الاستشراق.. بدأ بقرار من مجمع «فيينا» الكنسي في عام 1312م

 

موضوعات الكتاب

 يتكون كتاب الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري من فصلين اثنين ، كالتالي :
الفصل الأول: مدخل تاريخي حول نشأة الاستشراق وتطوره
تمهيد
البدايات الأولى :
اتجاهان مختلفان ..
الثقافة العربية في قصر الإمبراطور ..
الاستشراق و التنصير
محاولات جادة نحو فهم الإسلام ..
عصر ازدهار الاستشراق ..
من مظاهر النشاط الاستشراقي ..
الاستشراق.. والاستعمار..
اليهود .. والاستشراق
مستقبل الاستشراق ..
الفصل الثاني : المستشرقون وموقفهم من الإسلام
تمهيد
أعمال المستشرقين ..
أهداف المستشرقين ..
فئات المستشرقين ..
منهج المستشرقين ..
نماذج من آراء المستشرقين حول الإسلام
الشريعة الإسلامية .. والقانون الروماني ..
الفلسفة الإسلامية ..
ملاحظات على آراء المستشرقين ..
الفصل الثالث: موقفنا من الاستشراق
تمهيد ..
الصراع الفكري ومتطلباته ..

 

 
- الدكتور زقزوق : الاستشراق هو علم الشرق .. والمستشرق هو كل عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق كله 

- الاستشراق له أثر كبير في العالم الغربي وفي العالم الإسلامي .. وله أكبر الأثر في تشكيل مواقف الغرب من الإسلام على مدى قرون عديدة
 
- في العالم الغربي لم يعد في وسع أحد أن يكتب عن الشرق أن يتخلص من القيود التي فرضها الاستشراق على حرية الفكر في هذا المجال
 
- الانتشار السريع للإسلام في المشرق والمغرب قد لفت بقوة أنظار رجالات اللاهوت النصراني إلى هذا الدين ومن هنا بدأ اهتمامهم بالإسلام ودراسته

 
كلمة المؤلف د. زقزوق
 
قال مؤلف الكتاب الدكتور محمود حمدي زقزوق في مقدمته للكتاب :
 
بسم الله الرحمن الرحيم : قُل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلاَّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنَّـا مسلمون( آل عمران : 64)
إن مما لا جدال فيه أن الاستشراق له أثر كبير في العالم الغربي وفي العالم الإسلامي على السواء وإن اختلفت ردود الأفعال على كلا الجانبين. ففي العالم الغربي لم يعد في وسع أحد أن يكتب عن الشرق أو يفكر فيه أو يمارس فعلاً مرتبطاً به أن يتخلص من القيود التي فرضها الاستشراق على حرية الفكر أو الفعل في هذا المجال من حيث إن الاستشراق ( يشكل شبكة المصالح الكلية التي يستحضر تأثيرها بصورة لا مفر منها في كل مناسبة.. يكون فيها ذلك الكيان العجيب ( الشرق) موضوعاً للنقاش ) .
 
وفي عالمنا العربي الإسلامي المعاصر لا يكاد يجد المرء مجلة أو صحيفة أو كتاباً إلاّ وفيها ذكر أو إشارة إلى شيء عن الاستشراق أو يمت إليه بصلة قريبة أو بعيدة . وهذا أمر ليس بمستغرب ذلك أن الاستشراق في حقيقة الأمر كان ولا يزال جزءاً لا يتجزأ من قضية الصراع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك ونقول: إن الاستشراق يمثل الخلفية الفكرية لهذا الصراع . ولهذا فلا يجوز التقليل من شأنه بالنظر إليه على أنه قضية منفصلة عن باقي دوائر هذا الصراع الحضاري. فقد كان للاستشراق من غير شك أكبر الأثر في صياغة التصورات الأوروبية عن الإسلام، وفي تشكيل مواقف الغرب إزاء الإسلام على مدى قرون عديدة. 
 
ولا يزال الأوروبيون حتى اليوم يستقون معلوماتهم عن الإسلام من كتابات المختصين في هذا المجال من الأوروبيين، وهؤلاء هم بطبيعة الحال من طبقة المستشرقين، هذا فضلاً عما يكتبه بعض الأدباء أو الفلاسفة الأوربيين . ولكن كتابة هذا الفريق الأخير لا تخرج في الغالب عن كونها مبنية على كتابات المستشرقين.
 
