مؤلف الكتاب د. عبد المحسن الجـارالله الخـرافـي

 
الإسلام وضع المبادئ العامة لنظام اقتصادي صالح لكل عصر من العصور وفق حاجات ومقتضيات الناس ، أما  تفاصيل هذا النظام الاقتصادي الإسلامي فتتحقق وفق حاجات  العصر ، فإذا تصفحنا كتب الفقه وجدنا كيف أن فقهاء الإسلام دونوا أحكام نظام الاقتصاد بتفصيل واف في عصورهم المختلفة ،  في داخل الحدود الفاصلة التي خطها الإسلام ، ويرى المفكر الإسلامي المصري الدكتور محمد مورو أن الاقتصاد الإسلامي جزء من كل ، بمعنى ارتباط الاقتصاد الإسلامي بمفاهيم وعقائد ونظم الإسلام، وهو اقتصاد أخلاقي وواقعي في غاياته وفي طرقه كذلك ،ومتميز عن المذاهب الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية وهو مخالف لها في أساسها النظري، مخالف لها في أساليبه، مخالف لها في غاياته وإن تشابهت بعض التفصيلات بين النظام الإسلامي وإحدى هذه النظم ليس إلا من قبيل تشابه عيون شخصين مثلاً دون أن تربطهما رابطة دم أو جنس، ولا يسمح بأي شكل من أشكال الاستغلال ، ويحقق الحد المتوازن من الحياة الكريمة لكل فرد دون أن يضع عائقًا دون الارتفاع إلى آفاق عليا دون ظلم أو استغلال ويضع على عاتق أولي الأمر إتاحة فرص العمل لكل قادر والحاجة لكل محتاج حتى لا يبقى فقير أو عاطل في المجتمع الإسلامي دون النظر إلى دينه أو جنسيته ، وهو اقتصاد مخطط بمعنى أنه يجعل للدولة الإشراف المركزي على الإنتاج والتوزيع. 
وظهرت بواكير الاقتصاد الإسلامي في منتصف القرن الماضي في كتابات مجموعة من العلماء الأفذاذ أمثال د. محمود أبو السعود، د. عيسى عبده إبراهيم، والشيخ محمد الغزالي ، وفي ستينيات القرن الماضي تأسست النماذج الأولى للبنوك الإسلامية في مصر وباكستان وماليزيا، و فتحت هذه النماذج المجال لمرحلة تأسيس البنوك الإسلامية التي تمتد من 1970م إلى 1980م وخلالها تم تأسيس أول بنك إسلامي بشكله الرسمي سنة 1971م بمصر وهو «بنك ناصر الاجتماعي»، وتاسيس بنك دبي الإسلامي بالإمارات العربية المتحدة سنة 1975م. وبنك فيصل الإسلامي المصري وبنك فيصل الإسلامي السوداني في 1977م ، وبيت التمويل الكويتي سنة 1977م. والبنك الإسلامي الأردني سنة 1978م وبنك  البحرين الإسلامي سنة 1979م. وتأسيس أول بنك إسلامي في الغرب عام 1987م، وهو المصرف الإسلامي الدولي في الدنمارك.
ومن نعم الله تعالى على المجتمع الكويتي أن صبغه بصبغة أصيلة هي حب الإسلام، والتمسك بالدين، وأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء، لذلك تعد الكويت من أوائل الدول العربية والإسلامية التي تأسس بها مصرف إسلامي هو بيت التمويل الكويتي الذي تأسس عام 1977  ليلبي حاجة ملحة في نفوس أفراد الشعب الكويتي للتعامل الاقتصادي القائم على أسس إسلامية بشكل لا لبس فيه وحرج، ولا ثمة شبهة ربا أو تعاملاته. ويعد بيت التمويل الكويتي في طليعة المصارف الإسلامية المؤسسة لفكرة الاقتصاد الإسلامي، وإخراجها من حيز النظرية إلى واقع التطبيق . وخلال شهر رمضان المبارك تنشر «الوسط» السير الذاتية  لأبرز رواد الاقتصاد الاسلامي في الكويت من خلال عرض كتاب «رواد ومؤسسي الاقتصاد الإسلامي في الكويت المنطلقون من تجربة بيت التمويل الكويتي» لمؤلفه الامين العام للامانة العامة للاوقاف الدكتور عبد المحسن الجـارالله الخـرافـي والذي ألفه عام 2006 ثم أصدره بيت التمويل الكويتي عام 2008 في الذكرى الثلاثين لتأسيس بيت التمويل كأول بنك إسلامي في الكويت ، وفي شهر رمضان الحالي للعام 1437 هجرية يكون قد مر على بدء عمل بيت التمويل الكويتي 38 عاما حيث تم افتتاح بيت التمويل للجمهور لاول مرة يوم 28 رمضان 1398هـ الموافق 31/8/1978م بعد مرور نوح 9 اشهر على تأسيس بيت التمويل بصدور المرسوم الأميري بالقانون رقم 72 لسنة 1977م، لتأسيسه ، كشركة مساهمة كويتية، في  ربيع الآخر 1397هـ، الموافق 23 مارس 1977م، تشارك الحكومة فيها بنسبة 49 % كالتالي: وزارة المالية بنسبة 20 %، ووزارة العدل (إدارة شؤون القصر) بنسبة 20 %، ووزارة الأوقاف بنسبة 9 %، وطرح باقي الأسهم 51% للاكتتاب العام برأس مال قدره عشرة ملايين دينار. 
وتشكل أول مجلس للإدارة الذي ضم كلاً من: أحمد بزيع الياسين رئيساً لمجلس الإدارة والعضو المنتدب ، محمد إبراهيم بوهندي نائباً للرئيس ونائب العضو المنتدب ، وعضوية كل من: خالد صالح العتيقي  ،عبدالحميد عبدالرزاق العبيد عبدالمحسن علي الطويرش  ، علي عبدالكريم الفوزان ، فهد نايف وعقب وفاته وحل محله السيد علي محمد المضف ، محمد يوسف الرومي ، مريخان سعد صقر ، هادي هايف الحويلة ، وقد تم تعيين بدر عبدالمحسن المخيزيم كاول مدير عام لبيت التمويل الكويتي. 
 

- يوسف الحجي رشحته سمعته الطيبة لتولي موقع المسؤولية وعضوية العديد من الهيئات الإسلامية والبنوك والهيئات التطوعية في الكويت  وخارجها 
- حاز جوائز عدة أبرزها جائزة الملك فيصل العالمية في العمل الخيري... وقيل عنه «لا ُيذكر العمل الخيري بالكويت إلا ويتبادر للذهن اسم العم  يوسف الحجي»  
- كانت « الأوقاف» تحت قيادة الحجي وقت تأسيس بيت التمويل فكان ركناً أساسياً في إنشائه والمساهمة برأس ماله ممثلاً عن « الأوقاف» 

 

العم يوسف جاسم الحجي 
يقف المرء حائراً أمام بعض الشخصيات الفاضلة الخيرة المعطاءة، تتوه منه الكلمات، فيبحث عنها في بحر.. ماؤه من الذهب، ليقدر هؤلاء حق قدرهم، فهم من صنع التاريخ، وهم من رفع رأس وطنهم عالياً بين الناس. وهناك من رجال الكويت الذين يشهد التاريخ المعاصر مآثرهم، ومن الصعب أن يطويهم النسيان؛ لما سطروا من صفحات بيض في مسيرة التاريخ، ولأنهم رجال تحملوا المسؤولية: مسؤولية الدعوة إلى الله.. وخدمة عباده المؤمنين استحقوا الشكر والتقدير والتكريم.
ومن هؤلاء الرجال العم يوسف جاسم الحجي الذي حاز جوائز عدة أبرزها جائزة الملك فيصل العالمية في العمل الخيري، وتوالى تكريم الهيئات له بعد ذلك، حتى قال أحد الكتاب المعاصرين عنه: «لا ُيذكر العمل الخيري في الكويت إلا ويتبادر إلى الذهن اسم العم يوسف جاسم الحجي».  
المولد والنشأة
يقول الدكتور عبد المحسن الجار الله الخرافي :  في منزل قرب المدرسة المباركية بالكويت، وبين ستة إخوة ذكور وخمس أخوات، ولد يوسف جاسم الحجي في الكويت عام 1341هـ (1923م)، وكان والده صاحب دكان في ساحة الصرافين القديمة، يبيع فيه لوازم سكان البادية.
وقتها كان أهل الكويت يعملون في أعمال تتعلق بالبحر مثل الغوص والسفر والقطاعة ونقل المياه. ودخلُ الفرد وقتها كان يسيراً لا يكاد يكفي حاجاته اليومية في ظل حياة صعبة، وكان حاكم الكويت وقتها هو الشيخ أحمد الجابر الذي بذل أقصى جهد؛ حتى يسير بالكويت على الطريق الصحيح، ويعبر بها إلى بر الأمان خلال الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد.
