نشر النص السري لاتفاق التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ المدعوم من الشركات، فيما تتوعد جماعات عمالية وبيئية وصحية في بلدان عدة بمنع المصادقة عليه.
وتقدم هذه الوثيقة الضخمة التي نشرتها حكومات عدة على الإنترنت، أول نظرة مفصلة على أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم تهدف إلى كسر الحواجز أمام التجارة والاستثمار بين 12 دولة تشكل نحو 40 بالمئة من الاقتصاد العالمي.
وإذا كانت أطراف الاتفاق قد هرعت إلى التأكيد على نجاح المفاوضات، إلا أن ردود الفعل المبكرة كانت منقسمة حول الاتفاق الذي يُعد أول صفقة تجارية ضخمة بين عدة مناطق إقليمية في العالم.
وإذا كانت منظمة التجارة العالمية قد حصلت، بحكم اختصاصها، على نسخة الاتفاق منذ اليوم الأول لتوقيعه، إلا أن الأوساط المالية والتجارية والرأي العام عموما بما فيهم الصحفيون لم يتمكنوا من الإطلاع على الاتفاق الا بعد نشره، بعد أن وزعت البعثة التجارية الأميركية في جنيف نسخة منه.
وتم التفاوض على الاتفاق في السر لمدة أكثر من نصف عقد من الزمان، وهو يجمع الولايات المتحدة، واليابان، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، والمكسيك، وشيلي، وبيرو، وسنغافورة، وفيتنام، وماليزيا، وبروني، وضم النص 30 فصلا إضافة إلى عدة ملاحق.
ووصف،، الممثل التجاري الأميركي مايكل فرومان، في بيان صحفي اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ بأنه ذو معايير تجارية عالية تدعم مزيدا من فرص العمل المجزية الدفع للمواطنين الأميركيين، ويعزز الطبقة الوسطى، ويخدم مصالحنا وقيمنا في الخارج، ويتعين على الممثل التجاري الأميركي الآن السعي إلى الحصول على موافقة الكونجرس على الاتفاق.
وقال فرومان في بيان، «إنه أول اتفاق تجاري يضع ضوابط على الشركات المملوكة للدولة بطريقة تضمن العدالة والتكافؤ في الفرص عندما تتنافس ضد الشركات الخاصة بنا»، وجاءت هذه الفقرة ردا على أقوى انتقاد كان يوجه إلى الاتفاق خلال مرحلة التفاوض بأنه كيف يمكن للشركات الخاصة الأميركية أن تقوى على منافسة الشركات الحكومية التي يملكها الشركاء الآخرون.
وقالت عضو المنظمة جوديت روس، «إن مؤسستها لا تزال تشعر بقلق إزاء الآثار التي يمكن أن تتركها الصفقة التجارية للشراكة عبر الهادئ على حصول ملايين الناس على الأدوية بأسعار معقولة».
وأضافت روس أن «نص الاتفاق يؤكد أن من شأنه أن يؤخر المنافسة في خفض أسعار الأدوية المستنسخة»، ويعني ذلك أن الاتفاق يقدم حماية بشكل واضح لإحتكار شركات الأدوية الكبرى السوق، مشيرة إلى أن النقاط التجارية في الاتفاق لن تسمح لسلطات الرقابة التنظيمية في الدول الأعضاء باستخدام البيانات الموجودة التي تثبت السلامة البيولوجية للمنتج، ولا تمنح الإذن ببيع منتجات الأدوية المنافسة حتى في حالة عدم وجود براءات الاختراع.
وبحسب روس فإن النقاط التجارية تجبر الحكومات أيضا على تمديد احتكارات البراءات القائمة إلى ما بعد الـ 20 سنة الممنوحة لها حاليا، وإعادة تعريف الأدوية التي تستحق براءة اختراع، والتفويض بمنح براءات اختراع جديدة على أدوية قائمة تشارف فترة براءاتها للاختراع على الانتهاء بعد إدخال تعديلات على مكوناتها من أجل أن يكسب الدواء المُعدَّل فترة 20 عاما أو أكثر من احتكار براءة الاختراع.
وأوضحت روس أن مثل هذه الفقرات جاءت بناء على طلب من شركات الأدوية الكبرى في الولايات المتحدة وكندا واليابان وحتى أستراليا، ومن شأن الأحكام الواردة في نص برنامج النقاط التجارية أن ترفع أسعار الأدوية وتسبب معاناة لا داعي لها، بل تمثل خروجا تاما عن الالتزامات السابقة للحكومات المعنية بحماية الصحة العالمية.
من جانبه، قال «، المحلل الاقتصادي ميشيل سانتيني، «إن فصل الاستثمارات في برنامج النقاط التجارية المتعلق بتسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة، يتضمن بعضا من المزايا الإجرائية غير العادلة لمصلحة الولايات المتحدة، ويمثل ثغرة في معاملة الدول الأكثر رعاية، وضمانات محدودة فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية».
وأضاف سانتيني، أن «البنود المتعلقة بتسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة، تضع محاكم الاستثمار، وأغلبها ليست رسمية ولا حكومية التي تُعرف بمسمى «المحاكم غير القضائية الخاصة» في مرتبة أعلى من الدول والحكومات، وتتيح فقرات الاتفاق لها تحدي الدولة والقوانين المحلية، كما يُلزم الاتفاق البرلمانات بتغيير القوانين التي لا تتلاءم بشكل جيد مع بنود اتفاق الشراكة». من جهته، اعتبر وزير التجارة والاستثمار الأسترالي آندرو روب أن الوثائق المنشورة تظهر الفوائد الكبيرة التي سيحملها اتفاق التجارة للشراكة عبر المحيط الهادئ لأعمالنا ومزارعينا ومصانعنا ومقدمي الخدمات ذات المستوى العالي. أما في تشيلي، فقد أشار آندريس ريبوليدو المسؤول التجاري الدولي، إلى أن النص من شأنه أن يظهر للتشيليين أن المفاوضات المطولة التي عقدت في أتلانتا في ولاية جورجيا الأميركية الشهر الماضي أنتجت اتفاقا مفيدا ومتوازنا لبلادهم.