والاستشراق قضية تتناقض حولها الآراء في عالمنا الإسلامي، فهناك من يؤيده ويتحمس له إلى أقصى حد، وهناك من يرفضه جملة وتفصيلاً ويلعن كل من يشتغل به بوصفه عدواً لدوداً للإسلام والمسلمين. 
 
والواقع الذي لا يمكن إنكاره هو أن الاستشراق له تأثيراته القوية في الفكر الإسلامي الحديث إيجاباً أو سلباً أردنا أم لم نرد. ولهذا فإننا لا نستطيع أن نتجاهله أو نكتفي بمجرد رفضه وكأننا بذلك قد قمنا بحل المشكلة، إننا لو فعلنا ذلك لكنا كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال. ولهذا فإنه ليس هناك بديل عن مواجهة المشكلة وطرحها على بساط البحث ودراستها واستخلاص النتائج واقتراح الحلول وهكذا نجد أن موضوع الاستشراق يفرض نفسه علينا بإلحاح ويتطلب منا وقفه تأملية جادة لبحثه ودراسة أبعاده وتأثيراته بالنسبة للإسلام والمسلمين . 
 
وهناك من غير شك بعض الجهود العلمية القيمة في هذا الصدد من جانب بعض المسلمين، وهي جهود لا يجوز التقليل من شأنها أو تجاهلها .
 
ولسنا نقصد بهذا الكتاب أن يكون عوضاً عن هذه الدراسات. ولكن حسبنا هنا أن نركز على بعض النقاط الهامة التي نرجو من ورائها أن تكون حافزاً لنا على مواصلة التفكير والتأمل في أبعاد هذه القضية المتعددة الجوانب المتشعبة الأطراف، من أجل الوصول إلى اتخاذ المواقف الصحيحة التي من شأنها أن تسير بنا إلى بلوغ الأهداف المرجوة . 
 
وفي محاولتنا هنا لعرض هذا الموضوع سنتوخى أن نكون موضوعيين، بعيدين عن اتخاذ أسلوب المواقف الجدلية الانفعالية، لأن مثل هذه المواقف قليلة الجدوى وإن كان لها بعض التأثير فإنه تأثير وقتي سرعان ما يزول لعدم ارتكازه على أسس متينة. ومن أجل ذلك نريد أن نخاطب القارئ ونضع أمامه القضية بإيجابياتها، وسلبياتها ونشركه في البحث عن الحلول الجادة. 
 
وفي هذا الصدد نود أن نؤكد أن التزام الموضوعية هو دائماً في صالح الإسلام. والأمر الذي لا ينبغي أن يغيب هنا عن الأذهان هو أن الإسلام بوصفه دين الله الحق لا يخشى عليه من أية تيارات فكرية مناوئة أيا كان مصدرها وأيا كان شأنها وانتشارها وقوتها طالما وجد هذا الدين من أتباعه من يستطيع فهمه فهماً سليماً،
وأدرك أهدافه ومراميه إدراكاً واعياً. فإذا توفر مثل هذا الفهم السليم والإدراك الواعي فسيتضح أنه لا توجد هناك تيارات فكرية يمكن أن تتحدى الإسلام، بل العكس هو الصحيح وهو أن الإسلام نفسه هو الذي يتحدى . أما إذا افتقد الإسلام لدى أتباعه الوعي السليم والفهم الصحيح لأصوله وغاياته فإن مواقف هؤلاء الأتباع- مهما حسنت النيَّات - لن تخرج عن مواقف الصديق الجاهل الذي هو أضر بالإسلام من العدو العاقل .
 
والكتاب الذي نقدمه اليوم إلى القارئ الكريم يحتوي على ثلاثة فصول: يشتمل الفصل الأول منها على مدخل تاريخي حول نشأة الاستشراق وتطوره. أما الفصل الثاني - وهو الفصل الرئيس في هذا الكتاب- فإنه يتناول بالبحث مواقف المستشرقين بإيجابياتها وسلبياتها .
 
