سعود عبدالقادر الأحمد

 
 “الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم” .. (ونستون تشرشل)
 يعود مصطلح “الوطنية” بالإنجليزية patriotism إلى كلمة يونانية “باتريوتس” و “باتريا” تعني عشيرة، وأراد اليونانيون قديماً الذين يعودون لدولة مشتركة إلى تمييز أنفسهم عن البرابرة المنظمين عشائرياً، ثم دخلت الكلمة إلى اللغة الرومانسية في القرن السادس عشر، وأصبحت قيد الاستعمال في اللغة الإنجليزية خلال العصر الإليزابيثي، الوطنية مفهوم حديث لكن لها امتدادات قديمة تتمثل في حب الديار، ذلك الشعور الغريزي الذي يبدأ بدائرة انتماء للأهل، ثم تتسع الدائرة للبلدة (القرية)، ثم تتمدد للمنطقة، ثم للبلد (الدولة)، ثم للحضارة، ثم للعالم الإنساني، والتعريف المعياري للوطنيّة في المعاجم هو حب الفرد لبلده. 
 
 
يقول الكاتب الأمريكي مارك توين: “الوطنية هي أن تدعم بلادك في جميع الأوقات، وحكومتك عندما تستحق ذلك”. الوطنية ليست بالشعارات، وقد يتعامل معظمنا مع ذكرى الغزو العراقي الغاشم برؤية تاريخية يغلب عليها الطابع الرومانسي الساذج، فالكويت بلد التضحيات ورحم الله من ضحى و استشهد على أرضها من أجل الغالي والنفيس، لكن من غير الإنصاف أن نبالغ في الفخر بالماضي ثم نخفق في قراءة الحاضر، فما هي رسالتنا للعالم عندما  نكرر بعض الكلمات “لن ننسى” ولن”نسامح” ، هل عدم نسياننا للحدث جعلنا أفضل مما كنا عليه قبل 2-8-1990؟؟ أم حكومات اليوم أفضل من حكومات ما قبل 2-8-1990 من حيث الإدارة واتخاذ القرارات الحكيمة؟؟ هل نحن اليوم أكثر تماسكاً للفزعة الوطنية من أجل نهضة الوطن؟؟
 
 
 ذكرى الغزو تعتبر صفحة من صفحات التاريخ و تعاطينا مع الحدث يجب أن يكون من خلال المتحف والمدرسة والمكتبة، وليس ذكرى عالقة في أذهاننا وأحاديث شعبية يومية، عادة الدول والشعوب عندما تخرج من أزمة أو حرب تعود أقوى من جديد، وتعمل جاهدة لاستعادة مكانتها و قوتها، والشعوب تصبح أكثر إصراراً على إزالة المعضلات بإضاءة شعلة العمل والتطور والإنتاج، في الأزمات دائماً تصنع المعجزات، فمثلاً خرجت ألمانيا واليابان من الحرب العالمية الثانية مدمرتان بشكل كبير، لكنهما لم تدفنا رأسيهما تحت التراب، بل نهضتا من تحت الحطام  لتعودا إلى قائمة أفضل البلدان تطوراً في العالم  في شتى المجالات المختلفة. 
 
 
في أغسطس من كل عام، نستذكر ذكرى الغزو العراقي الغاشم، و يستذكر اليابانيون “برسالة سلام” حادثة سقوط القنبلة الذرية التي استهدفتها أمريكا على مدينة “هيروشيما” عام 1945 أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويقدّر عدد الخسائر البشرية بما لا يقل عن 140 ألف قتيل من سكان المدينة، حيث تم إصدار قانون في عام 1949 باعتماد المدينة رمزاً دائماً للسلام، وتتبوأ اليوم “هيروشيما” مراكز متقدمة بالمساهمة في الناتج القومي المحلي من خلال السياحة وصناعة السيارات وغيرها، ما يهمنا هنا هو كيف استطاع الشعب تغيير الصورة الذهنية للحرب والهزيمة وروح الانتقام إلى عمل وتنمية ورسالة سلام. 
 
 
 فما أحوجنا اليوم إلى شعب خلاب ومنتج وإدارة قوية و حكيمة تفكر بتنويع مصادر الدخل ونهضة اقتصاد البلد، من خلال الإخلاص في العمل وإتقانه، فنحن نعمل لأنفسنا و لوطننا ومجتمعنا وليس لمصلحتنا الشخصية والعائلية، العمل يجب أن يكون بلا تدخل الواسطة ومقاومة الرشوة والفساد بكافة انواعه، وهذا ما فعلته الدول التي أعادت هيبتها وعظمتها واستطاعت أن تبني قوتها من جديد. 
حفظ الله الكويت من كل مكروه.