عام ثان يحل على اليمن منذ توقيع اتفاق (ستوكهولم) بين الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي ومازال الاتفاق الذي حددت ثلاثة أسابيع لتنفيذه يراوح مكانه دون إحراز أي تقدم فيما يرى مسؤولون يمنيون أن الأوضاع غدت أكثر تعقيدا وسوءا.
ففي 13 ديسمبر 2018 وقع الاتفاق في (ستوكهولم) بعد أسبوع من المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة متضمنا ثلاثة بنود أولها وأهمها اتفاق حول (الحديدة) واتفاق لتبادل الأسرى وإعلان تفاهمات حول (تعز).
وتعهد الموقعون على تنفيذ الاتفاق كاملا وإزالة العوائق التي تحول دون تنفيذه ووقف التصعيد والالتزام بمواصلة المشاورات دون قيد أو شرط في غضون شهر يناير 2019 في مكان يتفق عليه لاحقا.
وفيما خلت تفاهمات (تعز) المحاصرة منذ خمس سنوات واتفاق تبادل الأسرى من أي ملامح واضحة للاتفاق والتفاهم كان اتفاق (الحديدة) زاخرا بتفاصيل ومهام مزمنة للتنفيذ الفوري بهدف إيقاف معركة حاسمة كانت رحاها تدور هناك.
وتزامنا مع جولة المشاورات في (ستوكهولم) كانت القوات الحكومية المدعومة من تحالف دعم الشرعية تتوغل في أحياء (الحديدة) بشكل متسارع بعدما سيطرت على شريطها الساحلي الجنوبي وسط تراجع وانكسار ملحوظ لميليشيات الحوثي في ثاني أهم المدن التي تسيطر عليها بعد العاصمة صنعاء.
ونص الاتفاق في أهم بنوده التي تركت بعضها مجالا واسعا للتأويل المتباين على وقف لإطلاق النار اعتبارا من 18 ديسمبر 2018 في (الحديدة) وتنفيذ خطة لإعادة انتشار القوات من الموانئ الثلاثة (الحديدة - الصليف - رأس عيسى) في غضون أسبوعين على أن تستكمل مهمة إعادة الانتشار الكامل لكافة القوات خلال مدة أقصاها 21 يوما من سريان الهدنة.
وبموجب الاتفاق تتشكل لجنة مشتركة لتنسيق إعادة الانتشار برئاسة الأمم المتحدة لتشرف على مهام إعادة الانتشار مع دور قيادي للأمم المتحدة وتعزيز وجودها في (الحديدة) وموانئها.
وتطرق الاتفاق إلى ترتيبات مالية متعلقة بإيداع إيرادات الموانئ في البنك المركزي اليمني للمساهمة في دفع رواتب الموظفين وأخرى أمنية تقضي بتحمل "قوات الأمن المحلية وفقا للقانون اليمني" مسؤولية أمن الحديدة وموانئها.
وأعلن عن سريان وقف إطلاق النار في (الحديدة) وفقا للمحدد الزمني وأوقفت القوات الحكومية عملياتها لكنها وثقت عشرات الخروقات منذ الساعة الأولى للهدنة.
وخلال بضعة أيام كانت الأمم المتحدة تدشن عمل بعثتها في (الحديدة) التي تعاقب ثلاثة جنرالات على رئاستها إضافة لرئاستهم ل(لجنة تنسيق إعادة الانتشار) دون أن يتمكنوا من تحقيق اختراق على صعيد تنفيذ الاتفاق في أولى خطواته.
وأخفقت اللجنة مرارا في تنفيذ خطة إعادة الانتشار على مدى عشرة أشهر من عملها كما لم تتمكن من نشر مراقبين لوقف إطلاق النار وهي المهمة التي انجزت جزئيا بعد منتصف أكتوبر الماضي بنشر خمس نقاط للمراقبة في نقاط التماس بمدينة (الحديدة) فيما مازالت مئات الكيلومترات في ريفها الجنوبي ساحة لمعارك يومية خلفت آلاف القتلى والجرحى المدنيين مع غياب أي شكل للرقابة.
ووفقا لإحصائية صدرت عن عمليات القوات الحكومية المشتركة تلقت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) نسخة منها فقد ارتكبت ميليشيات الحوثي خلال عام كامل من الهدنة أكثر من 16 ألفا و500 خرق.
وتسببت خروقات الحوثيين في مقتل 232 مدنيا وجرح أكثر من 2300 آخرين بينهم مئات النساء والأطفال إضافة لتدمير 446 منزلا ومسجدا ومنشأة حكومية وخاصة ومزرعة.
