن يستخدم الباحث الشرقي تدريبه الأمريكي ليشعر بالفوقية على أبناء وطنه، لأنه قادرعلى ( تدبر) النظام الاستشراقي وفهمه واستخدامه، أما في علاقته بمن هم أسمى منه مكانة ـ المستشرقون الأوربيون والأمريكيون ـ فإنه سيبقى ( المخبر الذي ينتمي إلى السكان الأصليين ) . وهذا هو بحق دوره في الغرب . إذا كان حسن الحظ بحيث يتاح له البقاء فيه بعد انتهاء تدريبه المتقدم). 
 
ولا يجوز الخلط بين هذه المؤسسة العلمية المقترحة وبين لجنة ( موسوعة) الرد على المستشرقين ) التي سبقت الإشارة إليها. فلجنة الموسوعة لجنة مؤقتة لإنجاز مهمة محددة، أما هذه المؤسسة فهي مؤسسة دائمة ولها مهام متعددة .
وقد سبق لنا أن طالبنا في كتاب سابق بضرورة إقامة هذه المؤسسة العلمية. وكان من بين ما قلناه في هذا الصدد : (.. إن هناك ضرورة ملحة لإقامة مؤسسة إسلامية عالمية للبحوث العلمية الإسلامية ، تكون بعيدة كل البعد عن أية تيارات سياسية أو دعائية ويتكون أعضاؤها من صفوة الباحثين الإسلاميين في شتى المجلات بصرف النظر عن جنسياتهم ، في حدود مائة عضو يتوزعون إلى مجموعات عمل يتوفر كل فريق منها على دراسة قطاع معين من قطاعات الفكر الإسلامي ، وتخطط هذه الصفوة أيضاً للبحوث الإسلامية في جامعات العالم الإسلامي ، فتصل الماضي بالحاضر وتجدد شباب تراثنا وتجنده لخدمة الحياة الإسلامية المتجددة ) . 
 
وعبرنا عن الأمل في أن تكون هذه المؤسسة العلمية ( أكاديمية حية تشع النور في كل الأرجاء وتغذي المسلم في كل أنحاء العالم بالغذاء الفكري الصحيح، وتنقل دعوة الإسلام في صفائها ونقائها إلى شعوب الأرض ولا تكون تكريراً لأي من الهيئات الإسلامية الحالية التي تجمع في المناسبات على شكل مؤتمرات لإصدار بيانات لا حياة فيها ولا روح ، ولا أثر لها في حياة المسلم ولا تأثير. والأمل أن تكون تلك الأكاديمية الإسلامية هيئة ربانية لا مجال فيها للأهواء. ولا نقصد بذلك أن تكون هيئة كهنوتية أو بابوية فهذا لا مجال له في الإسلام، ولكننا نريدها هيئة ذات قداسة ، لا بأسماء من يعملون فيها، ولكن بما تقدمه من خير للناس .( فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)( الرعد: 17 ) . 
وهكذا يمكن لمثل هذه المؤسسة أن تقف بالمرصاد لكل التيارات المناوئة للإسلام أياً كان مصدرها، وأياً كانت اتجاهاتها. ومن أجل ذلك لا بد أن يكون لها جهاز لمتابعة كل ما ينشر في العالم من بحوث تتعلق بالإسلام والمسلمين. ويمكن لهذه المؤسسة أيضاً أن تتبنى تياراً للاستشراق يقوم بدراسة تراث الغربيين ونقدهم من دين وعلوم وحضارة . وقد عبر الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله عن هذا الأمل فقال: ( سيأتي يوم ننقلب فيه نحن إلى دراسة تراث الغربيين ونقد ما عندهم من دين وعلوم وحضارة ، وسيأتي اليوم الذي يستعمل فيه أبناؤنا وأحفادنا مقاييس النقد التي وضعها هؤلاء الغربيون ، في نقد ما عند هؤلاء الغربيين أنفسهم من عقيدة وعلوم، فإذا هي أشد تهافتاً، وأكثر ضعفاً مما يلصقونه اليوم بعقيدتنا وعلومنا . ترى لو استعمل المسلمون معايير النقد العلمي التي يستعملها المستشرقون في نقد القرآن والسنة، في نقد كتبهم المقدسة وعلومهم الموروثة، ماذا كان يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من قوة؟ وماذا يكون فيها من ثبوت ؟ ). ثم يقول الدكتور السباعي أيضاً : 
 
