بقلم: أسامة سرايا

 يأبى عام 2020 أن يرحل، وبصماته الثقيلة والحزينة على حياتنا وعقولنا ونفوسنا، إنه عام “الوباء”، عام قاسٍ فى كل أشهره،فقد خطف منا فى شهره الأخير (ديسمبر الحالى) إنساناً جميلاً، أو وردة، أو باقة ورود.
 لا تُخْطِئِهُ العين، من يومه الأول، الذى عرفناه فيه،وكل حواسنا، وأنوفنا، تتذوق الجمال منه، خاصة فى عالم الكلمة، فقد كان وجوده فى الحياة مبعث سعادة، وروح جميلة، لكل من حوله. 
عرفناه شابا يتقن الإنجليزية بعمق وفهم، ومدرسا لها بالجامعة، بأساليب حديثة ومبتكرة، ويُحصِّلُ العلم، ولا يتوقف عنه أبدا، فى أرقى الجامعات الأوروبية والأمريكية، ويُراكم الدرجات والشهادات والتقدير، عاما وراء الآخر، بأسماء ومسميات عديدة يكتنفها، ويسعى إليها فى كل جامعات العالم من حولنا.
 هذا الأستاذ لم تكفه الأستاذية فى مجاله، وتخصصه، وبراعته، بل اتسع أفقه ليكون مترجما من طراز رفيع، حيث  يتقن اللغتين العربية والإنجليزية، وبعقلية المحبين والمحترفين معا ينقل الأدب والأفكار بينهما بسهولة ويسر فائقين لا نظير لهما،وذلك بإجادة يحسده عليها المحترفون الكبار. تعرفت عليه فى السنوات الأولى بعد التخرج مباشرة إبان التخطيط لإنشاء “معهد الأهرام الإقليمي”، وفي الوقت نفسه، إصدار” مجلة الأهرام العربى”، وكان خير معين لتحقيق الهدف؛ يختار المدرسين للمعهد ويدربهم، وهو الشاب الصغير القادر على فهم ما يريد، وما نسعى إليه، لتدريب الإعلاميين كبارا وصغارا، وفى الوقت نفسه يختار الموضوعات المثيرة المكتوبة بالإنجليزية،ويترجمها إلى العربية، لتكتب كمادة صحفية، وينقل لنا تجارب عالمية.
 ثم فجأة وجدنا أنفسنا أمام أديب رائع، وبأسلوب جديد شاب، ويحسن التأليف والسرد، فقد أهدانا “سانت تريزا”، قصة أولى مصرية مرشحة للعالمية، تخطفك من الصفحة الأولى حتى الأخيرة، وأصبحت ذات طبعات متعددة، وقال عنها النقاد والعارفون بالأدب: “نحن أمام قدرة مذهلة على استخدام تقنيات السرد، التى تكسر الأنماط الأدبية بشكل كبير، وتتفوق على كل ما عداها، وتضع أمامنا كاتبا شابا مذهلا، أمامه مستقبل بارع، ولكن لأننا لا نملك الشجاعة والقدرة على وضعأبناءنا الرائعين والموهوبين فى مكانهم الصحيح، وهم أحياء بيننا، فإن صيحة الموت، أو الرحيل، أوالفقد، تأخذنا لكى نصرخ من أعماقنا: لقد كنا ننتظر منك د. بهاء عبد المجيد الكثير، بل أكثر من ذلك، قد ننتظر منك أن تنقل أدبنا إلى العالم بلغته، فلقد ألفت قصة عظيمة فى عالم اللغة والأدب لم تكتمل بعد، وكنت في حياتك القصيرة قصة مبدعة وكبيرة، لذا، فإن  الحزن يخيم علينالفقد النسمة الإنسانية الجميلة، التى انعشت آمالنا في مستقبل الأدب واللغة في مصر، والتى كانت بيننا.
لقد كنا نلتقى قليلا، لكننا نسمع صوته فى التليفون، يحمل  علامات التشجيع لكل الناس، ولكل الأجيال، فنعرف أنه موجود بيننا، ونرى، ونقرأ قصصه، وأدبه، وكتاباته، ونعرف أنه فى عالمنا، فنشعر بالاطمئنان لوجوده، واستمراره فى العمل، وبناء مستقبل أدبي مذهل، ليترك ميراثا من الأدب سيظل خالدا بيننا، وأما أنه رحل وتركنا مذهولين لهذا الرحيل،فنحن مؤمنون بقضاء الله، ولسنا من الذين يأخذنا الجزع وننسى أن الموت حق، بل هو الحقيقة الوحيدة، لكننا محزونون لهذا الفراق الأليم، والجزع الذي تركته بيننا، بسبب فيروس “كورونا”، الذى لم يتحمله جسمه النحيل، ولكن، بالتأكيد، كان عقله الكبير قادرا على أن يدرك ما يحدث حوله، لأن إبداعه وإنتاجه ليس وليد مصادفة، بل عمل متقن.
