سعود عبدالقادر الأحمد

 شهدت الكويت خلال السنوات الماضية انفتاح جلي في انتشار مشاريع العربات المتنقلة (مطعم، كافية) في أغلب مناطق الكويت، ونجح الكثير من أصحاب هذه المشاريع حينها، إلا أن النجاح كان مؤقتاً، رغم أن البعض منهم تخلى عن الوظيفة بعد أن شاهد هذا النجاح الذي للأسف لم يستمر ويرى النور، فما هي الأسباب التي أدت إلى عدم الاستمرار في هذه المشاريع الصغيرة؟
في إطار رؤية 2035 (كويت الجديدة) خرجت الحكومة مشكورة بأفكار واقتراحات مرتبطة في تنوع المشاريع الاقتصادية و التنموية، وأبرز ما جاء في خطتها التنموية هو بناء بنية تحتية متطورة اسوةً بالدول المتقدمة، ومواكبة التغيرات الزمنية من خلال بناء اقتصاد متنوع مستدام، وخلق رأس مال بشري إبداعي ومنتج، ومن هنا تولدت فكرة (العربات المتنقلة)، وكان الهدف منها خلق فرص عمل جديدة ومتنوعة للشباب والشابات الكويتيين، ودعمهم من خلال تسهيل الإجراءات الورقية، وتوفير أماكن فضاء في مختلف مناطق الكويت (سكني، بحري، بري، حيوي) لممارسة عملهم، لاسيما أن مشروع كهذا يحظى بشهرة عالمية، فهو منتشر بشكل واسع في أمريكا وكندا ومختلف أنحاء أوروبا والعالم، ومؤخرًا حقق انتشاراً واسعاً في منطقة الخليج العربي خاصةً في السعودية والإمارات والبحرين، وإن بحثنا عن الأسباب التي أدت الى انتشار ونجاح هذا المشروع بهذا المستوى، فسنجد له عوامل عديدة ومنها قلة التكاليف مقارنة بالمطاعم الثابتة، وعدم دفع إيجارات، حرية التنقل والقدرة على التواجد في مواقع الأحداث والتجمعات والمناسبات، وكذلك الدعم الحكومي الميسر في حرية اختيار الأماكن العامة والحيوية المدعومة بالكهرباء و الماء.
حفزت الحكومة الشباب والشابات عن طريق فتح باب العمل لهم في مجال العربات المتنقلة (مطعم- كافيه)، لكن لاحظنا في الفترة الأخيرة تراجع كبير وملفت بهذه المشاريع خصوصاً بعد مرورهم بسلسلة طويلة من الإجراءات الحكومية لإصدار التراخيص المطلوبة لمزاولة النشاط، فهل اختفاء أصحاب العربات المتنقلة هو  بسبب الدخل المادي الزهيد لتلك المشاريع أم فشل في البيروقراطية والقوانين في الإجراءات الحكومية؟؟
صدر مؤخراً قانون من قبل وزارة التجارة بحجز مواقع مخصصة وضعت من قبلهم لأصحاب العربات المتنقلة، وذلك لضمان سير عملية التنظيم وحفاظاً على حركة المرور والذوق العام، تفادياً كافة مظاهر الفوضى، ولا شك أن الهدف من وراء القرار هو مزاولة العمل والتنقل من مكان إلى مكانٍ آخر بكل أريحية وتنظيم، وهذا ما تطمح إليه الدول المتقدمة، لكن الحقيقة الموجعة أن عدد المواقع المخصصة، لا تفوق الـ 400 موقع في حين عدد العربات المتنقلة المرخصة أكثر من 1700، وأغلب المناطق ليست مدرجة من ضمن حجز المواقع المتاحة من قبل الوزارة، وعلى سبيل المثال محافظة مبارك الكبير عبارة عن 13 منطقة، وإجمالي المواقع المخصصة لحجز العربات لا تزيد عن (10 أماكن) لـ 10 عربات، في 4 مناطق فقط، بالمقابل عدد العربات المتنقلة المرخصة في المحافظة لا يقل عن 100 عربة متنقلة، بالإضافة إلى أن أغلب المواقع مخفية نوعاً ما بجانب المدارس أو أفرع الجمعيات ولا يسكنها سوى القطط، ولا تتوافر مع تلك المواقع اي خدمات او دعم (ماء او كهرباء) أو مكان مخصص لرمي به الزيوت والنفايات، فهي مواقع ليست صالحة للغرض التجاري والاستثماري، فقد أجبرت الوزارة أصحاب العربات المتنقلة على حجزهم تلك المواقع بمقابل رسوم 40 دينار بالشهر الواحد، وغير ذلك يتم مخالفتهم وتجميد راتب الدعم العمالة، فقد تبين أن هذه الأماكن مع الأسف مضرة وغير تجارية، فقد سببت خسائر فادحة لأصحاب الفود ترك، وأعلن الكثيرين منهم الإفلاس وبيع عرباتهم وعدم الرغبة بالاستمرار في مشاريعهم بسبب تلك القرارات التي سببت اضرارا جسيمة.
وللأسف الحكومة تراجعت في خلق بنية تحتية فعالة لمواكبة الأهداف المرجوة في خلق سوق عمل منتج، فما زالت الدولة تعاني من وضع الحلول المناسبة لهذه المشاريع الحيوية، ومرحلة التقهقر وصلت إلى حد إصدار قرارات قد سببت بالضرر لأصحاب المشاريع الصغيرة، وهذا دليل على أن المعالجات والقوانين الكلاسيكية لم تعد مجدية في زمن المعلومات والانفتاح، لذلك نرجو من الأخوة المسؤولين المخلصين بإعادة النظر في القوانين والقرارات التي صدرت مؤخراً وهي: إلغاء أو التعديل على قانون (حجز المواقع 40 دينار)، على أن تكون هناك مساحات مخصصة للعربات المتنقلة في كل منطقة تسع لأعداد العربات المرخصة، مؤهلة للغرض التجاري والاستثماري، مدعومة بالكهرباء والماء، ودورات المياه وأماكن لرمي النفايات لكي يسهل عملية التنظيف والانتقال وذلك حفاظاً على البيئة والمظهر العام للدولة.