كُتبت مئات الكتب والدراسات في سيرة النبي وشمائله وفضائله وصفاته، ومن ابرز تلك الكتب قديماً وحديثاً: سيرة ابن اسحاق ، سيرة ابن هشام ، السيرة النبوية لابن كثير ، الفصول في اختصار سيرة الرسول ، لابن كثير ، الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام، لأبي القاسم السهيلي، زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، تأليف القاضي عياض ، الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري، فقه السيرة لمحمد الغزالي ، فقه السيرة لمحمد سعيد رمضان البوطي ، السيرة النبوية، عرض وقائع وتحليل أحداث، علي محمد الصلابي ، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، محمد الخضري.
وهنا سنتناول قصة حياة اثنين من شيوخ كتاب السيرة وهما ابن اسحاق وابن هشام ..

ابن إسحاق (85 هـ/703م  / 151 هـ/768م ) .. نسبه ونشأته و علمه:

هو الإمام أبو بكر محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار المدني. كان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب القرشي، ولد في المدينة سنة 85 هـ/703م، وبها نشأ، وكان فتى جميلا وقرأ على علمائها ومحدثيها. وكان جده يسار من سبي عين التمر حين أفتتحها المسلمون في خلافة أبو بكر الصديق، سنة 12 هـ، وقد وجده خالد بن الوليد في كنيسة عين التمر من بين الغلمان الذين كانوا رهنا في يد كسرى فأخذه خالد إلى المدينة. سافر إلى الإسكندرية وحدث بها عن جماعة من علماء مصر، ومنهم عبيد الله بن المغيرة، ويزيد بن حبيب، وثمامة بن شفي، وعبيد الله بن أبي جعفر، والقاسم بن قزمان، والسكن بن أبي كريمة، والأعرج، وقد تخصص بالرواية عن هؤلاء المحدثين، وكان بحرا من بحور العلم، ذكياً حافظاً. وتوفي سنة 151هـ في بغداد . وكان ابن إسحاق ومازال إمام المغازي والسير، وهو حافظ علامة، أحد من دار عليهم الحديث والإسناد، وقد أثنى عليه في علم المغازي والسير، غير واحد من شيوخه وأقرانه والأئمة عبر العصور.
ورأى ابن إسحاق رحمه الله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وطاف البلاد، وسمع من جمع كبير في مصر، والحجاز والعراق، والري وما بينها، ومنهم: أبوه، وعمه موسى بن يسار، وأبان بن عثمان، والأعرج ومحمد بن إبراهيم التيمي، ومكحول، ونافع العمري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، ومحمد بن المنكدر، وطاوس بن كيسان رحمهم الله.
وحدَّث عنه شيخه يزيد بن أبي حبيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري -وهما من التابعين- وشعبة والثوري، والحمادان، وأبو عوانه، وهشيم، وسفيان بن عيينة، وخلقٌ كثير.
قال محمد مسلم بن شهاب الزهري، وقد سئل عن مغازيه، فقال: هذا أعلم الناس -يعني محمد بن إسحق.
وروى حرملة عن الشافعي قال: «من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق». وقال شعبة: «محمد بن إسحق أمير المؤمنين في الحديث».
وجاء عن البخاري قوله: «محمد بن إسحق ينبغي أن يكون عنده ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد». قال ابن سعد في الطبقات: «كان محمد بن إسحق أول من جمع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وألَّفها، وكان يروي عن عاصم ابن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان، ومحمد بن إبراهيم، وغيرهم ويروي عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وكانت امرأة هشام بن عروة، فقال: هو كان يدخل على امرأتي ؟ كأنه أنكر ذلك».
ولقد أخذ ابن إسحق زمام الزعامة في علم المغازي والسير، وسار به إلى يوم الدين فكل من جاء بعده كان عالة عليه كما يقول الشافعي.
 
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «وهو أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحرًا عجاجًا، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي». وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: «إمام المغازي، ولهذا علق عنه البخاري في صحيحه، وروى له مسلم مقرونًا بغيره، وأخرج له غيرهما».
 
منزلة السيرة النبوية لابن إسحاق
لقد بلغ ابن إسحاق في تصنيفه الذروة في علم السيرة من حيث الحشد والجمع والتنقير ثم من حيث المنهج إذ بدأ بالمبعث وما قبله، ثم بالمغازي واحدة تلو أخرى، ولهذا فقد انتشر مصنفه في عصره، وما تلاه في شرق الأرض وغربها. درسه الدارسون من نواح عديدة قديمًا وحديثًا، وبقيت سيرته عبر العصور أم المصنفات في هذا الباب، وإليها المرجع على الدوام، وإن كانت هنا انتقادات وملاحظات، ولقيت من العناية والرعاية مالم يلقه كتاب آخر في السيرة، بل أستطيع أن أقول: «إن ما كتب من كتب السيرة بعده كان هالة حول هذا الكتاب».
فابن سعد تلميذ الواقدي الذي جعل كتاب ابن إسحاق موازيًا لكتاب شيخه الواقدي، ومرورًا بالأعلام بعد ابن سعد عبر القرون وإلى يومنا هذا، مما يؤكد كلمة ابن عدي أن هذه الفضيلة سبق بها ابن إسحاق، ولم يبلغ من بعده مبلغه.

منهجه 

وإذا أردت أن ألمع إلى ومضات موجزة من منهجه في هذا الكتاب، أقول: رغم أن الكتاب كاملاً لم يظهر حتى نستطيع الجزم بمنهجه، ولم يظهر منه إلا قطعة رغم بقائه متداولًا حتى الأعصر المتأخرة، إلا أنه من خلال النصوص التي أخذت عنه، ومن خلال تهذيب ابن هشام يمكننا أن نبني عنه تصورًا منهجيًا ربما يكون قريبًا من الحقيقة.
ومن هذا يظهر أنه قد قسم كتابه ثلاثة أقسام: المبتدأ، والمبعث، والمغازي، فالقسم الأول: المبتدأ، عالج فيه ما كان من أحداث ورسل ووقائع قبل الإسلام، واعتمد في هذا القسم بقسط غير قليل على وهب بن منبه، وكعب الأحبار، ومسلمة أهل الكتاب، وغيرهم. وذكر فيه بعض أخبار القبائل العربية، وهذا القسم فيه الأخبار المنقطعة والآثار، والإسناد طبعًا نادر، إن لم يكن معدوماً بعد مَنْ حدّثه بها، وسواء غابت هذه الأخبار أو حضرت لا تضر بصفة عامة، وهي تروى ولا تدخل في السيرة أو التشريع من قريب ولا بعيد.
 
وأما القسم الثاني: وهو المبعث، فيشمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة إلى أن فجأه الوحي، ثم إلى الهجرة، وفي هذا القسم يروي النصوص بأسانيده وأحيانًا يرسل عن شيوخه، وأحيانًا يسوق الخبر بلا إسناد، وله في ذلك تفردات.
 
القسم الثالث: عرض الغزوات النبوية وحياته في المدينة بشكل عام إلى مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم. وكان يسلك في هذا القسم مسلك التقسيم للأحداث على السنن، ويبرز أسانيده ورواته بصفة عامة، وقد يرسل، أو يسوق الخبر دون إسناده لأحد، أو يجمع عدة أسانيد، ويسوق الخبر عنهم جميعاً مساقاًَ واحداً، وأحياناً يبهم شيخه في الخبر كأن يقول: حدثني من لا أتهم من أهل العلم، أو ذكر بعض آل فلان، أو بلغني عن فلان، أو حدثني بعض أصحابنا.
 
ومما يلاحظ أنه اعتمد على عدد من علماء السيرة؛ الزهري، عروة بن الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم. وقد حاول ابن إسحاق ربط الآيات القرآنية بأسباب نزولها، وكان يذكر الأشعار التي بلغته في مواضع الغزوات والفخر أو الهجاء. وبعد أن شاع الكتاب وذاع تعاورته العقول والأقلام.
 
وقد حاول غير واحد أن يسلك مسلكه كما فعل الواقدي، وابن حبان وغيرهما من بعده، وهذا مما جعل عمل ابن إسحق عمدة لهذا العلم بوجه أو بآخر ولأجله قال ابن سيد الناس في صدر سيرته التي لقيت بدورها القبول والثناء: «وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن إسحق إذ هو العمدة في هذا الباب لنا ولغيرنا».
 
وخلاصة القول: فإن ابن إسحاق -مهما قيل في نقده- قد ارتقى بالتصنيف في السيرة النبوية مرتقى رفيعاً، وخلد بعمله علمًا عظيمًا، وفتح بابًا للخير كبيرًا، وسبق الناس في هذا المهيع سبقًا مبينًا، وأرسى ركنًا ركينًا بنى من جاء بعده عليه، ونحا نحوه فيما يهدف إليه، فرحمه الله رحمة واسعة.

كتابه المغازي

ألف ابن إسحاق كتابه المغازي من أحاديث وروايات سمعها بنفسه في المدينة ومصر، ومن المؤسف أن هذا الكتاب لم يصل إلينا، فقد فُقِدَ فيما فُقِدَ من تراثنا العلمي الزاخر، ولكن مضمون الكتاب بقي محفوظا بما رواه عنه ابن هشام في سيرته عن طريق شيخه البكائي الذي كان من أشهر تلامذة ابن إسحاق.

وفاته 

توفي محمد بن اسحاق في بغداد سنة 151 هـ/ 768م، ودفن في مقبرة الخيزران.

المراجع 

- طبقات ابن سعد  - التاريخ الكبير للبخاري - تاريخ أبي زرعة الدمشقي - سير أعلام النبلاء -تهذيب التهذيب – ومقال بقلم فاروق حمادة بموقع قصة الاسلام وموقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة - عبد العظيم المسلم: حفظ وتداول السيرة النبوية في القرون الثلاثة الأولى للدعوة من الصحابة والتابعين للبخاري وصحيحه.