مع اقتراب انتهاء ولاية لاجارد، ما زالت الدول الناشئة الكبرى مترددة في تشكيل جبهة موحدة للسعي إلى قيادة المؤسسة التي لطالما ترأسها أوروبي، ويبدو أن دول مجموعة «بريكس» البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا منقسمة فيما أعربت لاجارد أنها «منفتحة» على فكرة تجديد ولايتها.
 
وفيما ترفض موسكو وبرازيليا الإدلاء بأي تعليق تبدو بريتوريا مستعدة للطعن في القيادة الأوروبية لصندوق النقد الدولي الموروثة عن قاعدة ضمنية تخصص رئاسة البنك الدولي للأمريكيين.
 
وأكد متحدث باسم وزارة المالية الجنوب إفريقية أن الدول النامية أصرت على ضرورة إجراء عملية تستند إلى الأهلية وليس على التدابير السارية حاليا التي تقضي بأن يكون المدير العام لصندوق النقد أوروبيا.
ورغم أن هذا المطلب ليس جديدا، إلا أن ترجمته إلى عمل ملموس بدت صعبة في الماضي، ففيما أبدت دول «بريكس» اعتراضها الكبير منذ 2011، تعذر عليها الاتفاق فيما بينها على مرشح واحد يملك وزنا رمزيا طاغيا، ما أدى إلى بقاء المكسيكي أوجوستين كارستنس وحده وسط معركة خاسرة مسبقا ضد لاجارد.
 
لكن هل الوضع مختلف اليوم؟ رد مسؤول في وزارة المالية الهندية أنه ما زال من السابق لأوانه الجزم، حيث ينبغي أن يتضح الوضع العام وأن نرى أي من المرشحين مشارك، من دون إغلاق أي باب، مضيفا أن الهند قد تسعى إلى حوار مع دول أخرى كدول بريكس. من جهتها، اكتفت هوا شونيينج المتحدثة باسم الخارجية الصينية بالتأكيد على أن بكين لديها علاقة متينة وجيدة مع صندوق النقد، غير أن المعطيات تبدلت منذ 2011، فالدول الناشئة الخمس الأكبر عالميا عززت تعاونها للغرض الدائم نفسه وهو اعتراض السيطرة الغربية على مؤسسات بريتون وودز بإنشاء مصرف تنمية وصندوق مالي خاصين بها. وينبع احتجاجها المشترك من ضعف تمثيلها في صندوق النقد حيث تملك الصين مثلا، ثاني قوة اقتصادية عالمية، حقوق تصويت تقل بأربعة أضعاف عما يحق للولايات المتحدة، وما زال إصلاح جار منذ ثلاث سنوات لتصحيح نقاط انعدام التوازن المماثلة لهذه يشهد عقبات كبيرة. كما بدا شقاق بسيط يبرز في صفوف الصندوق، ففي (يوليو) أكد الرجل الثاني فيه ديفيد ليبتون أن سيناريو تولي شخصية غير أوروبية الإدارة العامة للصندوق لم يكن في أي وقت أكثر بروزا.
 
ووفقا لـ»الفرنسية»، فإن محللين يرون أن سيناريو اختيار دول بريكس مرشحا مشتركا ما زال يواجه صعوبات، وأولها العثور على مرشح يتمتع بالمصداقية، وفيما يبدو راجورام راجان كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي والحاكم الحالي للمصرف المركزي الهندي مرشحا مثاليا للمنصب، قطع الرجل بنفسه الطريق على التكهنات وكشف في مقابلة مع قناة «إن دي تي في» الهندية في (سبتمبر) أن هذه ليست وظيفة قدمت طلبا لنيلها، لا في السابق ولا حاليا.
 
وبغض النظر عن خيار الأشخاص، فمن الصعب تشكيل جبهة موحدة في مواجهة لاجارد التي تتمتع بدعم واسع من الدول الأعضاء ومنها الدول الناشئة. وأوضح أسوار براساد المسؤول السابق في الصندوق أن لاجارد اتخذت إجراءات لتعزيز توعية صندوق النقد إزاء مخاوف الدول الناشئة وسعت لزيادة تمثيلها في إطار الصندوق، لكن عنصرين قد يغيران المعطيات، الأول هو امتناع صندوق النقد الدولي عن إدراج اليوان في سلتها للعملات المرجعية، والثاني استمرار تعطيل إصلاح حاكمية الصندوق في الأشهر المقبلة، وهذا قد يؤول بدول بريكس إلى تحرك أكثر هجومية لتغيير بنية الصندوق.
 
فيما اعتبر شي يينهونج الأستاذ في جامعة رنمين الصينية أن المعركة تبدو محسومة النتيجة نظرا لتوازن القوى في مجلس إدارة الصندوق، وهي الهيئة التي تعين مديرا عاما ويهيمن عليها الأوروبيون والأمريكيون، نظرا لحقوق تصويت القوى الكبرى الغربية وقدرتها وتجربتها في إدارة منظمات دولية، متوقعا في الوقت ذاته أن يعين المدير العام من بلد متطور.
 
وعلى ما يبدو فإن صندوق النقد الدولي يكتفي بالإعراب عن رغبة وحيدة هي بقاء آليته «مفتوحة» كما كانت في أثناء تعيين المديرين العامين السابقين.
 
وشددت لاجارد على أنها مستعدة للبقاء في منصبها لولاية ثانية إذا كانت هذه هي رغبة الدول الأعضاء، وتنتهي فترة رئاستها لصندوق النقد في منتصف 2016. وقالت في وقت سابق إنها ستتخذ قرارا بشأن الترشح لفترة ثانية أواخر العام الحالي.
 
ولم يعلن أي منافس ترشحه حتى الآن ويتوقع أن تجد لاجارد، وهي وزيرة مال فرنسية سابقة تحظى بتقدير المجتمع الدولي، تأييدا واسعا إذا سعت إلى البقاء في منصبها لفترة ثانية.
 
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي قد أكدت أن الصندوق قد يمضي قدما في خطوات موقتة لإعطاء الأسواق الناشئة كلمة أكبر في قراراته، على الرغم من تلكؤ الكونجرس الأمريكي في اتخاذ قرار في شأن الموافقة على إصلاحات أوسع في مجال حوكمة الصندوق.
 
وستضع الإصلاحات التي اتُّفق عليها في 2010، البرازيل والصين والهند وروسيا ضمن أكبر 10 مساهمين في الصندوق، لكنها ما زالت في حاجة إلى موافقة الكونجرس، ما يحبط الأسواق الناشئة التي دفعت بقوة من أجل مزيد من حقوق التصويت، وتثير تحذيرات من أوروبا من الأخطار التي قد تترتب على عزل الولايات المتحدة عن قرارات الصندوق.
 
وقال صناع السياسات في صندوق النقد الدولي إنهم سيطرحون أفكارا بخصوص سبل المضي في الإصلاحات بحلول منتصف (ديسمبر)، وقالت لاجارد إن الوقت يضيع، مضيفة أنه إذا استمر الوضع لفترة أطول قليلا فسيتعين علينا البحث عن حل بديل.