سعود عبدالقادر الأحمد

 
 
في عام 430 قبل الميلاد، ضرب مرض فتاك مدينة أثينا، عاصمة اليونان، وانتقلت الجائحة من جنوب صحراء أفريقيا، إلى مصر وصولا لأوروبا عبر اليونان، التي أصبحت مرتعا للوباء، بحسب ما نقله المؤرخ الإغريقي ثوسيديديس(thucydides)،حيث بلغت أعداد الوفاة الى 100 ألف شخص، مما يعادل ثلث سكان أثينا آنذاك، "الطاعون الأسود"، كان من أشهر الأوبئة وأشدها فتكا، وكان بمجرد الإصابة به، يحكم على المريض بالموت، ولم يكن معلوما أن الطاعون ينتقل من براغيث الفئران إلى الإنسان، الذي أصبح بدوره ناقلا للوباء، حيث ظهر الطاعون عدة مرات في عصور مختلفة، وانتشر  في القرن الرابع عشر من آسيا الوسطى، ثم وصل إلى القسطنطينية عبر البحر الأسود، وأكمل انتشاره في دول البحر الأبيض المتوسط، بما أن البواخر كانت الوسيلة الأساسية لنقل البضائع للمسافرين، حيث انتشر عبر الموانئ، وبحلول عام 1351م، كان الوباء قد اجتاح نحو نصف سكان أوروبا، وأجمعت المصادر أن عدد الموتى لا يقل عن 75 إلى 200 مليون شخص في تلك الفترة.
تعرضت الكويت والمدن الساحلية في شرق جزيرة العرب للطاعون مرتين، الأولى عام 1773م، وكان قد جاء من البصرة، والثانية عام 1831م، وأباد أكثر من ثلاثة أرباع أهل الكويت في ذلك الحين، حيث ذكر الرحالة كارستن نيبور في عام 1767م، أي ما قبل حادثة مرض الطاعون الثاني بأربعة وستين عاما، بأن عدد الكويتيين يقدر بعشرة آلاف نسمة، وفي عام 1831م، بعد انتهاء الوباء قال الرحالة الإنجليزي ستوكلر، أن عدد الكويتيين يقدر بأربعة آلاف نسمة، أي أن الوباء قد قضى على أكثر من نصف السكان في ذلك الوقت. 
 
 في سنة 1865م، انتشر الكوليرا من الهند عن طريق قوارب صيد اللؤلؤ، ولم يعرف ذلك الوقت حجم الضحايا والمصابين في الكويت، وانتشر مرض الجدري في سنة 1891م بين سكان منطقة الخليج، وكان نفس وقت انتشار الانفلونزا، وتسمى اليوم "انفلونزا الخنازير" وعرفت (بالأنفلونزا الإسبانية) القاتلة، حيث انتشرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في أوروبا وقارات العالم الأخرى، قتلت نحو 50-100 مليون شخص، ضعف المتوفين في الحرب العالمية ذاتها، وحسب الوثائق البريطانية، توفى أكثر من 4000 آلاف كويتي حينها، وسمى الكويتيون هذه السنة بسنة الرحمة، لأنه اعتقد أنه وباء الطاعون، وذلك لمفارقة أعداد الوفاة، وأصيبت الكويت بمرض الجدري للمرة الثانية في سنة 1932م، وقُدِّرت الوفيات بأكثر من 3000 آلاف كويتي، معظمهم من النساء والأطفال. 
 بالمقارنة، لا يزال كوفيد-19 والفيروسات التاجية الأخرى أقل خطرا من حيث عدد الوفيات، كما أن عدد الحالات المصابة بكوفيد-19 لا تزال أقل من حالات الموت لضحايا الأمراض المذكورة، وأخيرا وليس آخرا، تصدت الكويت أميرا وحكومة وشعبا لكوفيد-19 بكفاءة واقتدار، حتى أصبحت مثلا يحتذى به في العالم لمحاصرة الوباء وهزيمته، ونسأل الله ان يحفظ الجميع ويرفع عنا البلاء والأمراض...اللهم آمين.