شهد فندق الريجنسي صباح اليوم الاثنين انطلاق ورشة العمل الوطنية بعنوان "الرعاية الاجتماعية في الكويت: التحديات الحالية والرؤية المستقبلية"، بمشاركة ممثلين عن القطاع الحكومي والقطاع الخيري والقطاع الخاص، وبحضور مختصين في السياسات الاجتماعية والفئات الهشة، وذلك لمناقشة واقع الحماية الاجتماعية في الكويت، واستشراف مستقبل أكثر شمولًا وعدالة واستدامة.
وخلال الفعالية، قال وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية د. خالد عامر العجمي : منذ أن خطّت الكويت خطواتها الأولى في بناء دولتها الحديثة، اختارت أن تجعل الإنسان محور اهتمامها، وجعلت من رعايته عنوانا لهوية وطنية لا تتبدل، وتابع العجمي:  لم تُعرف الكويت بقوتها الاقتصادية أو نهضتها العمرانية فحسب، بل عُرفت قبل ذلك وبعده بإنسانيتها وقلبها الكبير… قلب قدّم للإنسان قيمة تعلو فوق كل اعتبار، ورأى في احتضان جميع فئات المجتمع واجباً يتجاوز حدود النصوص إلى جوهر الأخلاق والمبادئ.
وأضاف العجمي: لقد أرست الكويت عبر تاريخها نموذجاً رائداً في العناية بفئات المجتمع، نموذجاً جمع بين الحكمة السياسية، والرؤية الإنسانية، والالتزام الأخلاقي الذي تمليه الشريعة الإسلامية، وبفضل هذه القيم، لم يكن العمل الاجتماعي يوماً عملاً إدارياً، بل كان رسالة انسانية ممتدة تحملها الدولة بكل مؤسساتها، وفي مقدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية وانطلاقاً من هذا الإرث، حملت وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في قطاع الرعاية والتنمية الاجتماعية مسؤولية العناية بفئات متعددة، لكل فئة منها طبيعتها الخاصة واحتياجاتها وتحدياتها ، وفي مقدمتها المستفيدون من المساعدات الاجتماعية للرعاية الأسرية، الذين يبلغ عددهم  قرابة الـ 40 ألف حالة شهريا، بقيمة إجمالية سنوية تجاوزت 220 مليون ديناراً، وهذه الأرقام ليست بيانات مالية فحسب، بل هي التزام مباشر من الدولة بحماية الأسر، وضمان الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي لمستحقيه.
وأضاف العجمي: يمتد نطاق الرعاية ليشمل كبار السن الذين يضع المجتمع على رؤوسهم تاجاً من التقدير والاحترام، ونعمل على خدمتهم ضمن منظومة متكاملة تسخر كافة امكاناتها لخدمتهم، حيث يصل عدد المستفيدين من خدمات الوزارة من هذه الفئة الغالية  إلى أكثر من 4 الاف حالة شهرياً، فضلاً عن اهتمام الوزارة بفئة الأحداث الجانحين ، وذلك عبر برامج متخصصة تهدف إلى إعادة دمجهم في المجتمع وتمكينهم من بناء حياة مستقرة، وتتواصل الرعاية كذلك مع أبناء الحضانة العائلية من مجهولي الأبوين ومن في حكمهم، ويصل عددهم الى أكثر من 817 ابن وابنه من فئتي  المحتضين والمودعين بالدور الايوائية، الذين نعتبر رعايتهم مسؤولية شرعية وإنسانية ووطنية لا تقبل التأجيل أو التهاون.
وأكد العجمي في إطار تطوير أساليب الدعم، أنشأت الوزارة نظام المساعدات المركزية بوصفه آلية حديثة لتوسيع نطاق الخدمة، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بكفاءة أكبر، وقد استقبل هذا النظام منذ تأسيسه  70,950 طلباً خضعت جميعها للدراسة وفق الضوابط والشروط المعمول بها، وتمت الموافقة على 16,375 طلباً استوفت معايير الاستحقاق، و بلغت قيمة المبالغ المصروفة للفئات المستحقة عبر هذا النظام قرابة الـ 30 مليون ديناراً، مما يعكس قدرة النظام على توجيه الموارد بدقة، ومعالجة أوضاع اجتماعية مُلحّة ونؤكد أن نجاح النظام المركزي للمساعدات لا يتحقق بجهد الوزارة وحدها، بل بتكامل الجهود الرسمية والمجتمعية معاً.
ودعا العجمي جميع الجمعيات الخيرية والمبرّات إلى دعم هذا النظام، وتعزيز موارده، وتوسيع رقعة مشاركتها فيه ليصل إلى أكبر قدر ممكن من فئات  المجتمع المستحقة، فدعمكم لهذا النظام ليس مجرد مساهمة، بل هو استثمار في استقرار الأسر، وحماية للنسيج الاجتماعي، وتعزيز لقيم التكافل التي قامت عليها الكويت منذ نشأتها.
واختتم العجمي قائلا: لا بد من الإشادة بالدور البناء والعميق الذي يقوم به اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية، الذي يعكس روح الشراكة المجتمعية، ويعزز البناء الوطني، ويضيف إلى منظومة الرعاية قوة تنبع من العمل التطوعي والخيري الذي لطالما ميّز الكويت وأهلها.
ألقى الدكتور سعد العتيبي، رئيس اتحاد الجمعيات والمبرّات الخيرية الكويتية، تصريحًا موسّعًا أكد فيه أهمية الانتقال من منظور الرعاية التقليدية إلى مفهوم الحماية الاجتماعية بمضامينه الحديثة، القائمة على الحقوق والتمكين والالتزام المجتمعي الشامل.
قال د. سعد العتيبي – رئيس اتحاد الجمعيات والمبرّات الخيرية الكويتية "إن الحديث عن الرعاية الاجتماعية اليوم لم يعد مجرد تحليل لبرامج قائمة أو مراجعة لمساعدات تُقدّم، بل أصبح نقاشًا ضروريًا حول مستقبل الإنسان في الكويت، وحول دور الدولة والمجتمع المدني والمبادرات الأهلية في بناء منظومة حماية اجتماعية متكاملة، قائمة على رؤية شاملة ووعي استراتيجي يتجاوز حدود الدعم المباشر إلى صناعة تمكين حقيقي يرفع جودة الحياة ويحفظ الكرامة الإنسانية للجميع."
وأضاف: "إن الفعالية التي نشهدها اليوم في فندق الريجنسي تمثل محطة وطنية مهمة، لأنها تجمع الخبراء والجهات الفاعلة لمناقشة التحديات الراهنة، ورسم ملامح مستقبل يتسق مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العالم، ومع الحاجات الفعلية للفئات المستحقة للرعاية في الكويت. فالتحديات لم تعد محصورة في ضعف الدخل أو العجز عن العمل فحسب؛ بل أصبحت مرتبطة أيضًا بالتحولات الديموغرافية، وتنامي الفئات الهشة، وتزايد الضغط على برامج الرعاية، وتغير توقعات الناس حول جودة الخدمات الاجتماعية."
وتابع العتيبي: "إننا في اتحاد الجمعيات والمبرّات الخيرية حرصنا، عبر السنوات الماضية، على أداء دورنا في رعاية الفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأرامل، والأيتام، والمطلقات، والأسر الفقيرة، وأسر المسجونين، والعاجزين صحيًا، وكبار السن، والطالب المتفرغ دراسيًا. وهذه الفئات تُعد الشريحة الأبرز في المنظومة الاجتماعية الكويتية، وهي فئات تستحق الرعاية والاحتواء والدعم المستمر، ليس فقط كالتزام إنساني، بل كجزء من واجب وطني وأخلاقي يمليه علينا ديننا وثقافتنا وقيم المجتمع الكويتي."
وأشار العتيبي إلى أن الرعاية الاجتماعية ليست مجرد مساعدة مادية، بل هي منظومة مترابطة تُعنى بالأمن الاجتماعي، والكرامة الإنسانية، والاستقرار الأسري، وتعزيز الاستقلالية. وقال: "لقد آن الأوان لنؤسس لمرحلة جديدة في العمل الاجتماعي، مرحلة انتقالية من (منطق الرعاية) إلى (منطق الحماية الاجتماعية)، لأن الحماية أوسع مفهومًا وأعمق أثرًا، فهي تقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية هي: الرعاية والحقوق والتمكين. وهذه الأعمدة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إطار وطني متكامل تشارك فيه الدولة والقطاع الخاص والقطاع الخيري والمجتمع المحلي."
وأوضح العتيبي أن بناء منظومة حماية اجتماعية فعّالة لا يعني فقط تحسين برامج الرعاية القائمة، بل يشمل أيضًا النظر في الفئات غير المشمولة بالمساعدات العامة، رغم وضوح حاجتها للدعم، مثل: المرأة المتزوجة من غير كويتي في حالات محددة، الفتاة غير العاملة غير المتزوجة التي لا تملك مصدر دخل، الأسر التي تعاني ظرفًا قهريًا مفاجئًا، الموظف المنقطع عن العمل دون أجر لأسباب خارجة عن إرادته، المجهول الوالدين، أسر المفقودين، الأسر التي تملك أسباب العوز لكنها لا تملك الوسيلة لطلب الدعم، إضافة إلى الفئات الشرعية التي يشملها حكم الزكاة مثل الغارمين، والعاجزين عن التكسب، وطالب العلم الذي لا يستطيع الجمع بين الدراسة والعمل.
