يرى البعض أنها مبررة، أما البعض فيراها مؤامرة، إلا أن المؤكد هو أن الاحتجاجات في العراق خلال الفترة الماضية ستؤثر على المستقبل السياسي لرئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، وسيخرج منها إما زعيماً نجح في قيادة بلاده في الحرب والسلم، وإما سياسياً خسر بقرارات غير موفقة في التعامل مع احتجاجات محدودة، ما لم يخسره في ساحات المعارك العسكرية والانتخابية.
وفي تصريحات، رفض مسؤول المكتب السياسي لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ضياء الأسدي محاولات تصوير المظاهرات على أنها محض مؤامرة، وأقر بأنها استُغلت من داخل العراق وخارجه، لكنه أكد أنها انطلقت بالأساس بطريقة عفوية للتعبير عن مطالب شعبية وتزامنها مع مفاوضات تشكيل الحكومة هو الذي أعطاها صبغة سياسية وجعلها مادة لتبادل الاتهامات بين الجميع.
ولفت إلى أن هناك من يتناسى أن نسبة لا يستهان بها من الشعب العراقي قاطعت الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليس لرفضهم الحكومة الراهنة بل لرفضهم للنخبة السياسية برمتها.
وحول موقف التيار الصدري من العبادي خاصة بعد الانتقادات الحادة التي وُجهت لطريقة تعامله العنيفة مع الاحتجاجات، قال الأسدي: "بغض النظر عن الموقف من العبادي، فإن أي سلطة تستخدم العنف تسقط في أعين الجماهير، وطالبنا من البداية بضرورة الابتعاد عن العنف والقوة المفرطة للتعامل مع المتظاهرين والسعي في المقابل لتلبية مطالبهم، خاصة أن الجميع رصد أن حجم التخريب الذي رافق الاحتجاجات لا يدل على وجود مخربين محترفين ينفذون مخططات معدة مسبقاً كما تقول حكومة العبادي لتبرير استخدامها للقوة".
ووفقاً لمدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى السعدون،  قُتل 14 شخصاً، بينهم 9 على يد قوات الأمن، فضلاً عن إصابة نحو 600 آخرين، منذ بداية الاحتجاجات.
وأضاف الأسدي: "بشكل عام، إدارة العبادي للأزمات طيلة الفترة الماضية لم تكن موفقة، تأخر كثيراً في الاستجابة لمطالب الجماهير المتكررة بمحاسبة الفاسدين ولا صحة لما يتردد عن أن موقفنا أو تحالفنا مع العبادي تغير نتيجة لرفضه التخلي عن موقعه في حزب الدعوة، فرغم أننا نفضل أن يكون رئيس الوزراء مستقلاً عن حزبه، فإن هذا لم يكن شغلنا الشاغل".
وانتقد القيادي بالتيار الصدري صادق الحسناوي تبني حكومة العبادي الحلول الجزئية المهدئة لمعالجة الأزمة.
وقال: "ركزت الحكومة على التعهد بتوفير المزيد من الوظائف، بينما كان المطلب الأساسي للجماهير هو تحسين الخدمات"، محذراً من أن الحلول الوقتية والجزئية لن تكون إلا مفتاحاً للمزيد من الأزمات، ومن هنا تبرز أهمية دعوة السيد مقتدى الصدر للقوى السياسية بضرورة تأجيل المشاورات السياسية حتى تلبية مطالب المتظاهرين أولاً.
ومن جانبه، حمل المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون عباس الموسوي سياسات العبادي الاقتصادية المسؤولية عن إشعال المظاهرات.
وقال إن "التقيد بشروط صندوق النقد الدولي، وتحديداً رفض استحداث أي وظائف جديدة، وتخفيض الرواتب، انعكس على الواقع اليومي وتسبب في ارتفاع معدل البطالة، ووسع الشعور بالحاجة في بلد غني بثرواته ربما كان الوضع مبرراً في السنوات الأولى من ولاية العبادي بسبب الحرب على تنظيم داعش، أما الآن، ومع ارتفاع أسعار النفط، فالوضع لم يعد مقبولاً".
واستنكر اتهام ائتلافه، بزعامة رئيس الوزراء السابق نورى المالكي، وتحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، بالعمل على إذكاء المظاهرات لحرق شعبية العبادي، وأيضاً لإلهائه في محاولات احتوائها إلى أن يتمكنا من عقد تحالفات مع قوى كردية وسنية تمكنهما من تشكيل الكتلة الأكبر بالبرلمان، وبالتالي الفوز بحق اختيار رئيس الوزراء المقبل.
