عقب تحقيق استغرق عامين، وجهت ذراع المفوضية الأوروبية للمنافسة ومحاربة الاحتكار اتهامات ضد شركة جازبروم، أكبر شركة روسية للطاقة، باتباعها «ممارسات غير نزيهة»، في أوروبا الوسطى والشرقية.
وكانت هذه الشركة العملاقة قيد التحقيق من الجانب الأوروبي لشكوك تتعلق بممارسات غير عادلة ولا نزيهة مستغلة هيمنتها على أسواق الطاقة في دول مختلفة في الاتحاد الأوروبي، هي بلغاريا، إستونيا، الجيك، ليتوانيا، لاتفيا، بولندا، سلوفاكيا وهنجاريا.
وبعض هذه الدول كانت جزء من الاتحاد السوفياتي السابق والأخرى في كتلة المنظومة الاشتراكية المتعاونة مع الاتحاد.
و»جازبروم» مورد الغاز الرئيس لدول وسط وشرق الاتحاد الأوروبي كافة، إذ تستحوذ على نسبة 50 بالمئة من حصة السوق في معظمها، وتصل النسبة إلى 100 بالمئة في بعض الدول.
وفي المعدل العام، فإن نحو 30 بالمئة من الغاز الذي تستهلكه دول الاتحاد الأوروبي يأتي من روسيا، وما يقرب من نصفه يمر عبر أوكرانيا.
وتم توجيه الاتهام لشركة غازبروم بكسر قواعد مكافحة الاحتكار واتباع استراتيجية لتقسيم أسواق الغاز في أوروبا الوسطى والشرقية وذلك بمنع العملاء من إعادة بيع الغاز الروسي عبر الحدود بهدف حرمان أوكرانيا منه، مثلما أشارت المذكرة.
وتتهم الهيئة الأوروبية روسيا بوضع سلسلة من القيود الإقليمية عند إبرام صفقات مع تجار الجملة؛ واعتماد سياسة تسعير غير عادلة في بعض البلدان دون غيرها؛ وجعل إمدادات الغاز إلى بلغاريا وبولندا مشروطة بتقديم التزامات لتشييد خطوط أنابيب إضافية إلى أوروبا.
وعن سياسة التسعير غير العادلة، قالت المذكرة أنه في خمس من الدول الأعضاء (بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا وبولندا)، تم تحديد الأسعار لتجار الجملة أعلى بكثير من الأسعار المبيعة للدول الأخرى.
واتهمت مذكرة رفعتها المفوضية الأوروبية لمنظمة التجارة العالمية في جنيف بتاريخ 22 (أبريل) الجاري، شركة جازبروم باستخدامها سياسات تؤدي إلى تقسيم أسواق الغاز في أوروبا الوسطى والشرقية، بهدف الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية.
وتهدف هذه السياسات إلى زيادة الحواجز المصطنعة أمام التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ودفع أسعار السوق نحو الأعلى؛ كما تقول المفوضية.
وقالت المذكرة التي اطلعت عليها إن محاولة «جازبروم» إبقاء الأسواق الوطنية في هذه البلدان منفصلة عن بعضها البعض تدفع نحو إيجاد فوضى في أسعار الوقود داخل الاتحاد، وتسمح للشركة بتحميل أسعار الغاز لبعض البلدان أعباء إضافية.
واعتبرت هذا السلوك «غير نزيه وغير عادل». وأشارت إلى أن أي شركة تنتمي إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي المكون من 28 دولة يجب أن تمتثل لقواعد التكتل الاقتصادي الأوروبي، وألا تبرم صفقات تجارية مع دول أخرى تنتهك قواعد الاتحاد.وعن مغزى المذكرة والنتائج التي ستترتب عنها، قالت لـ»الاقتصادية»كريستينا كوكيناكيس، عضو البعثة التجارية الأوروبية إن الاتحاد يضم سوقا تجارية واحدة تجري البضائع فيه بموجب نظام واحد مثلما تجري في الدولة الواحدة.واعتبرت منع «جازبروم» بيع غازها داخل الاتحاد الأوروبي مخالفة للمادة 102 من معاهدة سير الأعمال التجارية داخل الاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أن شرط الشركة الروسية بمنع بيع الغاز داخل «السوق الموحدة» يؤدي إلى خفض سيولة وكفاءة أسواق الغاز عبر الحدود، ويقيم حواجز مصطنعة أمام التجارة بين الدول الأعضاء ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وقالت كوكيناكيس «الغاز سلعة أساسية في حياتنا اليومية: إنه يسخن بيوتنا، ويمكننا استخدامه للطهي، وإنتاج الكهرباء».وأضافت «الحفاظ على منافسة عادلة في الأسواق الأوروبية للغاز ذو أهمية قصوى، وجميع الشركات التي تعمل في السوق الأوروبية، بغض النظر إذا كانت أوروبية أم لا، يجب أن تعمل طبقا لقوانين الاتحاد». وأشارت إلى أنه أمام الشركة الروسية الآن 12 أسبوعا للرد على التهم، ويمكنها أيضا طلب عقد جلسة استماع شفهية لتقديم حججها.وقالت إن الهيئة الأوروبية للمنافسة ومحاربة الاحتكار ستحترم حقوق «جازبروم» في الدفاع عن نفسها والنظر بعناية في تعليقاتها قبل اتخاذ أي قرار.
وقالت إن إرسال «بيان الاعتراضات» لا يستبق النتائج النهائية للتحقيق. واستبعدت إمكانية اللجوء للجهاز القضائي لمنظمة التجارة في الوقت الحاضر، قائلة إنه أمر غير مطروح الآن، ونحن ننتظر رد الشركة.
وإذا تأكدت الاتهامات ضد «جازبروم»، فمن المحتمل أن تواجه غرامات شديدة يمكن أن تصل إلى عدة مليارات من اليورو، وقد تضطر إلى فتح أسواقها أمام مزيد من المنافسة.ولا توجد مهلة قانونية للانتهاء من القضية التي تقول كوكيناكيس إنه لن تكون هناك قرارات نهائية قبل أن تكون الأطراف المعنية قد انتهت من استخدام حقوقها كاملة في الدفاع عن نفسها.
وقالت، إن الاتحاد الأوروبي تفاوض مع روسيا لضمان تدفق الغاز إلى أوكرانيا على الرغم من الصراعات الجيوسياسية الحالية، لكن سياسات «جازبروم» ضد إعادة تصدير الغاز الروسي جعل من المستحيل على الدول الشرقية في الاتحاد الأوروبي توفير الغاز كمعونة لجارتها أوكرانيا. وأضافت أنه نتيجة لذلك دعا الاتحاد إلى تنويع مصادر الغاز واستكشاف مناطق إمدادات جديدة للوقود.
وأعلنت بروكسل الشهر الماضي خططا لإنشاء سوق موحدة في إمدادات الطاقة، والمشتريات، والاستهلاك داخل كتلة الاتحاد الأوروبي.
ومن بين أهداف الخطة، تقليص الاعتماد على الدول الأخرى في استهلاك الطاقة، خاصة مع استمرار المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي نتيجة لتدهور العلاقة مع روسيا.ومن الواضح أن تؤدي الخطوة الجديدة هذه إلى تفاقم التوترات التجارية بين بروكسل وموسكو، التي أخذت في التصاعد بعد عدة أشهر من بداية الأزمة الأوكرانية.وعدد الشكاوى التي رفعها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا أمام منظمة التجارة اثنتان وعدد التحقيقات السابقة لرفع الشكوى ثلاثة.