نسبه وعائلته
من بلدة «إسليل» في وادي الدواسر جنوب المملكة العربية السعودية قدم الجد الأول «حجي» - بكسر الحاء - إلى الكويت في منتصف القرن التاسع عشر، ولا تُعرف المهنة التي امتهنها - يرحمه الله - حينما وصل إلى الكويت، ولكن ابنه محمد عمل بحاراً على إحدى السفن الشراعية، وفي رحلة له على إحدى السفن الكويتية التي كانت تحمل التمر من البصرة إلى عدن توفي، وألقي به في البحر العربي بين مسقط وعدن ، مما جعل ولده «جاسم» يقطع على نفسه عهداً بألا يركب البحر، بل ومنع أولاده من العمل فيه.
حياته الاجتماعية
تزوج عام 1941م، ورزق بسبعة ذكور وثلاث بنات، أكبرهم الدكتور يعقوب يوسف الحجي صاحب المؤلفات المعروفة، والذي يدين له تاريخ السفر بالفضل لما وثق فيه من جميع مشتملاته، وأصغرهم أحمد الذي نال شهادة الدكتوراه في مجال الحقوق، والباقون تخرجوا من الجامعات العربية والأجنبية فكانوا نعم الذرية.
مسيرته التعليمية
كان جاسم محمد الحجي (والد يوسف) يصطحبه لحضور مجالس العلم لدى بعض علماء الكويت من أمثال الشيخ عبدالوهاب بن عبدالله الفارس. وحفرت هذه المجالس - في ذاكرة العم يوسف الحجي - أهمية تلقي العلم من ينابيعه الصافية، والتزود من المعارف قدر تيسرها للإنسان.
التحق بمدرسة الملا عثمان عبداللطيف العثمان مع إخوانه، ثم المدرسة المباركية، وتخرج منها  عام 1933م.  وبين عامي 1936م و 1938م تعلم اللغة الإنجليزية، بمدرسة الأستاذ هاشم البدر.
أبرز الاهتمامات والهوايات
لخص العم يوسف الحجي اهتماماته في كلمتين اثنتين هما «العمل الخيري»، ذلكم العمل الخيري الذي أحبه وأجاده في حياته، وهو هوايته التي يرضي بها ربه عز وجل، وينال حب الناس.
العمل والوظيفة
بعد تخرج العم يوسف الحجي من مدرسة هاشم البدر سنة 1938م - وكان عمره 15 عاما - سافر إلى السعودية ليعمل بوظيفة «كاتب دوام» في شركة «أرامكو» بالسعودية لعدة سنوات، ورجع إلى الكويت عام 1942م، ليعمل بالأعمال الحرة لمدة عام واحد, ثم بدأ يتجه إلى سلك التوظيف الحكومي. فعين موظفاً بوزارة الصحة عام 1944م في قسم المستودعات الطبية، مسؤولاً عن مخزن الأدوية، ثم تدرج في المناصب بالوزارة، وقد صار وكيلاً لوزارة الصحة من عام 1963م إلى عام 1970م.
واختير وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية من عام 1976م وظل بها خمس سنوات حتى عام 1981م.
تولى رئاسة مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعي لمدة عام واحد في الدورة الأولى من22 أكتوبر عام 1967م، حتى 15 أكتوبر 1968م، ولمدة عامين في الدورة الثانية من25 سبتمبر عام 1973م، حتى عام 1975م.
وقد رشحته سمعته الطيبة لتولي موقع المسؤولية وعضوية العديد من الهيئات الإسلامية والبنوك والهيئات التطوعية، مثل جمعية الهلال الأحمر الكويتية، وجامعات في أوغندا والنيجر والجامعة الإسلامية في «شيتا جونج»، وعضوية مجلس الجامعة الإسلامية بإسلام أباد، وبنك دبي الإسلامي والمجلس الأعلى للمساجد برابطة العالم الإسلامي، ونائب رئيس المجلس الأعلى للدعوة والإغاثة، ورابطة العالم الإسلامي، واللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة ورئيس جمعية الشيخ عبدالله النوري... وغيرها.
رئاسته للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية:
ترأس العم يوسف الحجي الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية منذ إنشائها في 1404هـ (1984م) ، واختير بالإجماع رئيساً لمجلس إدارتها منذ تأسيسها، وإعلانها بالمرسوم الأميري، بقانون رقم 64 لعام 1986م، وكان ذلك عقب مؤتمر المصارف الإسلامية في الكويت الذي دعا خلاله الدكتور يوسف القرضاوي لجمع مليار دولار لدعم المسلمين في مواجهة ثالوث الخطر: الجهل والفقر والمرض، رداً على جمع النصارى مبلغ مليار دولار في مؤتمر كولورادو الشهير للإنفاق على الأنشطة التنصيرية.