وتساءل: "كيف نحرك مظاهرات أُحرقت فيها مقار لأحزابنا؟"، مشيراً إلى أن دولة القانون والفتح يشكلان سوياً الثقل الأساسي في أي كتلة تهدف لتشكيل الحكومة، ومفاوضاتنا مع الإخوة الأكراد والسنة سابقة على اندلاع المظاهرات.
وأضاف: "إذا تمكنّا من تشكيل الكتلة، فربما يكون العبادي واحداً من بين 5 أو 6 مرشحين ستدفع بهم القوى المشكِّلة للكتلة، وسيأخذ فرصته مثله مثل الجميع، وإن كانت المظاهرات، ومن قبلها سياساته الاقتصادية قد قللت حظوظه بدرجة ما"، ولفت إلى أن الجميع يدرك أن المظاهرات لن تنتهي باختيار بديل للعبادي وإنما بتنفيذ مخططات اقتصادية سليمة تتضمن مشاريع تنموية بمختلف المحافظات.
ومن جانبه، اتهم القيادي بائتلاف النصر بزعامة العبادي، علي العلاق، كتلاً وكيانات سياسية، لم يسمها، باستغلال المظاهرات والعمل على إطالة أمدها سعياً لتقليل فرص العبادي في الولاية الثانية، أو الضغط عليه وإجباره، في حال الفوز، على تقديم تنازلات.
وقال: "هناك من يتعمد الترويج لضعف شعبيته والحديث عن التعامل بالقوة مع المتظاهرين والتشكيك في قدرته على الوفاء بعهوده للمتظاهرين، وهؤلاء يتناسون التعليمات التي وجهها العبادي منذ البداية للقوات الأمنية بضرورة الحفاظ على سلامة المتظاهرين، فضلاً عن لقاءاته مع النخب السياسية، وممثلي المتظاهرين بالمحافظات التي خرجت بها احتجاجات لإيجاد حلول موضوعية لمشاكلهم بما يتناسب مع قدرات الدولة".
وقلل من شأن ما يطرح عن فقدان العبادي لكثير من حظوظه داخل حزب الدعوة، واتجاه الحزب لترشيح القيادي البارز طارق نجم لشغل موقع رئيس الوزراء، وقال: "الحزب لم يرشح أحداً بشكل رسمي، ولكن العبادي لا يزال يحظى باحترام وعلاقات جيدة داخل الحزب، أما السيد نجم فلم يرشح نفسه ولم يرشحه أحد".
ومن جانبه، ألقى المحلل السياسي هيثم الهيتي الضوء على دور القوى الإقليمية في الأزمة العراقية، مؤكداً ضلوع إيران بقوة في المشهد من بدايته.
وقال: "إيران، في ظل ما تواجهه من تحديات داخلية، ونظراً لتعقد علاقاتها الإقليمية والدولية، لم تجد أمامها سوى الورقة العراقية لتُفاوض بها، هي تريد امتلاك نفوذ كامل على الحكومة المقبلة، وهذا لن يتحقق إلا عبر حكومة يقودها طرف أكثر موالاة لها من العبادي الذي قرر في وقت ما الانفتاح في علاقته مع دول الخليج، أو من خلال حكومة هشة تخضع لإملاءاتها سواءً سيقودها العبادي أو غيره".
وأكد: "ربما يصعب على البعض فهم العقلية الإيرانية شديدة البراغماتية التي لا تأبه لتضحية بأي حليف، المهم هو تحقيق مصالحها العليا، فمثلاً كان هدفها الأساسي من قطع الكهرباء، الضغط على شركات النفط العالمية العاملة في جنوب العراق، لتضغط بدورها على الولايات المتحدة".
ولم يستبعد الهيتي أن ينقلب السحر على الساحر، فتفقد إيران جزءاً كبيراً من نفوذها بالعراق بعد هذه المجازفات، وقال: "فرص إيران في استبدال حلفائها التقليدين بالعراق محدودة للغاية، خاصةً مع رفض العراقيين لأغلب النخب السياسية على الساحة، بمن فيهم العامري والمالكي أقرب حلفائها حالياً".
ورأى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن العبادي سيمضي على نهجه في التعامل مع مطالب المحتجين بعيداً عن الصراع السياسي والقوى المتحفزة للوثب على السلطة، ليعزز حضوره الشعبي قبل السياسي".
وأضاف المحلل السياسي المقرب من العبادي: "الرجل يتمتع بخبرة مكنته من تجاوز الاختلافات بين القوى السياسية خلال الحرب على داعش، حتى نجح في تحرير العراق، وأرى أنه سينجح مجدداً في التعامل مع هذه القوى السياسية التي لا تهتم كثيراً بالمواطن العراقي".