وفي الفصل الثالث والأخير نتحدث عن موقفنا - نحن المسلمين - من الحركة الاستشراقية .. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل .
د.محمود حمدي زقزوق
الفصل الأول: مدخل تاريخي حول نشأة الاستشراق وتطوره 
تمهيد 
مدخل تاريخي 
تمهيد : 
ليس القصد من هذا المدخل التاريخي حول نشأة الاستشراق وتطوره أن يكون عرضاً شاملا يقف عند كل التفاصيل ويدقق في الجزئيات ويؤرخ لكل مرحلة من مراحل الاستشراق، وإنما القصد منه هو فقط إلقاء نظرة عامة تبرز لنا بعض المعالم الرئيسة والخطوط العريضة في هذا الصدد . نتعرف من خلالها على أهم العوامل التي ساعدت على نشأة الاستشراق وأهم المؤثرات التي كان لها دورها الفعال في تطور الحركة الاستشراقية، وما صاحب ذلك كله من تطور في النظرة الغربية للإسلام والحضارة الإسلامية بوجه عام .
 
وتوضيح الجوانب يعد بمثابة تمهيد ضروري لفهم الاتجاهات المختلفة للمواقف الاستشراقية إزاء الإسلام والمسلمين . ولتحقيق هذا الغرض سنلقي أولاً نظرة على البدايات الأولى للاستشراق ومنطلقات هذه البدايات في القرون الوسطى، ثم نلقي بعض الضوء على مدى صلة الاستشراق بالتبشير، ونشير إلى بعض المحاولات الجادة التي ظهرت في أوروبا للتعرف على الإسلام،
 
ثم ننتقل إلى الحديث عن ازدهار الاستشراق في العصر الحديث ومظاهر هذا الازدهار، ونتناول في هذا الصدد صلة الاستشراق بالاستعمار ودور اليهود في الحركة الاستشراقية. ونختم هذا الفصل بالحديث عن مستقبل الاستشراق .
البدايات الاولى 
الاستشراق هو علم الشرق أو علم العالم الشرقي . وكلمة مستشرق بالمعنى العام تطلق على كل عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق كله: أقصاه ووسطه وأدناه، في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه. ولكننا هنا لا نقصد هذا المفهوم الواسع، ولا يعنينا هنا أن نتعرض لبحثه، كما لا يعنينا أيضاً أن نتعرض للتغيرات الجغرافية والحضارية التي طرأت على مفهوم الشرق في مختلف العصور، وإنما كل ما يعنينا هنا المعنى الخاص لمفهوم الاستشراق الذي يعني الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الإسلامي في لغاته وآدابه وتاريخه وعقائده وتشريعاته وحضارته بوجه عام . وهذا المعنى هو الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي الإسلامي عندما يطلق لفظ استشراق أو مستشرق، وهو الشائع أيضاً في كتابات المستشرقين المعنيين . 
 
ومن الصعب تحديد تاريخ معين لبداية الاستشراق وإن كان بعض الباحثين يشير إلى أن الغرب النصراني يؤرخ لبدء وجود ( الاستشراق الرسمي ) بصدور قرار مجمع (فيينا ) الكنسي في 1312 م بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية . ولكن الإشارة هنا إلى ( الاستشراق الكنسي ) تدل على أنه كان هناك استشراق غير رسمي قبل هذا التاريخ، فضلاً عن أن هناك باحثين أوروبيين - كما سنذكر فيما يلي - لا يعتمدون التاريخ المشار إليه بداية للاستشراق. ولذلك تتجه المحاولات في هذا الصدد لا إلى تحديد سنة معينة لبداية الاستشراق، وإنما إلى تحديد فترة زمنية معينة على وجه التقريب يمكن أن تعد بداية للاستشراق .
 
وليس هناك شك في أن الانتشار السريع للإسلام في المشرق والمغرب قد لفت بقوة أنظار رجالات اللاهوت النصراني إلى هذا الدين . ومن هنا بدأ اهتمامهم بالإسلام ودراسته . ومن بين العلماء النصارى الذين أظهروا في وقت مبكر اهتماماً بدراسة الإسلام - لا من أجل اعتناقه ، وإنما من أجل حماية إخوانهم النصارى منه - كان العالم النصران يوحنا الدمشقي( 676 - 749 م). ومن بين مصنفاته في هذا الصدد
 
لإخوانه في الدين كتاب( محاورة مع مسلم ) وكتاب (إرشادات النصارى في جدل المسلمين)(6) . 
ولكننا لا نستطيع أن نعد مثل هذه المحاولات بداية للاستشراق.
 
فيوحنا الدمشقي كان رجلاً شرقياً عاش في ظل الدولة الأموية وخدم في القصر الأموي. ولهذا سنصرف النظر عن مثل هذه المحاولات من جانب النصارى الشرقيين، ونقصر حديثنا على العلماء الغربيين .