وتعليقا على مسار اتفاق (ستوكهولم) قال المستشار السياسي للرئيس اليمني عبدالملك المخلافي في تصريح خاص لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت إن "اتفاق ستوكهولم ولد ميتا لأنه لم يبن على أسس صحيحة ولم يأخذ تجارب التعامل مع ميليشيا الحوثي".
وأضاف المخلافي وهو وزير خارجية أسبق ورئيس الوفد التفاوضي الحكومي إلى مشاورات الكويت عام 2016 "بالتأكيد كان الاتفاق بعيدا عن الجهود السابقة للسلام في اليمن وما تم التوصل إليه فيها وخاصة نتائج محادثات الكويت" .
وأشار إلى أن الاتفاق "تجاوز كل ذلك وتعامل مع قضية فرعية فقط هي قضية الحديدة ولبى حاجة المجتمع الدولي الذي كان قلقا من أن يتم إغلاق ميناء الحديدة أمام تدفق السلع والمساعدات".
وأوضح أن الحوثي "استغل هذا القلق لمصلحته من خلال الدفع نحو اتفاق أوقف جهود الحكومة لتحرير الحديدة بصيغة اتفاق غير واضح المعالم والالتزامات وغير قابل للتطبيق".
وبين أن هذا الاتفاق "لم يحقق السلام ولم يوقف المعاناة ولا الحرب ولم يستفد منه أهالي الحديدة وابقى الميناء بيد ميليشيا الحوثي ومنفذا لتهريب السلاح الإيراني للميليشيات الحوثية".
واعتبر المخلافي أن الخطأ يتمثل حتى الآن في أن "الأمم المتحدة تقوم بالتغطية على عدم التزام الانقلابيين الحوثيين بالاتفاق بتحميل كل الأطراف المسؤولية عن عدم التنفيذ والمساواة بين الحكومة الشرعية والانقلابيين".
ولفت إلى أن الأمم المتحدة "تتهرب من إعلان فشل الاتفاق وتدفع مرة بعد أخرى نحو محاولات فاشلة لتطبيقه رغم أنه جرى خلال عام واحد تعيين ثلاثة من مسؤولي فريق الأمم المتحدة للرقابة بعد استقالة اثنين من المسؤولين السابقين" .
واعرب عن اعتقاده بأن الوقت قد حان لأن تتولى الأمم المتحدة من خلال مبعوث الأمين العام الخاص إلى اليمن إما بإلزام الحوثيين بالاتفاق أو إعلان فشله وتحميل الحوثيين المسؤولية ليكون ممكنا الانطلاق الى ما يدعو له المبعوث من محادثات سلام جديدة تنطلق مما تم التوصل اليه في محادثات الكويت" .
غير أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث يرى أنه حقق بعض الانجازات إذ أوضح في مقابلة مع موقع أخبار الأمم المتحدة تزامنا مع الذكرى الأولى للتوقيع أن الاتفاق جنب (الحديدة) وموانئها هجوما وشيكا مبينا أنه كان هناك وقف لإطلاق النار بشكل أو بآخر وتم إنقاذ حياة الناس وحماية البرنامج الانساني.
وأشار إلى أن "هناك بعض القضايا التي لن يتم حلها عن طريق الاتفاقات على المستوى دون الوطني.. اتفاقيات محددة في أماكن مختلفة وعلينا أن نعالج القضايا الأساسية المتمثلة في السيادة والشرعية من خلال اتفاق لإنهاء الحرب".
وكان وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي أكد في تصريح سابق ل (كونا) أن تنفيذ اتفاق (ستوكهولم) لاسيما ما يتعلق بانسحاب ميليشيات الحوثي من (الحديدة) وموانئها هو مفتاح الانخراط في أي مشاورات قادمة.
من جانبه وصف محافظ (الحديدة) الحسن طاهر في تصريح ل (كونا) اتفاق (ستوكهولم) بأنه "ولد ميتا وتأكد بعد عام على توقيعه أنه فاشل من كل الجوانب".
وقال "إن الأوضاع الانسانية ومعاناة المواطنين ازدادت سوءا فيما أصبحنا غير قادرين على إحصاء الخروقات الحوثية الموثقة ورصد ضحاياها من المدنيين".
وأشار إلى أن الموقف الأممي "المتخاذل" عن إدانة ميليشيات الحوثي ورفضها تنفيذ الاتفاق وكل المؤشرات الأخرى تؤكد أن الاتفاق جاء لإنقاذ الحوثيين بعدما كانت القوات الحكومية توشك على تحرير الحديدة في غضون أيام.
وختم طاهر تصريحه قائلا "إن مستقبل الاتفاق هو الفشل" معربا عن أسفه "لسقوط قتلى وجرحى من المدنيين بالآلاف ومعاناة انسانية لمئات الآلاف من أبناء الحديدة المشردين الذين كانوا يحلمون بالسلام والعودة إلى منازلهم".