- الندوي خاطب العرب وركّز عليهم اهتمامه لأنّهم يحملون استعدادًا روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا لقيادة العالم الإسلامي وقيادة العالم أجمع وكان حريصًا على نهضتهم بمواهبهم وكفاءاتهم
- وصية الندوي للعرب : العالم العربي بحرٌ بلا ماءٍ كبحر العَروض حتى يتخذ محمد صلى الله عليه وسلم إماماً وقائداً لحياته وجهاده وينهض برسالة الإسلام كما نهض في العهد الأول 
- الأحداث التي عاصرها وعلى رأسها سقوط الخلافة دعمت إيمانه ويقينه بأن الإسلام لا بدّ أن يتولَّى الزمام لإنقاذ العرب والعالم
- محور منهجه الإصلاحي.. مكافحة الغزو الفكري وبثّ روح الاعتزاز بالإسلام في المسلمين ومقاومة الردَّة وآثارها

 
 
أبو الحسن الندوي (المحرم 1333هـ= 1914م /  23 رمضان 1420ه‍ـ الموافق 31 ديسمبر 1999 )
عالم مسلم، لم ينشأ في بلاد العرب، لكنه تكلم العربية وكتب بها، وأسمعت كلماته العرب والعجم، وأثرت دعوته السمحة في الناس؛ لقوة عاطفته وربانيته وإيمانه، ويُعَدُّ من أشهر العلماء المسلمين في الهند، وله كتابات وإسهامات عديدة في الفكر الإسلامي، بلغ مجموع مؤلفاته نحو 700 عنوانًا، منها 177 عنوانًا بالعربية، ترجم عدد منها إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها ، وكان كثير السفر إلى مختلف أنحاء العالم لنصرة قضايا المسلمين والدعوة للإسلام وشرح مبادئه، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والهيئات العلمية والمؤتمرات ، ورغم انه ولد بالهند الا انه رأى أن يدعو ويرحل إلى العالم الإسلامي كله، بدلاً من الدعوة في الهند فقط كما فعل شيخه إلياس، فرحل إلى الحجاز مرات، وإلى مصر، والمغرب، والشام، وتركيا، وزار أميركا، والدول الأوربية، وطوف بأكثر عواصم العالم الإسلامي، وكانت رحلاته عظيمة التأثير.
 
هو أبو الحسن علي بن فخر الدين الحسني ، وسمي ب» الندوي « نسبة الى الجامعة التي درس بها وهي ندوة العلماء دار العلوم بالهند ، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما. هاجر جده وهو الأمير قطب الدين محمد المدني (م 677هـ) إلى الهند في أوائل القرن السابع الهجري. ولد بقرية «تكية» بمديرية «راي بريلي» في الولاية الشمالية بالهند في 6 من المحرم 1333هـ= 1914م، كان والده  علامة الهند ومؤرخها، وكانت والدته   من السيدات الفاضلات؛ تحفظ القرآن الكريم وتقول الشعر، وتؤلف الكتب، توفي والده وهو دون العاشرة فأشرف أخوه الكبير على تربيته.
 
 
نشأته وتعلمه
بدأ تعلُّمَه للقرآن الكريم في البيتِ تُعاوِنُه أمُّه، ثم بدأ في تعلُّم اللغتَينِ الأرديةَ والفارسيةَ. تُوُفِّي أبوه عام 1341هـ - (1923م) وهو لم يزل دون العاشرة، و التحق بجامعة لكهنؤ في القسم العربي عام 1927م -وكان أصغرَ طُلاب الجامعةِ سِنّاً - وحصل على شهادة فاضل أدب في اللغة العربية وآدابها. والتحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م.
 
 
آراؤه ومنهجه 
رأى الندوي أن الأحداث التي عاصرها وعلى رأسها سقوط الخلافة، دعمت إيمانه ويقينه بأن الإسلام لا بدّ أن يتولَّى الزمام لإنقاذ العرب والعالم؛ لأن الحل الوحيد لمأساة الإنسان يكمن في تحوّل قيادة العالم إلى أيد مؤمنة بقيم الإنسانيَّة، وكان محور إصلاحه: مكافحة الغزو الفكري، وبثّ روح الاعتزاز بالإسلام في المسلمين، ومقاومة الردَّة وآثارها، وخاطب العرب وركّز عليهم اهتمامه، لأنّهم يحملون استعدادًا روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا لقيادة العالم الإسلامي، وبالتالي لقيادة العالم أجمع، وكان حريصًا على نهضة العرب بمواهبهم وكفاءاتهم.
 
