- فريدريك الثاني من القلائل الذين تبنوا إزاء الإسلام موقفاً أقرب إلى الاعتدال فكان نصيبه الطرد من الكنيسة عام 1239م
- التنصير يتفق مع الاستشراق على أنه لا يقوم إلا على أساس معرفة اللغات الشرقية فهي الوسيلة للتعرف على عقائد وحضارات الشرق 
- في عام 1539م تم إنشاء أول كرسي للغة العربية في الكوليج دي فرانس في باريس وشغله جيوم بوستل الذي يعد أول المستشرقين الحقيقيين
- قرار إنشاء كرسي اللغة العربية في جامعة كامبردج عام 1636م قد نص صراحة على خدمة هدفين أحدهما تجاري والآخر تنصيري
- هناك تجاوب متبادل بين الاستشراق والتنصير وهناك تماثل في القصد بين المستشرق الأكاديمي والمبشر الإنجيلي
- التحالف بين الجانبين الاستشراقي والتنصيري لا يزال مستمراً بشكل من الأشكال حتى العصر الحاضر
- رو جر بيكون من بين الدعاة المتحمسين الذين طالبوا بتعلم لغات المسلمين  .. ويرى أن التنصير هو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها توسيع رقعة العالم المسيحي
- كان للروابط الاقتصادية لكل من إسبانيا وإيطاليا مع كل من تركية وسورية ومصر أثر كبير في دفع حركة الدراسات الاستشراقية

 

الثقافة العربية

وبين حين وآخر كانت تظهر هناك بعض شخصيات أوروبية مستنيرة لها وزنها تتخذ إزاء الإسلام بعض المواقف الإيجابية . ومن بين هؤلاء القلائل الذين كانوا يتبنون إزاء الإسلام موقفاً أقرب إلى الاعتدال نجد فر يدريك الثاني حاكم صقلية الذي أصبح إمبراطوراً لألمانيا عام 1215م. وقد كان فر يدريك هذا يعرف العربية ويتشبه بالعرب في لباسهم وعاداتهم ويتحمس للفلسفة والعلوم العربية. وقد كانت هذه العلوم تدرس بشغف في قصره في ( بالرمو) وبذلك أصبحت في متناول اللاتينيين . وقد أهدى هذا الإمبراطور وابنه ( مانفرد ) إلى جامعات بولونيا وباريس ترجمات لكتب فلسفية مترجمة عن العربية. وفي عام 1224 م أسس الإمبراطور جامعة نابولي وجعل منها أكاديمية لإدخال العلوم العربية إلى العالم الغربي. 
وقد كان نصيب هذا الإمبراطور أن طرده البابا جريجوري التاسع Gregory lX من الكنيسة عام 1239م . وقد كانت إحدى التهم التي وجهت إليه هي ما يبديه من مظاهر الود تجاه الإسلام.

الاستشراق والتنصير 

 
إذا كان الاستشراق لا يقوم إلا على أساس معرفة اللغات الشرقية التي هي الوسيلة للتعرف على عقائد وحضارات الشرق فإن التنصير يتفق مع الاستشراق في هذا الصدد، ويحتم أيضاً معرفة لغات من يراد تنصيرهم، وقد كان هناك اقتناع تام لدى دعاة التنصير في القرن الثالث عشر بضرورة تعلم لغات المسلمين ، إذا أريد لمحاولات تنصير المسلمين أن تؤتى ثمارها بنجاح. وقد كان هذا الاقتناع ـ الذي ترجم فيما بعض إلى خطة عمل ـ عاملا هاماً بالنسبة لتطور الاستشراق. ولم يكن من السهل في ذلك الزمان فصل الاستشراق عن التنصير أو عن الدافع الديني بصفة عامة، فالدافع الديني كان هو السبب الأول في نشأة الاستشراق . 
 
وقد كان من بين الدعاة المتحمسين الذين طالبوا بضرورة تعلم لغات المسلمين لغرض التنصير ( رو جر بيكون ) [ 1214 م ـ 1294 م ] الذي كان يرى أن التنصير هو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها توسيع رقعة العالم المسيحي. ولبلوغ هذا الغرض لا بد من شروط ثلاثة هي: 
 
1 - معرفة اللغات الضرورية.
2 - دارسة أنواع الكفر وتمييز بعضها من بعضها الآخر .
3 - دراسة الحجج المضادة حتى يمكن دحضها. 
 
وقد شارك بيكون في أفكاره ( رايموند لول Raymond Lull ) [ 1235 ـ 1316م ] الذي ولد في جزيرة ميورقة الإسبانية وتعلم العربية على يد عبد عربي، وكانت له جهود كبيرة في إنشاء كراسي لتدريس اللغة العربية في أماكن مختلفة . وكان الهدف من كل هذه الجهود في ذلك العصر وفي العصور التالية هو التنصير، وهو إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام واجتذابهم إلى الدين النصراني. 
 
وقد صادق مجمع ( فينا) الكنسي في عام 1312م على أفكار بيكون ولول بشأن تعلم اللغات الإسلامية، وتمت الموافقة على تعليم اللغة العربية في خمس جامعات أوروبية هي جامعات باريس، وأكسفورد ، وبولونيا، وسلمنكا، بالإضافة إلى جامعة المدينة البابوية ( Kurie ) . وقدر لرايموند لول أن يعيش حتى يشهد تحقيق حلم طالما نادى به ، وكان يعتقد أن الوقت بذلك قد حان لإخضاع المسلمين عن طريق التنصير، وبذلك تزول العقبة الكبيرة التي تقف في سبيل تحويل الإنسانية كلها إلى العقيدة الكاثوليكية.
 
