فضل الإمامين البخاري ومسلم:
أكرم الله المسلمين بشخصيتين حفظا السنة النبوية وهما الإمامان البخاري ومسلم ، فخرجا للأمة بأعظم تأليف على الأبواب عرفته البشرية إلى يومنا هذا للأحاديث النبوية الشريفة ، من حيث الصحة والدقة والتحري، وقد جمعا فيهما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم غير مختلط بغيره فأجمعت الأمة على كتابيهما وتلقتهما بالقبول والتسليم حتى أذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في التصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق ، قال النووي: «اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الامة بالقبول» . ومن المعلوم انه لم يبدأ تدوين الاحاديث النبوية في كتب مستقلة إلا في أواخر عصر التابعين فكان أول من جمع ذلك الربيع بن صبيح ، وسعيد بن أبي عروبة ، وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة. ثم بدأ تدوين الأحكام، فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، ثم جاء بعدهم الإمام البخاري ومن بعده الإمام مسلم. ووضع الشيخان البخاري ومسلم الأساس لعلم الحديث وهو العلم المشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى صحابي أو إلى من دونه من الأقوال والأفعال والتقارير والأحوال والسير والأيام حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام وأسانيد ذلك وروايته وضبطه وتحرير ألفاظه وشرح معانيه. وكان من عظمة هذين الإمامين بعد أن اتفقت الأمة على إمامتهما والاقتداء بهم أن أقبل الناس على كتبهم رواية ودراية مما أسفر عن تسارع العلماء في الكتابة والتدوين مقتدين بهما متأثرين بكتبهما.
 
واتفقت الامة على الصحيحين البخاري ومسلم للاعتبارات التالية: 1. أنهما أول من ألف في الصحيح . 2. تحريهما وتشددهما في الشيوخ . 3. قوة شرطهما في قبول الحديث . 4. كثرة مراجعتهما لكتابيهما . 5. انتخاب كتابيهم من آلاف الأحاديث مع طول النفس والتأني في التأليف. 6. عرض كتابيهما على علماء عصرهم 7. جودة التأليف.
وهنا نعرض لسيرة الشيخين :
1 - الإمام البخاري ( 194 هـ / 810 م  -  256 هـ / 870 م)
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (13 شوال 194 هـ - 1 شوال 256 هـ) / (20 يوليو 810 م - 1 سبتمبر 870 م). أحد كبار الحفّاظ  الفقهاء  من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل ، له مصنّفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح، المشهور باسم صحيح البخاري، الذي يعتبر أوثق الكتب الستة الصحاح والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم. وقد أمضى في جمعه وتصنيفه ستة عشر عاماً. نشأ يتيماً وطلب العلم منذ صغره ورحل في أرجاء العالم الإسلامي رحلة طويلة للقاء العلماء وطلب الحديث وسمع من قرابة ألف شيخ، وجمع حوالي ستمائة ألف حديث ، اشتهر شهرة واسعة وأقرّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه،  حتّى لقّب بأمير المؤمنين في الحديث.  وتتلمذ عليه كثير من كبار أئمة الحديث كمسلم بن الحجاج وابن خزيمة والترمذي وغيرهم، وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً مجرّداً للحديث الصحيح.  ومن أوّل من ألّف في تاريخ الرجال.  امتُحن أواخر حياته وتُعصّب عليه حتى أُخرج من نيسابور وبخارى فنزل إحدى قرى سمرقند فمرض وتوفيّ بها.

نشأته ورحلاته في طلب العلم

تربّى الإمام البخاري في بيت علم حيث كان أبوه من العلماء المحدّثين، واشتهر بين الناس بسمته وورعه ورحل في طلب الحديث وروى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد كما رأى عبد الله بن المبارك.  وتوفيّ والإمام البخاري صغير. فنشأ البخاري يتيماً في حجر أمه،  وروى المؤرخون أن بصره أصيب وهو صغير فرأت أمه إبراهيم عليه السلام في المنام فقال لها:«يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ولكثرة دعائك» فأصبح وقد رد الله عليه بصره. ومال البخاري إلى طلب العلم وحفظ الأحاديث وتحقيقها وهو حديث السنّ، وهو ابن ست عشرة سنة، في عام 210 هـ خرج من بخارى راحلًا إلى الحج بصحبة والدته وأخيه أحمد، حتى إذا انتهت مناسك الحج رجعت أمه مع أخيه إلى بلدها، بينما تخلف البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، فلبث في مكة مدّة ثم رحل إلى المدينة النبوية وهناك صنّف كتاب التاريخ الكبير وعمره ثماني عشرة سنة. 
وتعددت رحلات الإمام البخاري العلمية للأخذ عن الشيوخ، والرواية عن المحدّثين، فزار أكثر البلدان والأمصار الاسلامية في ذلك الزمان للسماع من علماءها. فرحل إلى بلخ، ومرو، والريّ وهراة ونيسابور  ثم ارتحل إلى الحجاز فدخل مكة ثم رحل إلى المدينة النبوية فاستقرّ بها مدّة، ثم رحل إلى العراق فدخل بغداد وواسط والكوفة والبصرة وبالشام: دمشق وحمص وقيسارية وعسقلان كما رحل إلى مصر .

مؤلفاته:

وقد صنَّف البخاري ما يزيد على عشرين مصنفًا، منها:- الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، المعروف بـ(الجامع الصحيح). - الأدب المفرد. وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة. - التاريخ الكبير. وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ/ 1943م). - التاريخ الصغير. وهو تاريخ مختصر للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ/ 870م)، وطبع الكتاب أولَ مرة بالهند سنة (1325هـ/ 1907م). - خلق أفعال العباد. وطبع بالهند سنة (1306هـ/ 1888م).- رفع اليدين في الصلاة. وطبع في الهند أولَ مرة سنة (1256هـ/ 1840م)، مع ترجمة له بالأوردية. - الكُنى. وطبع بالهند سنة (1360هـ/ 1941م). وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعدُ، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير.

صحيح البخاري

هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبةً. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: “كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع (الجامع الصحيح)”. وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع. وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين. وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.

محنته ووفاته

امتُحِن الإمام البخاري مرّتين، الأولى كانت مع شيخه محمد بن يحيى الذهلي على رأس جماعة من الفقهاء والمحدّثين في عصره، حيث اتّهِم البخاري بمسألة القول باللفظ بالقرآن وهل هو مخلوق، وكانت هذه المحنة واحدة من أسباب محنته الثانية مع حاكم بخارى خالد بن أحمد الذهلي. ووقف معه في المحنة تلميذه الامام مسلم ولم يتركه وحيدا ، وبعد المحنة التي حصلت للإمام البخاري مع أمير بخارى توجّه بعدها إلى خرتنك، وهي قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. فأقام مدة من الزمن فمرض واشتد مرضه.  وقد سُمع ليلةً من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول في دعائه: «اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك.» وكانت وفاته ليلة عيد الفطر السبت 1 شوال 256هـ عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر ودفن  وكان عمره آنذاك اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما. وقبره معروف إلى الآن وله ضريح مشهور في سمرقند.

المراجع 

- البداية والنهاية، ابن كثير. - الوافي في الوفيات، صلاح الدين الصفدي.- سير أعلام النبلاء، الذهبي. - تهذيب الكمال، ج1، ص516. فتح الباري شرح صحيح البخاري - ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي  ، الإمام البخاري - موقع قصة الإسلام ، أبو عبد الله البخاري - موقع إسلام ويب ، الامام البخاري عربي: للدكتور لبيد ابراهيم أحمد - موقع الألوكة - يحيى بن إبراهيم اليحيى / موقع طيبة الطيبة.