عاشت الكويت لحظات أليمة وقاسية اثر سماع أهلها نبأ ترجَّل فارسين من فرسان العطاء والدعوة، هما إمام وخطيب المسجد الكبير الدكتور وليد العلي، والداعية الإسلامي الشيخ فهد الحسيني رحمهما الله، حيث استهدفتهما رصاصات الغدر والخسة في بوركينا فاسو بينما كانا في مهمة دعوية وإنسانية نبيلة، وما هي لحظات إلا وتحرك المسؤولون على أعلى مستوى لمتابعة الحدث، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي ومنابر التعبير مستمطرة الرحمات ومستذكرة المناقب والمآثر للداعيين الراحلين، تغمدهما الله بواسع رحمته ورضوانه، وأسكنهما فسيح جنانه.  تلك الفجيعة المؤلمة كانت أشد وقعا وتأثيرا على العاملين بالحقل الخيري والإنساني، فالشيخان الجليلان من رموز هذا الميدان ورجالاته، وقد شهد لهما أهل الخير بالإخلاص والتفاني وتحدي الصعاب من أجل رسالة إنسانية سامية وعظيمة، آمنا بها وتفانيا من أجلها، وأمضيا عمريهما تجسيدا لها في أشرف ساحات الدعوة والبذل والعطاء.    
  لقد اجتمع الشيخان على الله جل وعلا، وسارا معا على درب البر والخير ، فكان أن قدَّر اللطيف الخبير لهما ألا يفترقا حتى في مشهد الموت الجليل، ليتصاحبا في موكب شهداء الخير وروَّاد العطاء، ذلك المجال المبارك الذي ما فتئ يخرج  لنا يومًا بعد آخر، مشاعل نور وسُرج هداية؛ أمثال: الدكتور عبد الرحمن السميط وعبد اللطيف الهاجري والمستشار سالم البهنساوي وجمال الحدًّاد.. وغيرهم من رجالات العمل الخيري من أهل الكويت ووافديها.
   نعم..هي لحظات مريرة وحزينة تلك التي فقدنا فيها قامتين خيريتين كبيرتين! لكنها - في الوقت نفسه- لحظات باعثة على التأمُّل والتدبُّر في أحوالنا نحن العاملين في المجال الخيري والإنساني! فليس كالموت داعية للتدبُّر والتفكُّر، وكفى بالموت واعظًا كما جاء في الحديث الشريف.
 إن تلك الحادثة الفاجعة استدعت إلى الأذهان شريط حياة الشيخين -رحمهما الله- في العمل الخيري والإنساني وسجلهما الحافل بالأعمال الجليلة، وعلى كثرة الدروس والعبر المستفادة من هذا المصاب الجلل والتي لا يتسع لها ضيق المقام هنا، فقد ارتأيت أن أحصرها في دروس أربعة، يجب ألا تغيب عن بال أحدنا في ذلك المسير إلى الله جل وعلا على ذلك الدرب المبارك.
الدرس الأول: أخلص نيتك.. وأصلح عملك: فالعمل الخيري ليس وظيفة، بل هو رسالة سامية، وغاية تعيش بها، وتحيا من أجلها، وإن دربًا مليئًا بالمصاعب لا يهوِّن من شأن مصاعبه كالإخلاص لله جل في علاه، وطلب وجهه دون طلب مجدٍ أو جاه، وإن الإخلاص لله عز وجل لا يليق به مع ذلك إلا أن يقترن بصلاح العمل، بحثًا عن كل نافع ومفيد لهذا المجال المبارك.
الدرس الثاني: سارع وبادر.. قبل أن تغادر: }إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا{ [الأنبياء: 90]، هذه هي حال المؤمنين أصحاب العقيدة والهم في كل طريق، إنهم يسابقون الزمن لتحقيق أهدافهم، مدركين أنه لا يحسن بإنسان لا يعلم متى يضع القدر نهاية لعمله وخاتمة لدوره؛ أن يركن إلى الدَّعة والراحة، أو أن يأمن للحياة فيُسرف في التلذُّذ بمتعها الفانية، فالمسارعة في عمل الخير والصبر عليه يومًا بعد يوم وساعة تلو أخرى؛ كفيل بأن يحقِّق شرط استعمال الله لك، فيوفقك لعمل خير يختم لك به حياتك ويقبضك عليه.
الدرس الثالث: اترك بصمتك.. وانْشُد الخلود:  في العمل الخيري احرص على ألا تكن نسخة من غيرك، أو أن تكون عالة فيه على أقرانك، فالميدان بحاجة للتجديد والعطاء، فاحرص على أن تكون لك بصمتك المميزة، واحرص على أن تمنح أعمالك البقاء والخلود حتى بعد موتك، فالصدقة الجارية لا تقتصر على صدقة المال فحسب، بل إن كل ما تتركه من علم أو عمل في هذا المجال يساعد على تطويره ويسهم في استدامته؛ هو في الحقيقة صدقة جارية لك بعد موتك.
الدرس الرابع:  تقدير قائد الإنسانية للعمل الخيري ورجالاته:  في بادرة من مبادراته الإنسانية القيمة ولفتاته السامية الكريمة وكما عهدناه في مثل هذه المواقف، أمر قائد العمل الإنساني ، سمو أمير البلاد - حفظه الله ورعاه-  بإعادة جثماني الشيخين - رحمهما الله - إلى أرض الوطن عبر طائرة أميرية خاصَّة؛ معبرا بذلك عن تقدير سموه للعمل الخيري والشيخين الكريمين، وبدورهم تلقى القائمون على العمل الخيري هذا التوجيه السامي الأبوي بكل عرفان وامتنان.
 والحال إذا كان أهل الغدر أرادوا توجيه أسلحة النذالة والإرهاب إلى العمل الخيري، فقد جاءت الرسالة قوية من أهل الكويت رفضا وتنديدا بهذا العمل الإجرامي، وتأكيدا على أن الكويت ماضية في نشر ثقافة الخير والسلام والأفكار الوسطية بإذن الله، وليخسأ القتلة والمجرمون. 
وختاما: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراق الشيخين الجليلين - العلي والحسيني- لمحزونون، نسأل الله تعالى أن يتغمَّدهما برحمته الواسعة، وأن يُلهم أهليهما ومحبيهما وجميع العاملين بالعمل الخيري الصبر والاحتساب، وأن يكتب لهما الأجر والثواب لقاء ما قدما من أعمال خيرية ودعوية عظيمة.
 كما نسأله جلا وعلا أن يستعملنا ولا يستبدلنا، وأن يحسن خاتمتنا على ذلك الدرب المبارك، وأن يحفظ الكويت وأهلها وسائر بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء. 
 
عبدالرحمن عبدالعزيز المطوع
نائب المدير العام للإعلام وتنمية الموارد
بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية