واليوم ننشر الحلقة «26 « من سلسلة « نحو وعي برلماني « وتتضمن الجزء الرابع من دراسة أعدتها إدارة الدراسات والبحوث بمجلس الامة بعنوان « حالات حل مجلس الامة « وصدرت في العام 2007 :
الباب الثالث - الفصل الثالث: الآثار المترتبة على حل مجلس الأمة
يمكن القول أن أهم أثر يترتب على حل مجلس الأمة وتعطيل الحياة النيابية ، هو مصير المراسيم بقوانين التي صدرت استناداً إلى الأوامر الأميرية التي قضت بحل مجلس الأمة وتعطيل الحياة النيابية وإيقاف العمل ببعض أحكام الدستور .
في كيفية التعامل مع تلك المراسيم بقوانين ، نبين رأي الفقه والقضاء والواقع من خلال الممارسة العملية تجاه هذه المراسيم .
المبحث الأول
الفقه
الفقه الدستوري تنازعه اتجاهان رئيسان :
الاتجاه الأول: يرى أن المراسيم بقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية في غياب الحياة النيابية ، يجب عرضها على مجلس الأمة في أول جلسة له عند انعقاده ليمارس رقابته التشريعية عليها لأن تلك المراسيم قد خالفت أحكام الدستور ، وأن تلك الرقابة البرلمانية تنسحب على تشريعات الضرورة أيا كانت أداة إصدارها سواء كانت صادرة بأوامر أميرية أو كانت صادرة بمراسيم بقوانين أو بأداة أدنى من ذلك ، وأن تلك الرقابة البرلمانية تعطى الحق لمجلس الأمة في إقرار هذه المراسيم وعندئذ تتأكد بصفة نهائية ، كما يستطيع رفضها وعندئذ فقط يزول بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأي المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب عليها من آثار .
الاتجاه الثاني: يرى أن المراسيم بقوانين التي تصدر في غيبة مجلس الأمة نتيجة حله بأمر أميري هي قوانين قائمة ونافذة من تاريخ صدورها ، لأنها صادرة من سلطة فعلية انعقدت لها السلطة التشريعية ، دون أن تستند على أحكام الدستور وبالتالي لا تخضع للدستور والقيود الواردة بالمادة (71) منه والتي لا تسرى بداهة إلا عند قيام الحياة البرلمانية ، ومن ثم فإنها لا تعرض على مجلس الأمة عند عودة الحياة النيابية وتظل سارية بالرغم من عدم عرضها ، إلى أن يقوم مجلس الأمة بإلغائها أو تعديلها وفقاً للاجراءات الدستورية التي يتم بها إلغاء القوانين أو تعديلها .
وفي رأيي أن الاتجاه الأول هو الصحيح ، وهو أن المراسيم بقوانين الصادرة استناداً إلى أوامر أميرية قضت بحل مجلس الأمة ، يجب عرضها على مجلس الأمة في أول جلسات انعقاده لإقرارها أو رفضها وذلك لما يأتي :
1 - النص في المادة (71) من الدستور تقرر أنه <إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، جاز للأمير أن يصدر في شانها مراسيم تكون لها قوة القانون ... ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة ... في أول اجتماع له في حالة الحل ... < ، وإذا وردت كلمة <الحل> في تلك المادة عامة ، وكانت القاعدة الأصولية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فيكون المقصود بكلمة <الحل> الواردة بهذه المادة هو الحل بصفة عامة .
2 - نصوص الدستور وجدت ليعمل بها ، وبالرجوع إلى الأمرين الأميريين بحل مجلس الأمة عام 1976م وعام 1986م نجد أنهما حددا المواد الدستورية التي اوقف العمل بها ، وليس منها المادة (71) التي توجب عرض المراسيم بقوانين الصادرة في حالة الحل على المجلس فور انعقاده ، ولو أراد الأمرين الأميريين غير ذلك لأوقفا العمل بأحكام تلك المادة صراحة .
3 - استخدام السلطة التنفيذية لمصطلح <المراسيم بقوانين < في التشريعات التي تصدرها في غيبة المجلس ، تؤكد رغبتها في تميزها عن القوانين التي تصدر في وجوده ، وذلك حتى تظل أعمالها في نطاق المشروعية الدستورية .
4 - القول بانحسار الرقابة البرلمانية عن المراسيم بقوانين الصادرة في غياب الحياة النيابية ، معناه مكافأة الحكومة على حلها للمجلس وهو قول يجافي المنطق .
باب الثالث - المبحث الثاني: القضاء
أصدر القضاء في الكويت بعض الأحكام بخصوص مسألتين :
الأولى : المراسيم بقوانين التي تصدر في حالة غياب مجلس الأمة .
الثانية : القرارات الصادرة من مجلس الأمة في تلك المراسيم .
الفرع الأول: المراسيم بقوانين الصادرة في غياب مجلس الأمة
بالرجوع إلى أحكام المحكمة الدستورية نجد أن تلك المحكمة قضت بجلسة 28-6-1982م في الطعن رقم 2 لسنة 1982م (دستوري) برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من عدم جدية الدفع بعدم دستورية الأمر الأميري بالقانون رقم 62 لسنة 1976م بتعديل أحكام قانون الجزاء وقد جاء بأسباب هذا الحكم ‘... أن المرسوم الأميري الصادر في 29-8-1976م بتنقيح الدستور قد أورد في مادته الثالثة ما يفيد أن الأصل في صدور القوانين أن تصدر بمراسيم أميرية إلا أنه عند الضرورة يجوز اصدارها بأوامر أميرية ، ولا مشاحه أن تقدير حالة ضرورة هنا مرده للأمير وحده يقدرها حسب الظروف والأسباب القائمة في كل حالة على حدة ، ذلك أنه وإن كان متطلباً بالنسبة للتشريعات التي تصدر أثناء قيام الحياة النيابية وفق أحكام المادة (71) من الدستور أن تعرض هذه التشريعات على مجلس الأمة ليمارس سلطته في الرقابة عليها باستظهار مدى توافر الشرائط المطلوبة فيها ومنها حالة الضرورة الملجئة لاصدارها ، إلا أن التشريعات التي تصدر في غيبة الحياة النيابية هي في الواقع قوانين قائمة بذاتها ونافذة من تاريخ صدورها ، إذ هي قد صدرت بطريقة خاصة من سلطة فعلية عليا ممثلة بأمير البلاد انعقدت لها السلطة التشريعية دون أن يتأسس ذلك على المادة (71) من الدستور والتي لا تسرى أو يتأتى أعمالها إلا عند قيام الحياة النيابية ...> .
بالرجوع لأحكام محكمة التمييز نجد أن تلك المحكمة جاء بأسباب حكمها الصادر بجلسة 22-12-1997م في الطعن رقم 137 لسنة 97 (جزائي) المعروف ‘بقضية الناقلات’ ‘... لما كان ذلك ، وكانت ما تثيره النيابة الطاعنة في خصوص زوال المرسوم بالقانون رقم 35 لسنة 1990م في شأن محاكمة الوزراء بأثر رجعي بعد نشر قرار مجلس الأمة بعدم إقراره ، فمردود بأن هذا المرسوم بقانون قد صدر في غياب الحياة البرلمانية من سلطة فعلية هي أمير البلاد له سلطة التشريع فهو قانون قائم ونافذ من تاريخ صدوره ولا ينطبق عليه حكم المادة 71 من الدستور - الخاصة بصدور القانون من أمير البلاد عند قيام الحياة النيابية - والتي توجب في هذه الحالة عرضه على مجلس الأمة لإقراره أو رفضه ، فيزول ماله من قوة القانون ومن ثم فلا اثر لقرار مجلس الأمة بعدم اقرار المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 1990م ... < .
الفرع الثاني
القرارات الصادرة من مجلس الأمة في تلك المراسيم
القرارات الصادرة من مجلس الأمة بخصوص المراسيم بقوانين التي صدرت في غيبة المجلس ، لا تعد من التشريعات التي حددها الدستور والقانون وأخضعها لرقابة المحكمة الدستورية ومن ثم فإن تلك القرارات لا تخضع لرقابتها ، هذا ما قررته المحكمة الدستورية بجلسة 29-6-1994م في الطعن رقم 3 لسنة 1994م (دستوري) والتي جاء بأسباب حكمها ‘ ... أن المقصود بالقانون هو التشريع بمعناه الاصطلاحي الفني وهو ما يصدر عن السلطة التشريعية من قواعد تنظيمية عامة طبقاً للاجراءات الدستورية المقررة ، أما المراسيم بقوانين فيقصد بها بصفة عامة النصوص التشريعية التي تصدر من السلطة التنفيذية في الحالات التي تصدر بها القوانين ، ويكون لها ما للقوانين من قوة ملزمة أما اللوائح فهي التشريعات الفرعية التي تصدر من السلطة التنفيذية في حدود اختصاصها الدستوري ، وإذا كان المجلس التشريعي يختص أساساً بالتشريع أي بإصدار قوانين ذات قواعد عامة مجردة وفقاً للاجراءات المرسومة دستورياً ، فان الدستور قد خوله بالاضافة إلى ذلك اختصاصات أخرى يطلق عليها اصطلاح الأعمال البرلمانية ، وهي جميع الأعمال القانونية والمادية التي ليس لها صفتي العمومية والتجريد ، والتي تصدر من المجلس التشريعي أو من أحدى لجانه أو أعضائه ، وهم بصدد القيام بوظائفهم المخولة لهم بموجب الدستور خارج نطاق وظيفة التشريع ، ومن ثم فلا تعد أعمالاً تشريعية ، مما يبعدها عن مفهوم القوانين أو المراسيم بقوانين أو اللوائح وعلى ذلك فهي تخرج عن رقابة المحكمة الدستورية ، لما كان ذلك وكان قرار مجلس الأمة بإقرار أو عدم اقرار المرسوم بقانون الصادر في غيبته لا تتوافر فيه المقومات التي تدخله في زمرة القوانين التي يصدرها المجلس إذ افتقد عناصر القاعدة القانونية الملزمة من العمومية والتجريد وما تتبع بصدده الاجراءات الدستورية المقررة لسن القوانين ، ومن ثم فإن قرار مجلس الأمة بعدم إقرار المرسوم بقانون رقم 35-90 في شأن محكمة الوزراء لا يعد من التشريعات التي حددها الدستور والقانون وأخضعها لرقابة المحكمة الدستورية ... بما تضحى معه المحكمة الدستورية غير مختصة بالنزاع المطروح ...’.