الأبحاث والتقارير التي تناولت الأضرار الجانبية وخطورة التطوير على الذكاء الاصطناعي، تناولت الأمر من جوانب متعددة، عدا جانب واحد لم يتم تداوله أو الحديث فيه، وهو الاستهلاك المفرط للمياه!
قد يتعجب البعض من ربط استهلاك المياه بالذكاء الاصطناعي، كونها آلات لا تشرب مثل الإنسان، ولكن حقيقة الأمر فتطوير الذكاء الاصطناعي في أمريكا يتطلب استهلاك دول من المياه، ويصل لما يزيد على ثلث معدل استهلاك المياه في دولة مثل الإمارات، والذي يقدر بنحو 4,2 مليارات متر مكعب سنوياً، في حين يستهلك تطوير الذكاء الاصطناعي 1.7 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وفق آخر تقدير في 2022، وقد يزيد مع استمرار التطوير في «شات جي بي تي»، وذلك لتبريد الشرائح الإلكترونية والمعالجات في الأجهزة العملاقة القائمة على توليد وتطوير الذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من صعوبة تقدير التكلفة الكاملة لعمليات تطوير «شات جي بي تي»، المتطلبة لرقائق غالية الثمن، ومعالجات عالية التكنولوجيا لكمبيوترات عملاقة، ولكن كل هذه التكنولوجيات والقائمة بعمليات فائقة السرعة والتعقيد تحتاج إلى تبريد مستمر، نظراً لكميات الحرارة العالية المتولدة من تلك العمليات، والمياه هي العنصر الأهم في عمليات التبريد المستمر.
ولإدراك مايكروسوفت وجوجل وغيرهما من الشركات القائمة على تطوير تقنيات «أوبن إيه آي» لعمليات الذكاء الاصطناعي، بني مقر سيرفرات مايكروسوفت الرئيسية الداعمة لتلك التكنولوجيات في ولاية أيوا الأمريكية، وهو بناء لم يكن اعتباطاً أو ليد الصدفة، وإنما للاستفادة من المورد المائي في المدينة بوقوعها على نهر أيوا الضخم أحد فروع نهر المسيسيبي، ليكون النهر مصدراً لضخ المياه باستمرارية لتبريد الأجهزة العملاقة والـ«سوبر كمبيوتر».
ووفقاً لبحث قدمه فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا عن التأثير البيئي للذكاء الاصطناعي، فكل 5 أسئلة يقوم بها فرد باستخدام الذكاء الاصطناعي، تستهلك نصف لتر من المياه لتبريد الأجهزة المسؤولة عن توليد الرد بالذكاء الاصطناعي.
ويقول شاولي رين أحد الباحثين في الفريق: «لا عجب في زيادة معدل استهلاك المياه في الفترة الأخيرة بشكل كبير، والأمر كله عائد لسباق تطوير الذكاء الاصطناعي».
تبريد
وفي قياس البحث فاستهلاك المياه مقسم بين تبريد الأجهزة المولدة للكهرباء، وتبريد أجهزة الكمبيوتر العملاقة نفسها، وكلها يتم تبريدها بالمياه، ويقول رين: «معظم الناس غير مدركة لمصادر تبريد شات جي بي تي، حقيقة إذا لم تكن تدرك المصادر وتأثيرها على البيئة في ظل شح المياه العالمي، فلن تستطيع المساعدة لتقليل المخاطر.. يجب أن ندرك جميعاً لنتكاتف».
ورغم عدم قياس الشركات لكم الاستهلاك من المياه فعلياً في عمليات التبريد لأجهزة الذكاء الاصطناعي لاحظت جوجل زيادة في معدل استهلاكها للمياه بنسبة 20 %، إلا أن شركة التكنولوجيا العملاقة لم تربط بين زيادة معدل استهلاك المياه، وبين الذكاء الاصطناعي ومساعي التطوير فيه، وهو الأمر الذي قال عنه الباحث الأمريكي شاولي رين: «هذه هي المشكلة، الأمر واضح وجلي، هم فقط لا يريدون لفت أنظار العامة للموضوع، وعليهم فقط تقدير حجم استهلاك المياه في مناطق توليد المعلومات المركزية «داتا سنترز»، وسيدركون الأمر بوضوح».