دكتور بهاء عبد المجيد ثمرة أسرة مصرية متوسطة، وجميلة، ومكافحة، عرفتها القاهرة،خاصة منطقة المعادى الهادئة، والسفارات المحيطة بها، والمكاتب الكبرى في مدينتنا العريقة، لأنهم كانوا يبيعون الجمال فى كل مكان، ورد المعادي الجميل كان يتقنه إخوته، وكل أسرته يزرعون الورد بكل أنواعه، ويكوِّنون الباقات المذهلة، كان اسمهم يبعثها الجمال والبهجة، ورائحة الورود كنت تشمها  من أول الشارع إلى آخره، لم يكونوا يزرعون الورود فقط، لكنهم كانوا يستوردون كل وردة جميلة لمصر،لتستوطن بلدنا، وإذا أحببت أحدا وأردت مجاملته، فإن “باقة عبدالمجيد” كانت تحمل هذه الرسالة بكل معانيها، وجمالها، لكن ابنهم د. بهاء تخصص فى الكلمة، وكان كاتبها المبدع والخلاق،وإذا رجعت إلى كل قصة من قصصه ورواية من روايته؛ وجدت وراءها قصة وحكاية ممتعة، ومبدعة، ومغذية للعقل والوجدان معا، لقد قالوا، ونقول معهم: إن سمات الرواية فى أدب د. بهاء عبدالمجيد، رحمه الله، كانت أمانته، وصدقه، وتتبعه لمفهوم الأخلاق، وقدرته الفائقة على أن يشارك فيما يكتب، عن طريق فرض أسئلته الدقيقة، التى حملتها رسالته القصيرة فى الحياة، وهي الشجاعة الإنسانية.
 د. بهاء عبدالمجيد أوصى، في مقال مبدع له، بأن نسعى إلى أن نجعل من أديبنا العظيم نجيب محفوظ كاتبا شعبيا فى الغرب، كما كان فى الشرق، لأن أدبه العبقرى مثل العطور الشرقية الأصيلة غالية الثمن، وأدبه ورواياته، خاصة “الحرافيش” و”أولاد حارتنا”  و”ميرامار”، علامات فى تاريخ الأدب العالمى، وأنه من الظلم مقارنة محفوظ بماركيز أو غيره، لأن نجيب محفوظ يتفوق على كتاب الغرب، ولكن ما يعطل شهرته عالميا فلسفته وصعوبته، وأيضا عدم تحمسنا له، كما يفعل الغرب مع كتابهم، ولأن بعضنا(المتشددين) مازال يتهمه بأنه كاتب زنديق ، وإذا كنا لم نعط نجيب محفوظ حقه وهو أديب “نوبل” العبقري الفذ، فماذا نقول عن د. بهاء عبدالمجيد وغيره من أدبائنا، وكتابنا العظام، والمبدعين؟.
 نحن يبدو أننا مقصرون فى الأدب، والجمال، والفنون، مثلما قصرنا فى الزراعة، والصناعة، والخدمات بكل أشكالها، كان الله فى عوننا، ورحم المبدعين، وأدباءنا، وفنانينا، الذين حفروا فى الصخر، وقدموا إبداعات، وفنونا في كل المجالات، واستمروا في مناخات غير مواتية، بل تربة مازالت غير ممهدة. 
وختاما، لا يسعنى إلا أن أقدم دمعة، وباقة ورد، على فقيدنا د. بهاء عبدالمجيد، ولا أملك إلا أن أدعو له، وأن يترفق الخالق العظيم بابنته حلا وابنه ياسين، وأن يصبغ على كل عارفيه، ومحبيه، صبرا جميلا، لأنه في عالم من المؤكد أنه أفضل، وفى رحاب رب كريم لا تضيع عنده الودائع، ولا يبخس عبيده، ومحبيه، أعمالهم، ولا تنقص عنده الحقوق،ونحن أمام رحلة إنسان جميل، وأعمال خالدة، وقصة حياة، برغم قصرها، فإنها قصة حقيقية خصبة، ورواية إنسانية خالدة تبحث عن مؤلف مبدع ليكتبها.. فرحمك الله يا د. بهاء.