تقوم التنمية في المجتمعات والبيئات على ركيزتين أساسيتين هما: التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، وهاتان الركيزتان تقومان على التوازي، وتربطهما علاقة وثيقة، وهما عنصران متلازمان في تحقيق التنمية الشاملة للدول والمجتمعات، كما يتعذر الاعتماد على إحداهما دون شقيقتها، فبقدر يكون البناء متوازيًا بقدر  تحقيق المستهدف بنجاح وتميز،  وهنا نؤكد أن المنظمات الإنسانية حال قيامها واستثمار دورها بفاعلية تعطي إنتاجية وكفاءة ربما تفوق  القطاعين الآخرين في مسيرة التنمية، وذلك لأن مشروعاتها وأنشطتها بطبيعة الحال ذات البعدين الاقتصادي و الاجتماعي، وقلما نجد مؤسسة إنسانية تخلو من وسائل وأنشطة  تدعم هذين الجانبين من قريب أو بعيد.
وقد يتساءل البعض عن دور المنظمات الإنسانية في اتباع منهجية التنمية، وهل هي قادرة على القيام بهذا الدور؟ لذا لابد أن نعرف أن دور المؤسسات والمنظمات غير الربحية يكون من خلال حسن التوجه نحو التصميم والإعداد والتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم والتطوير، وبالتالي يكون دورها محوريًا كونها تعمل في بيئات ومجتمعات فقيرة معدمة اقتصاديًا سعيًا منها في النهوض بها والارتقاء بمستواها لمرحلة يمكنها تجاوز الاكتفاء إلى الإنماء والاعتماد على الذات نحو مستهدف الإنتاج لصناعة مجتمعات بمقومات فاعلة تعود بالنفع على نفسها وداعمة لغيرها من المجتمعات.
 
وهناك العديد من الوسائل التي تستخدمها المنظمات غير الربحية للسعي نحو التنمية في المجتمعات، فليست الإغاثات أو التبرعات النقدية – مع أهميتها  - هي التي تحقق التنمية في تلك المجتمعات، فهي تمثل إطفاء حرائق كمساعدات آنية  يستفيد منها المنكوب والفقير  وصاحب العوز لحاجة عاجلة، أما المنظومة التنموية فهي متكاملة الأركان تقوم على بناء ثقافة مؤسسية بإدارة واعية وفكر ناضج وأهداف واستراتيجيات ورؤى وخطط بعيدة ومتوسطة وقصيرة وتوجهات وسياسات بتعزيز منتج إنساني تنموي رائد، ومدارسة التحديات والمشكلات المجتمعية بوعي تام ومهنية بحثية مستفيضة لتلمس وسائل العلاج والبدائل المستقبلية في مجالات ومحاور المؤسسة الداخلية والخارجية،،  وعلى سبيل المثال الفقر فهو ظاهرة ناجمة عن عدم وجود عدالة حقيقية في توزيع الموارد في المجتمع، وبالتالي يتمثل دور المنظمات الإنسانية في تقديم دراسات بحثية ومشروعات تنموية للتخفيف من آثار هذه الظاهرة بالمشاركة مع الجهات الرسمية و الشعبية والمانحة  من خلال تمويل تلك الفئات بأنشطة ووسائل متنوعة  تمكنهم من التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج. 
وتقوم المنظمات غير الربحية بتوجهات وتبني ثقافات ومشروعات تسهم في تنشيط وتفعيل مثل هذه المكونات سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع، على رأسها بناء الوعي بدايةً داخل أروقة المؤسسات الإنسانية وفي المجتمعات المانحة والداعمة -مؤسسات وشخصيات وجمهور- وكذلك الشرائح المستفيدة،  وتعزيز ثقافة "لا مجانية في تقديم الخدمات باستثناء الإغاثات" ويمثل ذلك العنصر الأول والرئيس  في التنمية، ويأتي العنصر الثاني أو المشروعات التي تساهم في التحول من الاحتياج إلى الإنتاج على رأسها المشروعات الصغيرة أو المتناهية الصغر، والتي يطلق عليها مشروعات "الكسب الحلال" والتي تختلف من دولة إلى أخرى حسب طبيعة الشعوب، وهذه الأنشطة المتنوعة تمثل بداية التحول من الصفر إلى الواحد، وباكورة التحول من الثقافة الاستهلاكية إلى العطاء الإنمائي، كما أنها تشكل توجهًا نحو رافعة حقيقة للتنمية لعدة أسباب، أهمها: أن هذه المشروعات مناسبة لكثير من المنظمات الإنسانية في حملاتها الإعلامية ومواردها المالية، والتي أثبتت نجاحًا في العديد من المجتمعات حيث تمثل أكثر من 90% من النشاط الاقتصادي لبعض الدول، كما أنها تلقى دعمًا من الحكومات كونها تخفف من الأعباء الحكومية للنهوض بالبيئات الفقيرة، وكذلك مشروع "القرض الحسن" والذي تقام فكرته على  إقراض الفقراء وذوي الحاجة في تمويل إقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر  حققت نجاحًا كبيرًا بل إن نسبة سداد القروض وصل إلى 95% في ظل منظومة مؤسسية وشراكة تكاملية مع مؤسسات تحكمها أٌطر والتزامات قانونية وقيمية ورقابية قبل كل ذلك دراسات علمية منهجية بيئية مجتمعية.
أما العنصر الثالث والذي يساهم في تحويل المجتمعات من الاحتياج الى الإنتاج يتمثل في التدريب والتأهيل وهذا المبدأ الذي يطبق حديث النبي صلى الله عليه وسلم "حينما جاءه رجل منَ الأنصارِ يسألُهُ فقال: أما في بيتِكَ شيءٌ. قال: بلى حِلسٌ نلبسُ بعضَهُ ونبسُطُ بعضَهُ وقَعبٌ نشربُ فيهِ منَ الماءِ. قال: ائتني بِهِما. قال: فأتاهُ بِهِما فأخذَهُما رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بيدِهِ وقال: من يشتري هذَين؟ قالَ رجلٌ: أَنا آخذُهُما بدِرهمٍ. قال: من يزيدُ على درهمٍ؟ مرَّتينِ أو ثلاثًا قالَ رجلٌ: أَنا آخذُهُما بدِرهَمين. فأعطاهما إيَّاهُ وأخذَ الدِّرهمينِ وأعطاهما الأنصاريَّ وقال: اشترِ بأحدِهِما طعامًا فانبذهُ إلى أَهْلِكَ واشترِ بالآخرِ قدومًا فأتني بِهِ. فأتاهُ بِهِ فشدَّ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عودًا بيدِهِ ثمَّ قالَ لَهُ: اذهب فاحتطِب وبع ولَا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا. فذَهَبَ الرَّجلُ يحتطِبُ ويبيعُ فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمَ فاشترى ببعضِها ثوبًا وببعضِها طعامًا. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: هذا خيرٌ لَكَ من أن تجيءَ المسألةُ نُكْتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ إنَّ المسألةَ لَا تصلحُ إلَّا لثلاثةٍ لذي فَقرٍ مدقعٍ أو لذي غُرمٍ مُفظعٍ أو لذي دمٍ موجعٍ" فدله صلى الله عليه وسلم على حرفة، فتأهيل الناس فنيًا ومهنيًا يمكّنهم من التحول من الاحتياج الى الإنتاج، ولكي تحقق هذه البرامج التدريبية هدفها لابد أن تكون وفق دراسات للشرائح المجتمعية المستهدفة، فعلى سبيل المثال في البيئات الزراعية تكون على الميكنة الزراعية الحديثة، وأيضا في البيئات البحرية يمكن أن يكون التدريب على الصيد، وهناك العديد من المشروعات التي أقيمت في هذا الجانب وحققت نجاحات كبيرة مثل توزيع قوارب الصيد ومكائن الخياطة والبقرة الحلوب وغيرها من مشروعات  الكسب الحلال أو المشروعات التنموية الصغيرة، ومما تجدر الإشارة إليه بأنه يمكن إقامة مشروعات نوعية جديدة على المجتمع ويقوم بتبنيها ونجاحها يمكن أن نفرد لها مقالًا آخر.
أما العنصر الرابع فيتمثل في إقامة وإدارة المشروعات التنموية بالمنظمات غير الربحية والتي تساهم في تأمين واستقرار واستمرار تقديم الخدمات بالاكتفاء الذاتي بل وتعظيم العوائد كمشروعات استراتيجية في مجالات متنوعة كتنمية المورد البشري والطبية والتعليمية والاجتماعية والحرفية والصناعية والزراعية والإنتاجية تميزت بها منظمات غير ربحية مؤخرًا.
ومما سبق يتضح وجود علاقات رئيسة بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية تتمثل في تعزيز مستوى المعيشة، حيث تسهم التنمية الاقتصادية في زيادة الدخل وتحسن المستوى المعيشي، مما يمكن توفير وتقديم خدمات أفضل مثل التعليم والرعاية الصحية، وكذلك توفير فرص عمل بنمو القطاع الاقتصادي وتغطية احتياجات السوق مما يساهم في تحسين واستقرار اجتماعي، كما أن التنمية الاقتصادية تسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي بعيدا عن الامراض المجتمعية من الفروقات بين الطبقات والمستويات، هذا بالإضافة إلى تحسن البنية التحتية لوجود تداخلات بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعزز من الارتقاء بالمستوى الخدمي وفرص النمو الاقتصادي.
وفي الختام تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية على بعضهما البعض لتحقيق التقدم والتنمية الشاملة، حيث يمكن تعزيز النمو الاقتصادي من فرص اجتماعية والعكس كذلك، حيث يمكن أن تساهم التنمية الاجتماعية في دفع عمليات التنمية الاقتصادية، كما أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يمثل تحديًا يتطلب جهودًا مستمرة وتعاونًا شاملًا من قبل الجهات الرسمية والمجتمعات المحلية والمؤسسات الدولية.