يشهد الفضاء الثقافي العربي انبثاق واحدة من أرفع المبادرات المعرفية وأعمقها أثراً، وهي جائزة الكتاب العربي التي جاءت بوصفها مكرمة سامية من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حفظه الله؛ ذلك القائد الذي عرفته الأمة نصيراً للعلم، وراعياً لمسيرة الثقافة، ومؤمناً بأن نهضة الأمم تبدأ من صفحات كتاب، ومن كلمة تُكتب بصدق ورؤية.

وتسعى الجائزة إلى ترسيخ حضور الكتاب في الوجدان العربي، وتقدير المؤلفين والباحثين الذين أغنوا المعرفة الإنسانية، ودعم دور النشر بما يعزز جودة المنتج الثقافي العربي، ليقف بثقة على منصات المنافسة العالمية. وهي مشروع ثقافي متكامل لا يكتفي بتكريم الفائزين، بل يعمل على الارتقاء بالفكر العربي، وتحفيز الإبداع، وردم الفجوة المعرفية بين العالم العربي والعالم.

وفي هذا السياق، بدأت اللجنة الإعلامية للجائزة، برئاسة المستشارة الدكتورة حنان الفياض، جولات عربية لتعميق التواصل مع المؤسسات الثقافية والأكاديمية. فكانت مصر أولى المحطات، حيث عقدت لقاءات رفيعة مع نخبة من المفكرين والباحثين في مكتبة الإسكندرية والجامعات ومجمع اللغة العربية. ثم تلتها السعودية التي تشهد نهضة ثقافية متسارعة، واحتضنت تداولات غنية مع مبدعيها ومؤسساتها العلمية.

واليوم تستعد اللجنة لرحلتها الثالثة التي تحمل قيمة خاصة إلى دولة الكويت الشقيقة؛ تلك الدولة التي حفرت اسمها في الذاكرة العربية باعتبارها منارةً للمعرفة، وموئلاً للكتاب، وبيتاً للتنوير منذ عقود. فقد أرست الكويت عبر مؤسساتها الثقافية العريقة – وفي مقدمتها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – نموذجاً عربياً متفرداً في صون التراث، وتطوير النشر، ورعاية المبدعين، حتى غدت مركزاً مضيئاً للمشهد الثقافي الخليجي والعربي.

وتأتي زيارة الكويت انطلاقاً من تقدير الجائزة لدورها الريادي في النهضة المعرفية، وإيماناً بأن الحراك الثقافي الكويتي يشكل ركناً أصيلاً في المشهد العربي، وأن كتّابها وباحثيها يقدمون إضافة نوعية تشرف المكتبة العربية.

وتبلغ قيمة الجائزة مليون دولار، وقد سجلت في نسختها الثانية عام 2024 مشاركة واسعة تجاوزت 1261 عملاً من 35 دولة. وتعد الجائزة عالمية الهوية عربية الروح، إذ تقبل الأعمال المكتوبة بالعربية من كل الجنسيات، وتخضع لعمليات تحكيم دقيقة وصولاً إلى إعلان الفائزين.

وبرغم حداثة عهدها، أحدثت الجائزة صدى واسعاً في الوطن العربي، وفتحت آفاقاً جديدة للمبدعين، وعكست رؤية الأمير الوالد في أن الثقافة ليست ترفاً، بل هي ركيزة أصيلة لبناء الإنسان، وتحقيق نهضة راسخة تستمد قوتها من المعرفة والهوية والوعي.