أصدرت الأمانة العامة للمنظمة العربية للطاقة (aeo) -أوابك سابقا- اليوم الثلاثاء دراسة جديدة بعنوان (الخيارات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في التوجه نحو الغاز الطبيعي المسال وانعكاساتها على الدول الأعضاء المصدرة للغاز).
وتسعى الدراسة إلى تزويد صانعي القرار في الدول الأعضاء بسياسات الطاقة المستقبلية للعمل وفق اتجاهات ورؤى بعيدة المدى بهدف المحافظة على مكانتها في أسواق الغاز الطبيعي المسال إقليميا وعالميا.
وبهذه المناسبة قال الأمين العام للمنظمة جمال اللوغاني لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الدراسة تناولت عرض وتحليل التحديات الراهنة التي تواجه أسواق الطاقة الأوروبية لاسيما أسواق الغاز الطبيعي المسال في دول الاتحاد الأوروبي في ضوء تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية الحالية والقرارات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي للتعامل مع هذه الأزمة.
وأضاف اللوغاني أن الدراسة ركزت خصوصا على خطة المفوضية الأوروبية (repowereu) التي تهدف إلى ضمان استقلالية الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة عن الوقود الأحفوري الروسي وتوفير الطاقة وتسريع عمليات تحولات الطاقة.
وأوضح أن الدراسة ناقشت انعكاسات أزمة الطاقة على الأسواق العالمية للغاز المسال كذلك على الدول الأعضاءالمصدرة للغاز الطبيعي المسال في المنظمة في ظل الخيارات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في التوجه نحو الغازالطبيعي المسال من خلال تحليل الصادرات إلى أوروبا على مدى العقد الماضي بما في ذلك التغيرات التي طرأت منذ بداية الأزمة وما ترتب عليها من تحديات بالنسبة للدول المصدرة للغاز المسال.
وأفاد بأن الأزمة الروسية - الأوكرانية جاءت وأوروبا في خضم عملية الانتقال السريع نحو الطاقات المتجددة وبسببها سرعان ما تحولت الأولويات ووجدت الدول الأوروبية نفسها بين خيارات أمن الطاقة (المدى القصير) وأهداف إزالة الكربون (المدى الطويل).
ولفت إلى أن خطة (repowereu) أحيت موضوع الاعتماد على الغاز الروسي وسبل تحقيق الاستقلال الطاقي في أوروبا مبينا أنه يمكن اعتبار خيار استراتيجية الغاز الطبيعي المسال التي وافق عليها الاتحاد الأوروبي من خلال خطة (repowereu) لا سيما الجانب المتعلق بالتخلص التدريجي من واردات الغاز الروسي مع نهاية عام 2027 أحرزت بعض الإنجازات بحيث عمل الغاز الطبيعي المسال طيلة الأزمة "كسترة نجاة" بالنسبة للاقتصاد الأوروبي.
وتابع اللوغاني أن أهمية الغاز الطبيعي المسال في أوروبا وخيارات تنويع طرق ومصادر الغاز الطبيعي المسال خلقت نوعا من المنافسة بين مصدري الغاز المسال.
وعن انعكاسات أزمة الطاقة على الأسواق الأوروبية والعالمية للغاز المسال أفاد بأن هذه الأزمة أحدثت "تغييرا جذريا" في الأولويات الاستراتيجية لسياسة الاتحاد الأوروبي إذ كانت لها انعكاسات عديدة تجاوزت تداعياتها الحدود الجغرافية للدول الأوروبية.
وأشار إلى أن تلك الانعكاسات تجلت في عدة جوانب أولها تحول أوروبا من "سوق متبقية" إلى "مركز طلب" للغازالمسال وثانيها تغيير في مسار تدفقات الغاز في القارة الأوروبية (من الغرب إلى الشرق بدلا من الاتجاه المعتاد) وثالثها تغييرات في الاستيراد العالمي للغاز الطبيعي المسال بين الحوضين (تفوق حوض الأطلسي على حوض المحيط الهادئ) ورابعها المصادقة على اللوائح والتوجيهات الأوروبية الجديدة خلال عام 2024 لاسيما اللائحة الجديدة للميثان.
وأكد أن ذلك سيشكل تحديا كبيرا للدول المصدرة علاوة على استحواذ ثلاث دول هي قطر والولايات المتحدة وأستراليا على حصة 60 بالمئة من صادرات الغاز المسال العالمية خلال الأزمة وبروز الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا في سوق الغاز المسال إذ تمكنت من تغيير أوضاع السوق بانفرادها بالسوق العالمية بل حتى السوق الأوروبية.
وفيما يخص انعكاسات أزمة الطاقة على الدول الأعضاء المصدرة للغاز المسال في (العربية للطاقة) أشار اللوغاني إلى أن هذه الأزمة دفعت بالغاز العربي إلى واجهة الأحداث لما تزخر به دول المنطقة العربية من احتياطات وإنتاج وإمكانيات تصدير هائلة.
وأضاف أن الدول المصدرة للغاز في المنظمة ساهمت في تلبية احتياجات أوروبا منه مما يجعلها شريكا استراتيجيا مهما بفضل ما تزخر به من إمكانيات مشددا على أهمية تزايد الدول الأعضاء في مزيج الطاقة الأوروبي كجزء من سعي الاتحاد الأوروبي إلى تقليل الاعتماد على روسيا وتنويع مصادر الإمدادات إذ أدت الدول الأعضاء وخصوصا الجزائر وقطر دورا أساسيا في أمن الطاقة الأوروبي حيث ساهمت بقرابة ربع احتياجات أوروبا من الغاز خلال الفترة 2022 - 2024.
وبين اللوغاني أن "المصدرين التقليديين" أي قطر والجزائر يواجهان منافسة شديدة من القادمين الجدد وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة منذ تصدير أول شحنة لها في عام 2016 إذ تقلصت الحصص السوقية لكل من قطر والجزائر من 36 في المئة قبل الأزمة إلى 22 بالمئة بعد اندلاع الأزمة.
وأوضح أن حصة الغاز الأمريكي في السوق الأوروبية شهدت ارتفاعا قياسيا من 28 في المئة قبل الأزمة إلى 46 بالمئة بعد اندلاعها لتظل الولايات المتحدة تمثل المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال لأوروبا.
وأكد أن الغاز المسال الروسي يبقى منافسا قويا للدول الأعضاء بحيث لا يزال اعتماد أوروبا على الغاز الروسي كبيرا على الرغم من جهودها لتقليص إمداداتها عبر خطوط الأنابيب الروسية إذ شكلت حصة الغاز الطبيعي المسال الروسي 17 في المئة من الواردات في عام 2024 مقارنة بـ12 بالمئة عام 2023.
وقال اللوغاني إن الدول الأعضاء المصدرة للغاز سواء عبر الأنابيب أو الغاز المسال عبر الناقلات تواجه تحديات تجارية وتنظيمية وتشريعية على المدى المتوسط والبعيد منها التحدي المتعلق بالانخفاض في الطلب على الغاز منذ بداية الأزمة الذي يمثل تحديا كبيرا قد ينعكس سلبا على صادراتها من الغاز المسال في حالة استمراره بحيث سيقلل بشكل كبير من حجم سوق الغاز الأوروبي على المدى الطويل.
وذكر أن التحدي الآخر هو التطورات المتعلقة بالتوجيهات واللوائح الأوروبية لاسيما توجيه العناية الواجبة بالاستدامة المؤسسية المعروف بـ(cs3d) واللائحة الجديدة المتعلقة بالميثان التي تمت المصادقة عليها عام 2024 وتثير المخاوف على اقتصادات الدول المصدرة التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الهيدروكربونات كمصدر رئيسي للدخل القومي.
ودعا إلى إجراء حوار بناء بين المنتجين والمستهلكين كأداة أساسية لتشجيع التعاون ولإيجاد الحلول المرضية من أجل ضمان استقرار إمدادات الغاز الطبيعي المسال على غرار ما تفعله الدول الآسيوية دوريا من خلال عقد مؤتمر سنوي.
كما دعا اللوغاني الدول المنتجة والمصدرة للغاز إلى ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق من خلال تبني الطرح المؤيد بأن الغاز الطبيعي ليس مجرد "طاقة جسر" يستخدم "كوقود انتقالي" ريثما تحل مصادر الطاقات المتجددة والجديدة ثم الاستغناء عنه باعتباره طاقة "أحفورية" بل يجب أن ينظر إليه على أنه "طاقة وجهة" مرافقة لتحولات الطاقة لعقود قادمة.
وأشار إلى أن الغاز سيكون جزءا من الحل نحو تلك التحولات لأن العالم مستقبلا بحاجة لجميع أنواع الطاقة بفضل الطلب المتزايد عليها مستقبلا نتيجة للنمو السكاني وارتفاع نسبة التحضر فضلا عن النمو الاقتصادي.