لفرعون في كتاب الله تعالى شأن عظيم، وقد ذكر في كثير من السور، سواء المكية منها أو المدنية، حتى أصبح هو رأس ظاهرة تسمى باسمه، فما هي هذه الظاهرة الفرعونية؟ وهل هي ثابتة عند قرنه وزمانه، أم هي متجددة بتجدد خطاب الإسلام والشرع؟ وما هي الأدوات التي استغلها فرعون ووظفها في خطاباته، وحركته، ليسحب البساط من خطاب العقل ويتمكن من تغييب عقول السامعين؟
هذه وغيرها أسئلة مهمة تطرأ على كل من يتأمل القرآن، وبخاصة قضية القصص، ويسقطها على الواقع التاريخي عبر القرون والأزمان.
فرعون، رجل طاغية عات، وهو رجل حكم مصر سنوات لا نعرف عددها، وعند حكمه، كان هناك أهل مصر، وكان هناك بنو إسرائيل الطارئين والقادمين من بادية الشام في زمن نبي الله يعقوب وتولي ابنه يوسف حكم مصر عليهما الصلاة والسلام، فما كان من هذا الطاغية إلا أنه استغل مركزه كحاكم، وبدأ يفرق المجتمع شيعا وأحزابا، وكان بنو إسرائيل نصيبهم الدونية، والاحتقار وامتهانهم أقذر الأعمال وأحط المهن، وكانوا في خدمة ((القبط))، الذين كان منهم فرعون!
 والقرآن دون تفاصيل عميقة وخطيرة في هذه الظاهرة، استمرت سلطتها إلى واقعنا الحالي.
استعان فرعون بأربع أسس، لتثبيت سلطانه في المجتمع:
1-الحكومة ((هامان))
2-الاقتصاد والتجارة ((قارون))
3-الجند والعسكر (القوة)
4-الدعاية والإعلام ((السحرة))، الذين يقتاتون على خدمة الطاغية لتضليل العامة.
وقد قال تعالى في سورة غافر:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى&<648; بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23) إِلَى&<648; فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) )، فهذا كما قلنا، وفي سورة القصص قال تعالى:
(إن فرعون وهامان وجنودهما، كانوا خاطئين)...!
هذه هي الأدوات التي استخدمها الطاغية في صرف الجماهير عن المطالبة بحقهم، والهائهم بقضايا سخيفة، وسجن وقتل المصلحين، وهذا ما سنراه في التالي.
الأولى: التهديد والوعيد والتخويف:
(فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ &<754; وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)، سلاح فتاك من أسلحة الفراعنة في كل زمان ومكان.
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى، وليدع ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)، فرعون هنا يريد من العمل العنيف ضد المصلحين، أن يشارك الشعب فيه، حتى كأنه يشركهم في صناعة القرار الخطير، وفوق هذا فهو يستعمل سلاح التضليل:
أ-تبديل الدين، ب-الفساد..... فرعون هنا المفسد والفاسد، والذي بدل دين الناس بقوله وادعائه أنا ربكم الأعلى يخاف من موسى النبي المصلح عليه السلام كل هذا!!!
إنه سلاح التضليل، وسلاح تمييع الحق وتضييع التعقل والقدرة على التفكير، وهذه هي النقطة الثانية ادعاء الطاغية الفساد والافساد وابدال ما عليه الناس من دين.
الثالثة: رؤية الطاغية، وفهمه للأمور هي التي نبغي أن يراها الجميع، ولا يجوز مدافعتها، أو حتى مناقشتها والتحاور حولها، فقد قال فرعون (ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)،ولنر مت قال فرعون هذه الكلمة، ومتى أصل لها؟
في غافر، ذكر الله تعالى مؤمن آل فرعون الذي قال ناصحا:
(وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ &<750; وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ &<750; وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ &<750; إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا &<754; قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى&<648; وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، إنه لا يريد أن يستمع الناس لهذا الناصح، حتى لا يتأثروا به، ولا من موسى عليه السلام ولا من غيره، لهذا أطلقها صيحة عالية أصبحت مثلا لكل حاكم يحتقر شعبه، ويعزلهم عن المشاركة عن أي قرار في الدولة!
أو ليست هذه الظاهرة الفرعونية تتكرر منذ فرعون وإلى يومنا الحالي؟ استعرض التاريخ وستجد الإجابة صارخة ومدهشة!
 
 

                                                                                                                       بقلم:
                                                                                                                عبدالرحمن الجميعان
                                                                                                      الامين العام لمنتدى المفكرين المسلمين