لن تفوتنا قراءة ما حدث فى اليمن فى 7 رمضان- 7 إبريل 2022، من اتفاق "الطيف" اليمنى المتعارك، والمتحارب على نظام جديد للحكم هناك..
كنا دائما ننتظر أن تأتى "الحكمة" من اليمن، لكنها غابت طويلا حتى انهارت البلاد تحت وقعْ حروب لا تنتهى، عندما وقعت الواقعة فى اليمن، وكانت إحدى فرائس الاضطرابات التى حدثت فى المنطقة العربية ما بعد عام 2011،
وهى الأعوام التى أطلقوا عليها "الربيع العربى" الزائف، وكانت من نتيجتها أن نصف العرب انهارت دولهم، أو سقطت فريسة تحت أقدام ميليشيات ممولة من الخارج تفننت فى استغلال دولهم ككل، وتفككت الجيوش هناك، ودخلت فى معترك الحروب الأهلية "الفتاكة" بعد أن تفككت الدول، ومؤسسات الحكم فيها.
 طابور لا ينتهى من الدول فى المشرق والمغرب معا، فما حدث فى سوريا، حدث فى لبنان، والعراق، وليبيا، والسودان، وتونس، بل شمل فلسطين المحتلة..
لقد وجد العرب أنفسهم غير قادرين على أن يحزنوا على اللاجئين وضحايا الحرب الروسية- الأوكرانية ، لأن بلادهم تحت وطأة اضطرابات، وبؤس، وفوضى فى اليمن، وسوريا، وليبيا، ولاجئين من كل حدب وصوب، وضحايا، وموت كل يوم.. فهناك مدن كاملة، وأهاليها ضحايا للحروب المتتابعة فى كل مكان، وقد وجدنا أن البلد الذى يسقط، ويضيع لا يعود مرة أخرى، والعالم كله فى حالة من الفوضى، والصراعات، وأصبح لا يبحث عنا، ولا يعبأ بمصير المنهارين من أهالينا العرب، أو المتساقطين، ولا يبكى على اللاجئين، والضحايا الذين يسقطون منا، ولذلك كانت فرحتنا مُدوّية بالتغيير الإيجابى، والقوى، الذى حدث فى اليمن، لأنه تم بوساطة "عربية"، وأُنجز حول مائدة، أو طاولة، "الرياض" السعودية ، وحضرته السعودية، والإمارات، ودول مجلس التعاون الخليجى، واتفق اليمنيون، الذين ظننا، أو متصورين، أنهم صعبُ أن يتفقوا، وقرر الحكماء، و"الأخيار" من أهل اليمن تأليف "مجلس حكماء" جديد، وسلم الرئيس اليمنى الحالى عبدربه منصور هادى سلطاته لهذا المجلس الجديد (الرئاسى)، الذى يتألف من 4 قادة من الشمال، و4 من الجنوب، وكل القوى النافذة على الأرض فى اليمن أصبحت مُمثلَة فى هذا المجلس "التوافقى" الجديد.
نحن أمام ظاهرتين عربيتين جديدتين، ومميزتين: رئيس يترك مسئولياته بإرادته، ويسلم السلطة طواعية بنفسه، وهو ممثل "الشرعية" هناك، والظاهرة الثانية "الطيف" اليمنى المتعارك لسنوات طويلة، حيث يُسقطون الصراعات، بل يروضون الحروب، ويحصرون المسئولية فى الحل السياسى داخل الإطار الوطنى للقوى اليمنية المختلفة وحدها..
 إنه تطور عربى مثير،
وهو رؤية للحلول، والصراعات المزمنة، وجديد على الصراعات السياسية العربية، حيث تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية، ونبذ العنف، والاتجاه إلى العلاج السياسى للأزمة اليمنية، ورفض الحل "الميليشاوى"، وهو الحل الذى يحاول أن يفرضه الحوثيون على السلطة اليمنية، باحتلالهم صنعاء، ومدن اليمن الكبرى منذ 2015 حتى الآن، حيث تهدمت المدن اليمنية ذات التراث العريق، وتوقفت الحياة، بل إن الأطفال يحاربون فى اليمن!، وأُغلقت المدارس لما يربو على 8 سنوات حتى الآن.