وقال: "إن البيت الكويتي اليوم أصبح أكثر تنوعًا من أي وقت مضى، وأكثر تعرضًا للهشاشة الاجتماعية، والأرقام الرسمية الصادرة عن الجهات الحكومية – ومنها الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة الشؤون وبيت الزكاة – توضح حجم الفئات المستحقة وكثافة الطلب على الخدمات الاجتماعية، وهذا ليس مؤشر ضعف، بل مؤشر أهمية وضرورة أن يكون لدينا إطار وطني موحّد للحماية الاجتماعية، يُعيد تنظيم الأدوار، ويُحدد الأولويات، ويسد الفجوات، ويضمن عدم إهمال أحد، وفق مبدأ العدالة والشمول والاستدامة."
وأضاف العتيبي: "إن القطاع الخيري في الكويت كان ولا يزال شريكًا أساسيًا في حماية الإنسان؛ لكنه ليس بديلاً عن الدولة. بل يعمل معها جنبًا إلى جنب في تعزيز منظومة الحقوق، وفي تقديم خدمات تكاملية في مجالات التعليم والصحة والإيواء والتأهيل والتمكين الاقتصادي. وقد أثبتت التجربة أن العمل التشاركي بين القطاعين الحكومي والخيري هو الأساس في بناء مجتمع  مرن قادر على مواجهة المتغيرات."
وأشار إلى أن القطاع الخاص له أيضًا دور محوري، عبر المسؤولية المجتمعية، وعبر الاستثمار في البرامج الاجتماعية، ودعم المشروعات ذات الأثر المستدام، معتبرًا أن التكامل بين الجهات الثلاث هو الركيزة الكبرى لأي إطار حماية اجتماعية فعال.
وأكد العتيبي أن الهدف من هذا الملتقى ليس فقط تبادل الأفكار، بل الخروج بإطار عمل تشاركي حكومي–مجتمعي يحدد: أولويات التدخل، الفجوات الحالية، الفئات الأكثر احتياجًا، مسارات التمكين الاقتصادي، وقواعد الاستحقاق العادلة، ومؤشرات الأداء لقياس الأثر وجودة الخدمات الاجتماعية.
وختم العتيبي تصريحه قائلاً: "إن رؤيتنا المستقبلية للحماية الاجتماعية في الكويت تتطلب شجاعة في التغيير، وتطويرًا للسياسات، وتكاملًا في الجهود، وتحديثًا للأدوات. نحن لا نبحث عن حلول مؤقتة، بل عن منظومة قادرة على حماية كل إنسان في هذا الوطن، في ضعفه وقوته، في صموده واستقراره، وفي مراحل حياته كافة. لقد أعطت الكويت مثالًا عالميًا في العمل الخيري، واليوم نؤمن أنها قادرة على تقديم نموذج متقدم ورائد للحماية الاجتماعية الشاملة."
وأضاف: "نسأل الله أن يجعل هذا اللقاء خطوة أولى نحو منظومة حماية متينة تسند الإنسان وتفتح أمامه أبواب التمكين، وأن يكتب لنا جميعًا الأجر فيما نقدمه من خدمة لمجتمعنا ووطننا."
قال عبدالعزيز الكندري، نائب الرئيس التنفيذي في نماء الخيرية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي: "إن مشاركتنا اليوم في هذه الورشة الوطنية تأتي امتدادًا لدور نماء الخيرية كشريك أساسي في تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية في الكويت. فنحن نؤمن بأن العمل الخيري لم يعد يقتصر على تقديم المساعدات المباشرة، بل يتطلب تبني رؤية تنموية شاملة تركز على التمكين، والاستدامة، ورفع جودة حياة الفئات الأكثر احتياجًا."
وأضاف الكندري: "نماء الخيرية تعمل منذ سنوات على بناء برامج متكاملة تغطي مجالات الإيواء، والتعليم، والصحة، والتمكين الاقتصادي، إلى جانب حالات الرعاية الاجتماعية، وذلك من خلال شراكات استراتيجية مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص. وقد أثبتت التجربة أن التكامل بين القطاعات هو الطريق الأمثل لسد الفجوات وتوجيه الدعم إلى مستحقيه بكفاءة وشفافية."
وأشار إلى أن الورشة تمثل منصة مهمة لتوحيد الرؤى، وتبادل الخبرات، وتطوير سياسات أكثر عدالة وشمولًا، مؤكداً أن نماء الخيرية ملتزمة بدورها الوطني والإنساني في الوصول إلى الفئات الهشة، والتصدي لأسباب العوز، وابتكار حلول اجتماعية مستدامة تتوافق مع مستهدفات التنمية في الكويت.
وختم الكندري قائلاً: "نسعى في نماء إلى أن نكون جزءًا فاعلًا من منظومة الحماية الاجتماعية الجديدة، وأن نواصل العمل مع جميع الشركاء لبناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات، قائم على العدالة والتمكين والكرامة الإنسانية."