وحدّد واجب العلماء والطبقة المثقفة في مقال نُشِرَ بمجلَّة (البعث الإسلامي) قائلاً: «إنّ مسؤوليَّة العلماء والمفكّرين المسلمين في العصر الحديث -بعد مواجهتهم للتحدّيات المعاصرة وإثباتهم أن الإسلام قادر على قيادتها وترشيدها والسموّ بها- هي أن يفضّلوا الإسلام على كل جماعة، ومؤسّسة، ومدرسة، وطائفة، وحزب، وليكن مصلحة الدين والعقيدة مفضّلة على عمل كل مصلحة حزبيَّة، أو جماعيَّة».
 
ومن أبرز تأمّلاته: قضيَّة الإصلاح والتغيير؛ حيث رأى أنّ المنهج الإصلاحي الذي نريده ينبع أساسًا من تكوين الفرد تكوينًا نوعيًّا، ويحمل على بعض المصلحين الذين خلطوا الواقع الإصلاحي بالتجربة والروح الغربيَّة، وكان يندهش من المسلمين الذين اطمأنّوا لتدريس أبنائهم في المؤسسات العلميَّة الغربيَّة، وغفلوا عن هدف الغرب في القضاء على الهويَّة الإسلاميَّة لهم، وتنبّه إلى ضرورة إحداث تغيير شامل في الجامعات الإسلاميَّة من خلال ربط العلم بالتربية؛ وأولى اهتمامًا كبيرًا بالمنهل العلمي الذي يتلقّاه الشباب، فلا بدّ من تصفية هذا المنهل من خلال توحيد التعليم ليكون وحدة شاملة تجمع بين الوسائل والغايات.
 
ثم إنه أكَّد عالميَّة الرسالة وإنسانيَّتها، وفي ذلك ما يبعث على الغيرة، وما يبعث على أن يتنافس العرب، وأن يسبقوا لأنَّهم أهل الفضل وأهل الرسالة، وأهل الدعوة، وأشاد بدور العرب لأنهم الذين أشركونا في هذه الثروة السماويَّة السامية الأخيرة، وأنَّ هذه الدعوة قد لبيّت تلبية حسنة، وكانت مستجابة استجابة كريمة تليق بإخواننا العرب وبشرفهم وبمكانتهم وبزعامتهم وقيادتهم.
 
 
مؤلفاته
بلغ مجموع مؤلفات الندوي وترجماته نحو 700 عنوانًا، منها 177 عنوانًا بالعربية، ترجم عدد منها إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها.. وكان كاتبًا غزير الانتاج، صاحب منهج متميّز عن غيره من المفكّرين والباحثين المعاصرين بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربيَّة والأورديَّة والانجليزيَّة والفارسيَّة، وسعة اطّلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلاميَّة، فضلاً عن تعمقه في التاريخ الإسلامي، وقد تميّزت مؤلّفاته كلّها بالغوص العميق في فهم أسرار الشريعة، والتحليل العميق لمشاكل العالم الإسلامي.
 
ونُشِرَ أوَّلُ مقالٍ للندوي بالعربية في مجلة «المنـار» -يرأسها العلامة محمد رشيد رضا- (1931م) حول حركة الإمام السيد أحمد بن عرفان (الشهيد في بالاكوت عام 1831م)، ثم توسع في هذا المقال فظهر له أوَّلُ كتاب بالأردية (1938م)، بعنوان «سيرة سيد أحمد شهيد» ونال قبولاً واسعًا في الأوساط الدينية والدعوية، وألّف بعدها كتابه «مختارات في أدب العرب» (1940م)، ثم ألف سلسة «قصص النبيين» للأطفال في خمسة أجزاء، وسلسلةً أخرى للأطفال باسم: «القراءة الراشدة» في ثلاثة أجزاء، في الفترة مابين 1942-1944م.
 