عكست حالة اليمن يأسا عربيا شاملا، فقد أصبحت كارثة إنسانية مفزعة بلا حل، وبلا أمل فى المستقبل، وإذ فجأة يخرج من تحت الرماد "حل معقول" هذا (الاتفاق)، الذى شمل كل مناطق اليمن، بل إنه حاصر "المد" الحوثى، وحاصركذلك "التدخل" الإيرانى فى اليمن، وكان من نتيجة هذا الاتفاق أن وافق الجميع على الهدنة، والتوقف الجزئى للحرب هناك، واللذين نتطلع إلى استمرارهما حتى تتفق كل الأطراف اليمنية على "وسيلة" لحكم هذا البلد "الصعب"، و"العنيد" معا.
فرحة العرب بما يحدث فى اليمن لها أكثر من وجه، فهم الذين قدموا الحل، ووجدوا تجاوبا من "الطيف" اليمنى، الذى يبدو أن أطرافه جميعا استشعروا خطورة الصراعات، والحروب..
أعتقد أن هذا الاتفاق سوف يكشف القوى التى تتآمر على اليمن، واليمنيين، حيث لا يمكنهم الاستمرار فى ذلك، لأن هذا الحل، الذى ظهر من اليمنيين، قطعا سيضع الحوثيين فى مأزق تاريخى لا يستطيعون مقاومته، بل إنهم فى امتحان عريض، فهل ستكون إيران قادرة على تلجيم الصراعات التى فجرتها فى المنطقة العربية بالتزامن مع اتفاقها مع أمريكا حول السلاح النووى؟ّ!..
وهل ستتوقف الصواريخ الباليستية، وطائرات "الدرونز"، التى اُستخدمت لهدم اليمن، وفى الوقت نفسه تهديد السعودية، والإمارات، وكذلك الممرات البحرية فى (البحر الأحمر، والخليج العربى، وباب المندب)؟!..
لم يعد أمام إيران، والحوثيين، حفظا لماء الوجه، وللوجود على المسرح السياسى فى اليمن.. وغيرها من البلاد العربية، إلا التفاوض، والتفاوض الجاد، على وقف الميليشيات، والفوضى، التى أُبعثت فى أكثر من بلد عربى، بل هددت المنطقة ككل.. 
إن أكثر من عاصمة عربية تنتظر ما يحدث فى اليمن، فهل ينجح هذا "الائتلاف"، أو "الطيف" المجتمعى ويكون قادرا على وقف الحرب، أم تنهار الهدنة "الهشة"، و"الضعيفة" فى اليمن؟!.. أعتقد أنه إذا نجح التفاوض مع الحوثيين فى اليمن فمن الممكن أن ينجح، ويتكرر مع "حزب الله" فى لبنان، ويمكن إنقاذ هذا البلد الحبيب ليعود من جديد، ويتآلف، ويُنهى الصراعات المذهبية، والطائفية، التى فجرها هذا الحزب هناك، وإذا نجح فى اليمن ولبنان قطعا من الممكن أن يمتد، ويتوقف التدخل الخارجى فى الشأنين السورى، والعراقى، ويعود الاستقرار لهذين القطريين الغاليين علينا جميعا، بل قطعا من الممكن أن يتوقف التدخل فى الشأن الفلسطينى، ويُسمح للفلسطينيين بإدارة مفاوضاتهم، بمساعدة العرب، مع الاحتلال الإسرائيلى للوصول إلى الدولة العتيدة (المرتقبة)..
لقد حمل لنا الشهر الفضيل (رمضان المبارك) من اليمن "نوبة صحيان" مصحوبة بالأمل، لكى يعود اليمن سعيدا لأهله، ومن هناك "بشرى" السعادة على بقية البلدان العربية، التى عاشت سنوات مريرة، وصعبة من الحروب، والفوضى، واللاجئين، والانهيارات التى ليس لها مثيل من قبل فى كل تاريخنا القديم، والحديث.