وعن مشاركاته الإنسانية وجهوده في المجال الخيري يرفض العم يوسف الحجي ذكرها، وهي – ولله -  الحمد واضحة لكل ذي عينين.
فقد حصلت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية على عضوية الأمم المتحدة، بفضل الله تعالى ثم بفضل الجهود الواعية للعم يوسف الحجي. وساهمت مع منظمات دولية كبرى مثل اليونسكو والاسيسكو ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة العمل العالمية، ومنظمة الصحة العالمية، وبالتنسيق كذلك مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، في حل مشكلات كثير من المسلمين، ومد يد العون لهم.
الجوائز وشهادات التقدير
حصل العم يوسف الحجي على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوغندا الإسلامية.
وحصل أيضاً على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، مناصفة مع الشيخ صالح الحصين رئيس شؤون الحرمين الشريفين، ورئيس مركز الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية.
 
قصته مع بيت التمويل الكويتي
اجتمعت الجهود المخلصة من الشخصيات والهيئات المتعددة في الكويت على إنشاء بنك إسلامي، وكانت التجربة ماثلة أمامهم في بنك دبي الإسلامي وعدة بنوك أخرى في ماليزيا وباكستان، وشارك الكثيرون في إنجاح هذه التجربة بداية من د. عيسى عبده - الأب الروحي - للفكرة تنظيراً وتطبيقاً، وعبدالرحمن العتيقي وزير المالية آنذاك، وكانت وزارة الأوقاف تحت قياده العم يوسف الحجي، الذي كان ركناً أساسياً في إنشاء بيتك والمساهمة في رأس ماله، ممثلاً عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت.
ويتحدث العم أبو مجبل (أحمد بزيع الياسين)، والسيد بدر المخيزيم عن دوره في تأسيس بيت التمويل قائلين: «لما أردنا تأسيس بنك إسلامي، وعلمنا أن هذا من الأمور بعيدة المنال، فكرنا في إنشاء شركة الاستثمارات العامة، وذهبت أنا ويوسف الحجي إلى الوزير المعين، الذي كان يمانع، حتى استمرت المحاولات لعدة أشهر.
حتى وصلنا خبر أن عبدالرحمن العتيقي صار وزيراً للمالية، وأن الدولة ستقوم بإنشاء بنك إسلامي، فتوقفنا عن تقديم الطلب لإنشاء هذه الشركة.
وهيأ الله بعد ذلك أن يكون يوسف الحجي وزيراً للأوقاف، ويوافق على مساهمة الوزارة في تأسيس بيت التمويل الكويتي، بل وساهم في تذليل أي عقبة واجهت إنشاءه.
 
أهمية المصارف الإسلامية للشركات الصغيرة والكبيرة
يقول العم يوسف الحجي «نحمد الله على نجاح فكرة الاقتصاد الإسلامي، وإنشائها في عدة مناطق في العالم، خصوصاً في أوروبا، وهذا من توفيق الله سبحانه». ويشد العم يوسف الحجي على أيدي المسلمين أن يصححوا معاملاتهم بواسطة الاقتصاد الإسلامي، وأن يساهموا في تحويل كل المصارف إلى إسلامية بصورة كاملة شاملة. ويوضح حفظه الله أن «بيتك» قد قطع شوطاً كبيراً على المستوى المحلي، سواء في ذاته أو بواسطة أولئك الذين تخرجوا في مدرسته، وأسسوا شركات مساهمة لا تتعامل بالربا، وهذا مكسب عظيم لفكرة العمل الاقتصادي الإسلامي، والأمل قائم في أن تتعامل المؤسسات المالية الصناعية والتجارية كلها في بلدنا الحبيب مع البنوك الإسلامية.
يؤكد العم يوسف الحجي أن المصارف الإسلامية تحقق للشركات والمؤسسات الصغيرة والكبيرة على حد سواء أمرين في غاية الأهمية: الأول اطمئنان نفوسهم، وارتياح قلوبهم بأن أموالهم وأرباحهم من الحلال الطيب، والأمر الثاني نمو أموالهم وزيادتها، مع البعد عن الربا ومشاكله الكثيرة ومهالكه.