ثم بدأ الندوي في تأليف كتابه المشهور «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» (1944م)، وأكمله (1947م)، وقد طُبِعت ترجمتُه الأرديةُ في الهند قبل رحلته الأولى للحج عام 1947م، وقدم لهذا الكتاب الأستاذ سيد قطب، وقال عنه العلامة القرضاوي: «الكتاب نظرة جديدة إلى التاريخ الإسلامي، وإلى التاريخ العالمي من منظور إسلامي، وهو منظور عالم مؤرخ مصلح داعية، يعرف التاريخ جيدًا، ويعرف كيف يستخدمه لهدفه ورسالته».
وألَّف رسالة بعنوان: «إلى مُمثِّلي البلاد الإسلامية» (1947م)، وجَّهها إلى المندوبين المسلمين والعرب المشاركين في المؤتمر الآسيوي المنعقد في دلهي- بدعوة من رئيس وزراء الهند وقتها: جواهر لال نهرو- فكانت أولَ رسالةٍ له انتشرت في الحجاز عند رحلته الأولى.
 
كما كلَّفته الجامعة الإسلامية في عليكره (A.M.U.) الهند (1942م)، بوضع منهاج لطلبة الليسانس في التعليم الديني أسماه “إسلاميات”، وألقى في الجامعة الْمِلِّيَّة بدلهى محاضرةً طُبعت بعنوان: “بين الدين والمدنِيَّةِ”.
وقد دُعِي أستاذًا زائِرًا في جامعة دمشق (1956م)، وألقى محاضرات بعنوان: “التجديد والمجدِّدون في تاريخ الفكر الإسلامي”، ضُمَّت - فيما بعد- إلى كتابه الكبير “رجال الفكر والدعوة في الإسلام” (أربعة أجزاء)، كما ألقى محاضرات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بدعوة من نائب رئيسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (1963م)، طُبِعت بعنوان: “النبوة والأنبياء في ضوء القرآن”.
 
وسافر إلى الرياض بدعوة من وزير المعارف السعودي (1968م)؛ للمشاركة في دراسة خِطَّة كلية الشريعة، وألقى بها عدَّةَ محاضرات في جامعة الرياض وفي كلية المعلِّمين، وقد ضُمَّ بعضُها إلى كتابه: “نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية”.
كما ألّف -بتوجيهٍ من شيخه عبد القادر الراي بورى- كتابًا حول القاديانية (1958م)، بعنوان: “القادياني والقاديانية”، وألَّف كتابه “الصِّراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية” (1965م)، وكتابه “الأركان الأربعة” (1967م)، و”العقيدة والعبادة والسلوك” (1980م)، و”صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم والمسلمين الأوائل عند أهل السنة والشيعة” (1984م)، و”المرتضى” في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (1988م).
 
 
 
ومن مؤلَّفاته أيضًا
(العرب والإسلام) و(مذكّرات سائح في الشرق العربي) و(الإسلام والحياة) و(المسلمون وقضية فلسطين) و(المسلمون في الهند) و(روائع إقبال) و(الصراع بين الإيمان والماديَّة) و(إلى الإسلام من جديد) و(الطريق إلى المدينة) و(العاقبة للعرب والمسلمين) و(العرب يكتشفون أنفسهم) و(روائع من أدب الدعوة) و(التفسير السياسي للإسلام) و(إذا هبت ريح الإيمان) و(بين الصورة والحقيقة) و(الإسلام والعلم) و(حديث من الغرب).
 
 
تكريمه
- منح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، سنة (1400هـ= 1980م).
- منحته إمارة دبي جائزة شخصية العام الإسلامية لعام 1419هـ؛ في دورتها الثانية، بعد أن منحت في دورتها الأولى لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.
- منحه معهد الدراسات الموضوعية بالهند جائزة الإمام ولي الله الدهلوي لعام1999م -والتي تم منحها لأول مرة- وكان قد تقرر اختياره لهذه الجائزة في حياته ولكن وافته المنية قبل الإعلان الرسمي، وقد استلم هذه الجائزة باسمه / ابن أخته وخليفته فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني النَّدْوي في دلهي في (7 من شعبان 1421هـ = نوفمبر2000م).
- منحته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( ايسسكو ISESCO) -تقديرًا لعطائه العلمي المتميز وإكبارًا للخدمات الجليلة التي قدمها إلى الثقافة العربية الإسلامية- وسام الإيسسكو من الدرجة الأولى. وقد استلم هذا الوسام نيابة عنه سعادةُ الدكتور عبد الله عباس النَّدْوي في الرباط في 25 من شعبان 1421هـ.
- منح جائزة السلطان حسن بلقية العالمية في موضوع “سير أعلام الفكر الإسلامي” من مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية عام (1419هـ =1998م).
 