(24).وقد ساعد على تقدم الدراسات الاستشراقية في نهاية العصر الوسيط تلك الصلات السياسية والدبلوماسية مع الدولة العثمانية التي اتسعت رقعتها حينذاك . وكان للروابط الاقتصادية لكل من إسبانيا وإيطاليا مع كل من تركية وسورية ومصر أثر كبير في دفع حركة الدراسات الاستشراقية . 
 
وفي القرن السادس عشر الميلادي وما بعده أدت النزعة الإنسانية في عصر النهضة الأوروبية إلى دراسات أكثر موضوعية من ذي قبل ، ومن ناحية أخرى شجعت البابوية الرومانية دراسات لغات الشرق من أجل مصلحة التنصير . 
 
وفي عام 1539م تم إنشاء أول كرسي للغة العربية في الكوليج دي فرانس في باريس وشغل هذا الكرسي جيوم بوستل (Gguillaume Postel [ ت 1581 م] الذي يعد أول المستشرقين الحقيقين. وقد أسهم كثيراً في إثراء دراسة اللغات والشعوب الشرقية في أوروبا، وجمع في الوقت نفسه وهو في الشرق مجموعة هامة من المخطوطات . وقد سار على نهجه تلميذه ( جوزيف اسكاليجر Joseph Scaliger [ ت 1609 م ] . 
 
ولكن عمل بوستل لم يكن أبداً منقطع الصلة بجهود التنصير. صحيح أنه يمتدح ثراء الآداب العربية وبوجه خاص في المؤلفات الطبية والفلكية ويقول : 
 
( ليس هناك أحد يستطيع أن يرفض وسائل علاج الطب العربي، فابن سينا يقول في صفحة واحدة أو صفحتين أكثر مما يقوله جالينوس في خمسة أو ستة مجلدات كبيرة ) 
 
ولكن بوستل يذِّكر أيضاً بقرار مجمع ( فينا ) الكنسي الذي سبق أن أشرنا إليه . ويجمل قيمة معرفة اللغة العربية بقوله : 
(.. إنها تفيد بوصفها لغة عالمية في التعامل مع المغاربة والمصريين والسوريين والفرس والأتراك والتتار والهنود، وتحتوي على أدب ثري ، ومن يجيدها يستطيع أن يطعن كل أعداء العقيدة النصرانية بسيف الكتاب المقدس، وأن ينقضهم بمعتقداتهم التي يعتقدونها .
 
وعن طريق معرفة لغة واحدة ( العربية ) يستطيع المرء أن يتعامل مع العالم كله ) . 
 
وقد كان يتباهى بأنه يستطيع عبور آسيا وبلوغ الصين دون مترجم وفي عام 1586 م أصبح من السهل طباعة الكتب العربية في أوروبا عن طريق المطابع التي أقامها الكاردينال فريناند المديسي Ferdinand de Medici دوق تسكانيا الكبير Tuscany . وقدم تم حينذاك طباعة كتب عربية مختلفة من بينها مؤلفات ابن سينا في الطب والفلسفة. 
 
وفي القرن السابع عشر بدأ المستشرقون في جمع المخطوطات الإسلامية، وأنشئت كراسي للغة العربية في أماكن مختلفة . ومما هو جدير بالذكر أن قرار إنشاء كرسي اللغة العربية في جامعة كامبردج عام 1636م قد نص صراحة على خدمة هدفين أحدهما تجاري والآخر تنصيري. فقد جاء في خطاب للمراجع الأكاديمية المسؤولة في جامعة كامبردج بتاريخ 9 مايو ( أيار) 1636م إلى مؤسس هذا الكرسي ما يأتي : 
 
(ونحن ندرك أننا لا نهدف من هذا العمل إلى الاقتراب من الأدب الجيد بتعريض جانب كبير من المعرفة للنور بدلاً من احتباسه في نطاق هذه اللغة التي نسعى لتعلمها، ولكننا نهدف أيضاً إلى تقديم خدمة نافعة إلى الملك والدولة عن طريق تجارتنا مع الأقطار الشرقية، وإلى تمجيد الله بتوسيع حدود الكنيسة والدعوة إلى الديانة المسيحية بين هؤلاء الذين يعيشون الآن في الظلمات ) . 
 
ومن هذا يتضح أنه قد كان هناك تجاوب متبادل بين الاستشراق والتنصير إن لم يكن هناك تماثل في القصد بين المستشرق الأكاديمي والمبشر الإنجيلي. ويمكن القول بأن التحالف بين الجانبين لا يزال مستمراً بشكل من الأشكال حتى العصر الحاضر . 
 
ومن بين الشخصيات التي كان لها أثر كبير في إرساء دعائم الدراسات العربية في أوروبا المستشرق ( توماس إربنيوس Thomas Erpenius ) [ 1584 ـ 1624م] الذي كان أول استاذ يشغل كرسي اللغة العربية في جامعة ليدن (1613م) . وقد استطاع عن طريق جهوده العلمية ومؤلفاته في النحو العربي أن يجعل لهولندا مكان الصدارة في الدراسات العربية في أوروبا لما يقرب من قرنين من الزمان . 
 
أما موقفه من الإسلام فإنه على الرغم من أنه كان يرى أن القرآن يعد القمة من حيث اللغة إلا أنه لم يكن يرى فيه من حيث المضمون شيئاً أكثر من تقليد مضحك للكتاب المقدس. وكان رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه متفقاً تماماً مع ذلك النفور الذي كان سائداً حينذاك في الغرب إزاء النبي العربي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه .