كان عمار الخولي يحلم في سورية بامتلاك سيارة بورش، والآن بات بوسعه الصعود في إحدى هذه السيارات بفضل برنامج تدريب وضعته الشركة الألمانية لدمج اللاجئين.
وينهمك الشاب البالغ من العمر 19 عاما والمنحدر من دمشق في مشغل الميكانيك في مركز شركة بورش للتدريب في شتوتجارت في جنوب البلاد، في انتظار أن يبدأ في (سبتمبر) دورة تدريب لثلاث سنوات لدى الشركة التي تنتج سيارات السبور الشهيرة، بهدف أن يصبح مهندسا ميكاترونيكيا.
فمن بين جميع الاختصاصات التي اكتشفها في برنامج دمج اللاجئين خلال الأشهر الأخيرة، لم يتردد الشاب المولع بالتقنيات في اختيار هندسة الميكاترونيات، وهو يؤكد بحماسة «يمكننا تفكيك المحرك وإعادة تركيبه».
وبحسب «الفرنسية»، فقد عمدت شركة بورش بعد موجة المهاجرين التي تدفقت إلى ألمانيا عام 2015، إلى بدء هذا البرنامج في آذار (مارس) بهدف إظهار ثقافة الاستقبال الألمانية والسماح للناس بالاستقرار بأسرع وقت وبأفضل طريقة ممكنة.
ويشمل البرنامج 13 مشاركا تراوح أعمارهم بين 16 و38 عاما وينحدرون من العراق وسورية وإيران وأفغانستان وباكستان، وقد تم اختيار المشاركين من بين 100 مرشح، وتلقوا على مدى خمسة أشهر دروسا في اللغة الألمانية وتم تعريفهم على ثقافة البلاد من تاريخ ومعاملات إدارية وطريقة عمل الشركات، وتعاليم فنية متنوعة، ويتقاضى كل منهم مبلغا زهيدا قدره 250 يورو في الشهر.
وبما أن معرفتهم باللغة الألمانية كانت تقتصر على الأساسيات، فقد تركزت الدروس خلال هذه الأشهر الخمسة على اللغة الألمانية، ولم يكن عمار يعرف الألمانية إطلاقا عندما وصل إلى هذا البلد قبل عامين، لكنه يتكلم هذه اللغة الآن بطلاقة وثقة، ولو بلكنة طفيفة.
ويروي عمار أنه هرب إلى المانيا لأن الوضع في سورية كان سيئا جدا، ولم يكن بوسعنا العيش بشكل جيد هناك، مضيفا أن «أحد أصدقائه الألمان قال له إن من حسن حظي أنني عند «بورش»، وعلي اغتنام الفرصة»، وهو يأمل في أن يعمل لاحقا في الشركة.
وخلافا لعمار، لم تكن زرياب عمران (18 عاما) سمعت بسيارات بورش قبل دخولها إلى الشركة، فقد وصلت إلى ألمانيا مع عائلتها في (أبريل) 2015، وتروي بلغة ألمانية مترددة أنها لم تكن بأمان في باكستان، وهي مهتمة بالتخصص في كساء الجلد الداخلي للسيارات، وستتبع تدريبا إضافيا لمدة سنة لدى الشركة قبل أن تصبح عاملة متدربة فيها.
وتعد «بورش» فرعا من شركة «فولكسفاجن» العملاقة ومن أهم شركات السيارات الألمانية، ويطمح معظم العاملين في هذا المجال للعمل في هذه الشركة التي تقدم علاوات سخية لموظفيها وقد فاقت هذه السنة ثمانية آلاف يورو لكل موظف.
وأوضح نوربرت جوجيرلي مدير التدريب الفني في الشركة مبديا دهشته أن دوافع اللاجئين كانت قوية جدا، فقد شرحنا لهم أن الفكرة ليست أن نقدم لهم وظيفة في شركة بورش، بل أن نساعدهم على الانطلاق في ألمانيا، لكنهم قالوا لأنفسهم «إن بذلت كل ما بوسعي، فقد يتحقق ذلك»، ونحن لاحظنا الأمر، فقد كانوا يحضرون في الوقت المحدد دائما، وكان يمكن الاعتماد عليهم.
والنتيجة أن الغالبية الكبرى للمشاركين الـ13 ستبقى عند بورش لتدريب متعدد التخصصات أو حتى مباشرة في وظيفة بعقد محدد المدة في سلسلة إنتاج السيارات، وفضلا عن السعي إلى دمج المهاجرين، يأتي برنامج «بورش» أيضا لتلبية الحاجة المتزايدة إلى يد عاملة مؤهلة في بعض القطاعات في ألمانيا، مثل صناعة السيارات، في ظل شيخوخة السكان في أكبر اقتصاد أوروبي.
وتعلق الأوساط الاقتصادية آمالا كبرى على اللاجئين للحد مستقبلا من النقص في اليد العاملة، لكن هذا يتطلب مجهودا هائلا على مستوى التدريب، وقام عديد من الشركات المتوسطة والكبرى بوضع مبادرات لتسهيل وصول اللاجئين الى سوق العمل، غير أن عديدا منها يصطدم بتعقيدات الآليات الإدارية وحاجز اللغة وعدم كفاية مواصفات طالبي العمل.
وكان 3 في المائة فقط من الشركات التي تقوم بتدريب عمال تعد بين متدربيها لاجئين خلال السنة الدراسية 2014-2015، وقال جوجيرلي «إن عديدا من الشركات الصغرى لا يملك الوسائل لتدريب لاجئين»، وتعتزم «بورش» التي لم تكشف تكلفة برنامج دمج اللاجئين، تطبيق برنامج مماثل هذه السنة أيضا لمدة عشرة أشهر بمشاركة 15 لاجئا.
وكانت صحيفة بيلد الألمانية قد ذكرت أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت الرؤساء التنفيذيين إلى بعض كبرى الشركات الألمانية لحضور قمة الشهر المقبل، وأنها ستحثهم خلالها على توظيف مزيد من اللاجئين.