في لقاء وصف بالاستثنائي مع وفد إعلامي عربي في دمشق، وجّه الرئيس السوري أحمد الشرع حزمة من الرسائل المركّبة للداخل والخارج.

خطابه لم يقتصر على الطابع السياسي التقليدي، بل حمل إشارات استراتيجية عن مستقبل سوريا، ووحدة الدولة، والتحديات الأمنية، وصولاً إلى كشفه عن مفاوضات متقدمة مع إسرائيل قد تفضي إلى اتفاق أمني برعاية أميركية.

هذا المزيج من الطمأنة والتصعيد، ومن الانفتاح والانغلاق، يعكس توازنا دقيقا يحاول الشرع أن يرسخه: تقديم سوريا كدولة منفتحة على مرحلة جديدة، لكن من دون التنازل عن "الخطوط الحمراء"، وفي مقدمتها وحدة البلاد وسيادتها.

وحرص الرئيس السوري في حديثه، على القطيعة مع أيديولوجيات الماضي. فقال بوضوح إنه "ليس امتدادا للربيع العربي"، ولا للحركات الإسلامية، سواء الجهادية أو الإخوان المسلمين. هذا التأكيد يهدف إلى رسم صورة "سوريا الجديدة" بوصفها كيانا مستقلا، غير مرتهن لأجندات عابرة للحدود أو تجارب أيديولوجية أثارت الجدل في المنطقة.

كما شدد الشرع على أن وحدة سوريا "خط أحمر"، وأن أي حديث عن انفصال أو محاصصة "مرفوض تماما". هذه الرسالة المباشرة تستهدف الداخل السوري، وخصوصا المكونات التي لوحت بخيارات الانفصال، مثل بعض الأصوات في الجنوب السوري من الطائفة الدرزية.

النقطة الأبرز في تصريحات الشرع كانت كشفه عن مفاوضات متقدمة مع تل أبيب بشأن اتفاق أمني يقوم على خط الهدنة لعام 1974.

القناة الإسرائيلية 12 نقلت أن الاتفاق المرتقب يتم بوساطة أميركية ورعاية إقليمية، وأنه يشمل حظر نشر أسلحة استراتيجية في سوريا، بما في ذلك الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي.

كما نصّت التسريبات على أن دمشق ستحصل مقابل ذلك على مساعدات خارجية لإعادة الإعمار، إضافة إلى نزع السلاح في المنطقة الممتدة من دمشق إلى السويداء.

لكن الشرع أعلن رفض حكومته فكرة "الممر الإنساني" عبر إسرائيل نحو السويداء، مؤكداً أن أي مساعدات لن تدخل إلا عبر العاصمة دمشق، بما يعكس تمسكه بمرجعية الدولة المركزية.

ووسط الحديث عن إسرائيل والاتفاق الأمني، يطفو ملف الدروز جنوب سوريا كواحد من أعقد الملفات الداخلية. فقد دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، إلى إعلان إقليم منفصل في الجنوب، وهو ما وضع القيادة السورية في مواجهة مباشرة مع مطالب الانفصال.

بالنسبة للشرع، جاءت رسالته واضحة: لا انفصال ولا محاصصة. لكن الربط بين ملف الدروز والاتفاق الأمني مع إسرائيل يطرح أسئلة عن دور الخارج في تغذية النزعات الانفصالية. فتل أبيب، وفق تقارير إعلامية سورية، كثفت تدخلاتها العسكرية في ريف دمشق ومنطقة بيت جن، حيث توغلت قواتها وسيطرت على مواقع استراتيجية في سفح جبل الشيخ.

الرئاسة السورية أكدت أن المبعوث الأميركي الخاص، توماس باراك، زار دمشق وبحث مع القيادة السورية تفاصيل الاتفاق المرتقب. هذه الخطوة تفتح الباب أمام تنسيق سوري-أميركي مباشر، وهو تحول لافت في العلاقات بعد سنوات من القطيعة.

لكن هذا التنسيق يثير في الوقت نفسه مخاوف لدى بعض الأوساط السورية، التي ترى أن الوساطة الأميركية قد تفرض شروطا تُفرغ السيادة من مضمونها. إذ يشمل الاتفاق بحسب التسريبات التزام دمشق بعدم نشر أي دفاعات جوية باتجاه إسرائيل أو في العمق السوري، وهو ما اعتبرته مصادر سورية "شرطا مجحفا يهدد مستقبل البلاد الأمني".

مكاشفة واستراتيجية جديدة

الباحث عبدالله الحمد قدّم قراءة معمّقة لمقابلة الشرع، مشددًا على أنها لم تكن مجرد تصريحات بروتوكولية، بل "جلسة مكاشفة حقيقية".

وأوضح قائلاً: "الرئيس تحدث بشفافية، اعترف بالأخطاء السابقة، لكنه أكد أن سوريا لن تكون ساحة صراع، بل منفتحة على الجميع، وتسعى لبناء اقتصاد جديد. الرسالة كانت مزدوجة: طمأنة الداخل، وفتح قنوات مع الخارج".

كما لفت الحمد إلى أن الشرع طرح رؤية سياسية قائمة على رفض المحاصصة، وتبنّي حكومة تكنوقراط وطنية، إضافة إلى خطوات إصلاحية مثل الإعلان الدستوري، هيئة العدالة الانتقالية، والتحضير لانتخابات برلمانية.

يحاول الشرع تسويق نفسه كـ"نسخة جديدة" من القيادة السورية: منفتحة، شفافة، واقعية. فهو يعترف بأن "سوريا ارتكبت أخطاء"، لكنه يرفض أن تُختزل بلاده في أيديولوجيات الماضي.

خطابه جاء متقاطعًا مع مقالات سابقة للمستشار الإعلامي في الرئاسة، أحمد زيدان، الذي ألمح إلى إمكانية حل جماعة الإخوان. هذه الرسائل تحمل في طياتها توجها واضحا نحو إغلاق ملفات الإسلام السياسي، وفتح الباب أمام سياسة براغماتية تركز على "الروح الوطنية السورية".

ومنذ سقوط النظام السابق، تكثف الإعلام الإسرائيلي بث أخبار وتسريبات متضاربة عن المشهد السوري. لكن الشرع حاول الرد على هذه "البروباغندا" بتأكيد أن اتفاق 1974 هو خط أحمر، وأن أي تفاهمات مع إسرائيل ستدور في فلكه، ربما مع تحديثات، لكن "من دون تنازل".

وأشار إلى أن المجتمع الدولي جدّد مؤخرًا ولاية قوات "الأندوف" في منطقة الفصل بين سوريا وإسرائيل، وهو ما يراه مؤشرًا على وجود توافقات دولية للحفاظ على الوضع القائم.