( كثيراً ما أتمنى أن يتفرغ منا رجال للكتابة عن هذه الحضارة ( الغربية ) وتاريخ علمائها بالأسلوب نفسه الذي يكتب به المستشرقون من تتبع الأخبار الساقطة ، وفهم النصوص على غير حقيقتها، وقلب المحاسن إلى سيئات،والتشكيك في كل خير يصدر عن هؤلاء الغربيين. ولو حصل هذا لخرجت منه صورة لهذه الحضارة ولرجالها مضحكة مخزية ينكرها المستشرقون قبل غيرهم .. ) .  وفكرة إنشاء اتجاه مقابل للحركة الاستشراقية سبق أن أثيرت في بعض المؤتمرات الإسلامية. ويشير المستشرق ( رودي بارت ) إلى ذلك بقوله :  (.. ولا بأس من أن ننتهز هذه الفرصة فنثير سؤالاً، ولو من ناحية المبدأ، هو السؤال عن إمكانية أن ينشأ في الناحية الأخرى، أي في العالم العربي الإسلامي، اتجاه للبحث، شبيه بالدراسات الإسلامية عندنا، ولكن في الوجهة المقابلة، يهدف إلى دراسة تاريخ الفكر في العالم النصراني، الغربي وتحليله بطريقة علمية.. وقد دعا الدكتور محمد رحبار في المؤتمر الإسلامي العالمي الذي انعقد في لاهور في ديسمبر ( كانون الأول ) 1957م / يناير ( كانون الثاني ) 1958م، بحماس إلى هدف من هذا القبيل، ولكنه لقي معارضة شديدة ) . 
وعلى أية حال فإن هذه مسألة جانبية لا يجوز أن تشغلنا عن الهدف الأساسي للمؤسسة العلمية المقترحة، فهي مسألة تعد الآن ـ في نظرنا ـ ترفاً فكرياً لم يحن وقته بعد، ويمكن التفكير فيها في مرحلة أخرى تالية. 
أما الآن فإن هناك أولويات أمام العمل الإسلامي لا بد أن تؤخذ في الاعتبار وتوضع في الحسبان حتى لا نخطئ الطريق الأسمى، وهو خدمة الإسلام وبناء الحياة الإسلامية على أسس إسلامية متينة والنهوض مرة أخرى دينياً وثقافياً وحضارياً . 
 
 
[3] دائرة معارف إسلامية جديدة .. 
ومن بين الأولويات العلمية الملحة مشروع إصدار دائرة معارف إسلامية جديدة. فلا يجوز أن نظل نقتات فكرياً من دائرة المعارف الإسلامية التي قام بإعدادها المستشرقون قبل الحرب العالمية الثانية. فقد تجاوزها المستشرقون وانتهوا منذ بضع سنوات من إصدار دائرة إسلامية جديدة. وواجبنا نحن المسلمين أن نقوم بإصدار دائرة معارف إسلامية باللغة العربية واللغات الأوروبية الرئيسة، تقف على الأقل في مستوى دائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين تخطيطاً وتنظيماً وتتفوق عليها علمياً، وتنقل وجهة النظر الإسلامية في شتى فروع الدراسات الإسلامية والعربية إلى المسلمين وغير المسلمين على السواء. فكل فراغ فكري لدينا لا نشغله بأفكار من عندنا يكون عرضة للاستجابة لأفكار منافية، وربما معادية لأفكارنا، فلا نلومن إلاّ أنفسنا . 
 
وينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن دائرة المعارف الإسلامية المقترحة تختلف عن ( موسوعة الرد على المستشرقين ). فالموسوعة محدودة في إطار الرد على شبهات معينة أثارها المستشرقون، ومناقشة هذه الشبهات وتفنيدها. أما دائرة المعارف الإسلامية المطلوبة فهي عامة وشاملة لكل جوانب الإسلام والفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بوجه عام . 
وبالإضافة إلى ذلك يمكن إصدار موسوعات أخرى متخصصة مثل موسوعة للفقه الإسلامي وموسوعة للحديث النبوي وموسوعة للتاريخ الإسلامي .. الخ وينبغي أن يكون هناك تنسيق بين المؤسسات العلمية في العالم الإسلامي بشأن هذه الموسوعات المختلفة حتى لا تتوزع الجهود وتتكرر الأعمال. فهذا التكرير ـ بكل أسف ـ هو ما يحدث الآن بالفعل، إذ تقوم أكثر من دولة إسلامية وأكثر من جهة علمية بعمل موسوعات للفقه أو الحديث. ومن الخير للإسلام والمسلمين أن تتوحد الجهود وتتوفر الإمكانات على إنجاز أعمال غير مكررة. فهذا التكرير يحبس جهود مجموعة من العلماء لسنوات عديدة. وقد كان من الممكن ـ لو صحت العزائم وصدقت النيات ـ أن تتجه هذه الجهود إلى مجالات إسلامية أخرى تنتج فيها أعمالاً ليس لها نظير في جهة أخرى في العالم الإسلامي . 
 
وهكذا ينبغي أن تخرج هذه الأعمال العلمية الإسلامية عن دائرة التباهي والتفاخر بين الدول الإسلامية . فالتنافس في الخير وفي العلم مطلوب، ولكن تبديد الجهد والوقت والمال في أعمال مكررة أمر يجب أن نكف عنه فوراً خدمة للدين الذي نؤمن به والذي هو في أمس الحاجة إلى كل دقيقة من وقت علمائه، من أجل تقديم عمل نافع للأجيال المسلمة التي تنتظر الكثير من علماء المسلمين حتى تستطيع أن تواجه شتى التيارات الفكرية التي تحيط بها من كل جانب . 
 
[4] جهاز عالمي للدعوة الإسلامية .. 
ومن الأمور الملحة أيضاً في مجال العمل الإسلامي ضرورة إنشاء مؤسسة إسلامية تبشيرية، وأعني بذلك جهاز للدعوة الإسلامية في الخارج : يدعو للإسلام من ناحية، ويرعى المسلمين الجدد من ناحية ثانية، ويحمي المسلمين بالوراثة من ناحية ثالثة. ويتطلب العمل الإسلامي أيضاً إصدار سلسلة كتب إسلامية باللغات العالمية الحية تصحح التصورات الخاطئة عن الإسلام في الأذهان ، وتعرض الإسلام بأسلوب علمي يتناسب مع العقلية المعاصرة، وتقدم الحلول الإسلامية لمشكلات المسلمين العصرية . 
 
ومن الممكن في هذا الصدد الاستفادة بأفكار وخبرات الشخصيات الغربية الواعية التي اعتنقت الإسلام، والاتفاق معها على خطتي عمل إحداهما عاجلة والأخرى طويلة الأمد، لنشر الإسلام والثقافة الإسلامية في الغرب . وقد أشار المفكر الفرنسي ( جارودي ) ـ الذي أسلم حديثاً ـ في محاضرته التي ألقاها في كل من جامعة الملك عبد العزيز بجدة وفي جامعة قطر بالدوحة في أوائل يناير ( كانون الثاني ) 1983م بعنوان ( الإسلام وأزمة الغرب )، أشار إلى الحاجة الملحة لنشر الإسلام والثقافة الإسلامية في الغرب، وتحدث عن بعض الأفكار في هذا الصدد في أثناء حديثه عن كشف أساليب التضليل الصهيوني. فكان مما قال : (إن عملنا فيما يتعلق بشرح مفهوم الصهيونية وأهدافها وطرق عملها يجب ألا يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل يجب أن يشمل الجانب الروحي أيضاً. فعلينا أن نقاوم العنصرية القبلية بكونية الإسلام، وإن هدفنا هو أن نظهر للغربيين كيف أن الإسلام هو الوحيد اليوم القادر على فتح طريق أمام المستقبل خارج النمطين الأمريكي الرأسمالي والاشتراكي السوفييتي اللذان آلا إلى طريق مسدود، وأن يجنبنا حرباً نووية قد تؤدي بالكون إلى الهلاك المحقق .. إنني أعتقد أن وعيي بأن هذا الضلال الغربي المؤدي بالعالم إلى الهلاك وفي الوقت نفسه شعوري بإمكانات الإسلام قد هداني إلى تأليف كتابي الأخير ( تباشير الإسلام )، وأن أضع في الخط الأول المعركة ضد التضليل الصهيوني وأن أعتنق الإسلام). 
 