 
عمله في الصحافة
شارك في تحرير مجلة الضياء العربية الصادرة من ندوة العلماء عام 1932م، ومجلة الندوة الأردية الصادرة منها أيضاً عام 1940 م، وأصدر مجلة التعميرالأردية عام 1948م.
وتولَّى كتابة افتتاحيات مجلة « المسلمون» الصادرة من دمشق في الفترة ما بين 59- 1958 م وكانت أُوْلاها هي التي نُشِرت فيما بعد بعنوان : رِدَّة ولا أبا بكر لها، كما ظهرت له مقالات في مجلة الفتح للأستاذ محب الدين الخطيب.
أشرف على إصدار جريدة نداي ملت الأردية الصادرة عام 1962م، وكان المشرفُ العام على مجلة البعث الإسلامي العربية الصادرة منذ عام 1955م، وجريدة الرائد العربية الصادرة منذ عام1959م، وجريدة تعمير حيات الأردية الصادرة منذ عام 1963م، والمجلة الإنجليزية (بالإنكليزية: The Fragrance) الصادرة منذ عام 1998م، أربعتُها تصدر من ندوة العلماء، وكان هو المشرف العام على مجلة معارف الأردية الصادرة من دار المصنفين بأعظم كره، ومجلة الأدب الإسلامي الصادرة من رابطة الأدب الإسلامي العالمية مكتب البلاد العربية، ومجلة كاروان أدب الصادرة من رابطة الأدب الإسلامي العالمية مكتب بلاد شبه القارة الهندية.
 
 
وصيته للعرب
إسمعوها مني صريحةً أيها العرب: بالإسلام أعزَّكم الله، «لو جُمع لي العربُ في صعيدٍ واحد واستطعت أن أوجّه إليهم خطاباً تسمعه آذانهم، وتعيه قلوبهم لقلتُ لهم : أيها السادة ! إنَّ الإسلام الذي جاء به محمد العربي صلى الله عليه وسلم هو منبع حياتكم، ومِنْ أُفُقه طلع صبحُكم الصادق، وأن الـنبـي صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم - بل وكل خير جاء العالم - فإنَّما هو عن طريقه وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه وتمسُّكِكُم بأذياله والاضطلاع برسالته، والاستماتة في سبيل دينه، ولا رادَّ لقضاء الله ولا تبديل لكلمات الله، إن العالم العربي بحرٌ بلا ماءٍ كبحر العَروض حتى يتخذ محمد صلى الله عليه وسلم إماماً وقائداً لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام كما نهض في العهد الأول، ويخلـِّص العالَم المظلوم من براثن مجانين أوروبا- الذين يأبون إلا أن يقبروا المدنيَّة وقضوا على الإنسانية القضاء الأخير بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم- ويوجِّه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدَّمار والفوضى والاضطراب، إلى التقديم والانتظام، والأمن والسلام، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان، وإنه حق على العالم العربي سوف يُسألُ عنه عند ربه فلينظر بماذا يجيب ؟!
 
 
وفاته
توفي أبو الحسن الندوي في (23 من رمضان 1420هـ = 31 من ديسمبر 1999م)، عن 86 عامًا في قرية تكية كلان بمديرية رائ بريلي (يوبي) الهند.
 
 
المراجع 
- الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته كتاب من تأليف د. يوسف القرضاوي - أبو الحسن الندوي مفكر وداعية: عبد الحليم عويس، مقال منشور بمجلة الفيصل، العدد (39)، رمضان (1400هـ= 1980م). - أبو الحسن الندوي شاهد القرن: مجلَّة المجتمع، العدد (1397)، 25 من أبريل 2000م – موقع قصة الاسلام ، مقال « أبو الحسن الندوي .. علامة الهند « بقلم د. راغب السرجاني