وفي رد سريع حول بحث جامعة كاليفورنيا عن استهلاك مفرط للمياه في الذكاء الاصطناعي، قالت مايكروسوفت: «نبحث الأمر بشكل موسع، نحقق في طاقة الذكاء الاصطناعي وسنقيس بدقة البصمة الكربونية، وسنسعى للتطوير من أجل أنظمة أقل استهلاكية للطاقة.. نحاول بناء منظومة أكثر توفيراً وفاعلية في الوقت نفسه».
وأضافت مايكروسوفت: «سنواصل مراقبة أنظمتنا ونزيد من عملياتنا لزيادة اعتماديتنا على الطاقة النظيفة والمتجددة، هدفنا دائماً أن يكون اتجاه مساعينا نحو الاستدامة والحفاظ على البيئة».
وأخذت شركة «openai» تصريح مايكروسوفت نصاً، وعلقت عليه «أمر نعمل عليه، ندرك أن تطوير الحاسبات العملاقة مستهلك للطاقة والمياه، نعمل على التطوير لزيادة الفعالية وتقليل الاستهلاك».
استجابة
ورغم الاستجابة السريعة لشركات تطوير الذكاء الاصطناعي، ووعودها المبنية على ادعاء عدم المعرفة، إلا أن استثمار  مايكروسوفت في «أوبن إيه آي» في 2019، وذلك قبل عامين من انطلاق «شات جي بي تي»، واختيار أماكن إنشاء ما يمكن تسميته بمصانع توليد الذكاء الاصطناعي، وهي التي تحمل الأجهزة العملاقة، فتلك الأماكن كانت بجوار الأنهار وبالتالي كان معلوماً ما تستهلكه تلك المصانع من مياه للتبريد.
ويقول ستيف غير، والذي كان عمدة مدينة ويست دي مواينز في ولاية أيوا الأمريكية، إن اختيار المدينة ذات التعداد السكاني البسيط 68 ألف نسمة، لإنشاء مراكز المعلومات لم يكن اعتباطاً، مضيفاً: «كانوا متعجلين، جاءوا للمدينة وطوروا البنية التحتية لها بسرعة، وضخوا الأموال في المدينة، ولم يكن أحد يعلم ماذا يحدث أو إلى ماذا يخططون.. فرضوا سرية كبيرة على المشروع، وقاأيوا إنهم يبنون فقط سيرفرات لمعلومات المستخدمين».
وكشفت وكالة الأنباء الأمريكية «أسوشيتيد برس»، عن أن مايكروسوفت وضعت 285 ألف شريحة معالج، و10 آلاف معالج رسوميات، وهي المعالجات المسؤولة عن توليد عمليات الذكاء الاصطناعي.
ولم يتم الكشف عن ما يمكن تسميته بمصنع توليد الذكاء الاصطناعي بأيوا سوى في مايو الماضي، عندما تحدث براد سميث عن بناء مايكروسوفت لصرح حوسبي عملاق في أيوا، خصيصاً لمساعدة «أوبن إيه آي» على تطوير شات جي بي تي في جيله الرابع، قائلاً: «بنينا مصنعنا للذكاء الاصطناعي بأيادي مهندسينا البارعين في كاليفورنيا، ووضعناه في أيوا».
يذكر أن اختيار أيوا أيضاً على حساب أريزونا، التي اعتادت شركات التكنولوجيا على بناء مصانعها فيها، هو انخفاض درجات الحرارة في ولاية أيوا، عكس أريزونا المعروفة بدرجات الحرارة العالية فيها، وهو الأمر الذي يساعد على تبريد أفضل لأجهزة الكمبيوتر العملاقة، وهو ما اعتبرته الشركة إحدى وسائل تقليل استهلاك المياه، نظراً لانخفاض درجات الحرارة.
وذكر تقرير في يوليو من العام الماضي أن مايكروسوفت استهلكت 11.5 غالوناً من المياه في منشآتها في أيوا، وهو الرقم الذي تستهلك الولاية بأكملها 6 % فقط منه.
حكومة مدينة ويست دي مواينز قالت في تصريح سابق: «يجب على مايكروسوفت تقليل استهلاك المياه بشكل كبير، حتى يتبقى للناس ولباقي المصانع والشركات مياه لاستهلاكها».