ويرى ( جارودي ) ضرورة الاستعانة في هذا الصدد بالعديد من الوسائل عن طريق الحضور المستمر في وسائل الإعلام الغربية، ونشر الكتب المبسطة التي تكون في متناول الجميع، أو تنظيم المعارض وإقامة المهرجانات وغيرها مما يساهم في انتشار الإيمان وثقافة الإسلام . ويرى أيضاً تحويل الجمعية الإسلامية بجنيف إلى مركز للإشعاع الديني والثقافي، وإقامة مركز إسلامي في المنطقة الباريسية . 
 
ويقول أيضاً : ( نحن بصدد إعداد كتاب عنوانه : ( في الإسلام كل الفنون تؤدي إلى المسجد، وكل المساجد تؤدي إلى الصلاة ) .. وعن طريق تنوع الثقافات والفنون التي استوعبها الإسلام نحاول إبراز معاني وحدة وشمولية الإيمان . وأعتقد أن هذا يمثل بالنسبة لمسلمي الغرب ـ الذي أعد واحداً منهم ـ عملاً لا بد من إنجازه . 
إن في مقدور الإسلام مرة ثانية أن يحيي من جديد الأمل في مجتمعاتنا الغربية التي حطمتها الانفرادية وأنموذج النمو الكمي الذي يقود العالم إلى الانتحار ) . 
 
وقد أشرت هنا إلى جارودي كأحد الأمثلة للشخصيات الغربية التي يمكن التعاون معها على أساس أن الغربي المسلم الذي ولد ونما وعاش في الغرب وتثقف بالثقافة الغربية أقدر من غيره على فهم نفسية الغربيين وما يشعرون به من أزمات روحية، وما يتطلعون إليه من حلول، وأقدر أيضاً على معرفة الأساليب التي يمكن أن يكون لها تأثير في نفوسهم وعقولهم . 
 
والموضوع في حاجة إلى بحث مستفيض ودراسة واعية وتخطيط سليم . ولعلنا نتخذ العبرة من النشاطات السرية والمكشوفة لمؤسسات التنصير في شتى أنحاء العالم والتي توجه معظم نشاطها إلى تنصير المسلمين، مستغلة ما يعانيه كثير من التجمعات الإسلامية في أماكن كثيرة من بلاد العالم الإسلامي من جوع وحرمان ومرض وجهل . فهل نترك هؤلاء المسلمين يسقطون يوماً بعد يوم في أيدي بعثات التنصير ونحن نتفرج مكتفين بأضعف الإيمان ؟ 
 
لقد صادفت في أثناء إقامتي في ألمانيا في أواسط الستينات أنموذجين مؤلمين لكل نفس مسلمة: الأنموذج الأول كان قسيساً إندونيسيا ذكر لي أن جده كان مسلماً ومات مسلماً. ومن الواضح أن هذا القسيس كان من نتاج التبشير النصراني النشط في ذلك البلد المسلم : إندونيسيا . أما الأنموذج الثاني فقد كان أحد الأشخاص الأوروبيين الذين كانوا يعدون لمهمة التنصير في باكستان. وقد ذكر لي صراحة وبلا مواربة أنه سيكون أسعد الناس عندما يستطيع تحويل مسلم إلى النصرانية في هذا البلد المسلم . 
 
إن وراء هذه النماذج الفردية مؤسسات تنصيرية ضخمة. وتقوم هذه المؤسسات بين الحين والحين بعقد المؤتمرات التنصيرية العالمية لدراسة أفضل الخطط وأنجع الوسائل لإنجاح مشروعات تنصير المسلمين في شتى بلاد العالم الإسلامي، وتتلقى الدعم المالي الهائل من مختلف الطوائف النصرانية ورجال الأعمال النصارى في أوروبا وأمريكا. وقد كان أحدث هذه المؤتمرات مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين الذي عقد في ( كلورادو) عام 1978م .