يستعد اللبنانيون، اليوم الإثنين، للخروج إلى الشوارع مجدداً في يوم مفصلي من حراكهم غير المسبوق، يتزامن مع عقد مجلس الوزراء جلسته الأولى منذ بدء التظاهرات ونهاية مهلة حددها رئيس الحكومة سعد الحريري للقبول بخطة إنقاذ إصلاحية.
ويدخل التحرك غير المسبوق في لبنان، على خلفية مطالب معيشية في بلد صغير تثقل المديونية، والفساد والمحاصصة، والوراثة السياسية كاهله، يومه الخامس على التوالي، في وقت يتمسك فيه المتظاهرون بمطلب رحيل الطبقة السياسية، مستهزئين بما يقدم من حلول "تخديرية".
يوم مصيري
بدأ المتظاهرون في وقت مبكر الإثنين قطع الطرق الرئيسية لمنع الموظفين من التوجه إلى أعمالهم، وأبقت المصارف والجامعات والمدارس أبوابها مقفلة، غداة تظاهرات كبرى شهدها وسط بيروت ومدن عدة من شمال البلاد حتى جنوبها، تخللتها احتفالات، وهتافات مطالبة برحيل الطبقة السياسية بأكملها.
ويقول روني الأسعد، موظف وناشط ، بانفعال في وسط بيروت الإثنين: "اليوم مصيري بالنسبة إلينا، كل تعبنا في الأيام القليلة الماضية وحتى السنوات لنصل إلى هذه اللحظة".
ويضيف "لا يخرجني من الشارع إلا استقالة الحكومة أولاً، ومن ثم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو تشكيل حكومة انتقالية مع مشاركة ممثلين عن الشعب فيها، على غرار ما جرى في السودان".
وعلى غرار كثيرين من المتظاهرين، يهزأ الأسعد من إجراءات إنقاذية اقترحها الحريري وتدرسها الحكومة اليوم.
ويؤكد "سبقنا حلول الطبقة السياسية بكثير ولم تعد تنفع معنا هذه الإجراءات، ولا ثقة لنا بهم على الإطلاق"، متسائلاً: "لو كان بإمكانهم تنفيذ هذه الإصلاحات من قبل، لماذا انتظروا حتى اليوم؟".
انتهاء المهلة
وتنتهي مساء الإثنين، مهلة 72 ساعة منحها رئيس الحكومة لـ"شركائه" في الحكومة، في إشارة إلى التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس ميشال عون، وحزب الله وحلفائهما الذين يملكون الأكثرية الوزارية، ليؤكدوا التزامهم المضي في رزمة إصلاحات إنقاذية.
ويعقد مجلس الوزراء قبل ظهر الإثنين، اجتماعاً برئاسة الرئيس ميشال عون، لدرس خطة إنقاذ اقترحها الحريري في اليومين الأخيرين لوضع حد للأزمة الاقتصادية الخانقة.
وقال مصدر في رئاسة الحكومة ليل الأحد، إن الحريري تلقى موافقة القوى السياسية الرئيسية لا سيما حزب الله وعون، على على خطته للإنقاذ التي تتضمن تدابير واجراءات حاسمة، أبرزها عدم فرض أي ضرائب جديدة وخصخصة العديد من القطاعات.
واحتلت صور التظاهرات الحاشدة الصفحات الأولى لكافة الصحف المحلية الصادرة في لبنان.
وأوردت صحيفة الدايلي ستار الناطقة بالإنكليزية "لبنان أمام خيارين: الإصلاح أو الهاوية"، بينما تصدر صحيفة الجمهورية تعليق "الشعب يكتب التاريخ".
منحى تصاعدي
واتخذت التحركات منحى تصاعدياً منذ الخميس، مع ازدياد أعداد المتظاهرين تباعاً، في تحرك شل البلد وأغلق مؤسساته. ويحمل المتظاهرون على الطبقة السياسية سوء إدارتها لشؤون البلاد، وفسادها، وعجزها عن حل مشاكل متفاقمة منذ عقود.
وشكل سعي الحكومة لفرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات الهاتف المحمول الشرارة التي أطلقت هذه التحركات الغاضبة، إذ لم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة، والبطالة، وسوء الخدمات العامة.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الأهلية بين 1975 و 1990، في إصلاحات بينوية، وتأهيل المرافق العامة، وتحسين الخدمات والبنى التحتية.
ويجد اللبناني نفسه مضطراً لدفع كلفة الخدمات الأساسية مضاعفة كالكهرباء والمياه التي لا تتوفر دائماً. كما تعد كلفة الاتصالات المحمولة في لبنان من الأكثر ارتفاعاً في المنطقة.
وتعهدت الحكومة في العام الماضي أمام المجتمع الدولي بتخفيض النفقات العامة، وبمشاريع إصلاحية مقابل حصولها على قروض وهبات بـ 11.6 مليار دولار أقرها مؤتمر سيدر.
إلا أن تباين وجهات النظر تطبيق هذه المشاريع والخلاف على الحصص، والتعيينات داخل الحكومة التي لا يحظى فيها الحريري بأكثرية، حالت دون وفاء الحكومة بإلتزاماتها حتى الآن.
مشاريع الحكومة
وكانت الحكومة في الأسابيع الأخيرة تدرس فرض ضرائب جديدة تطال جيوب الفقراء ومحدودي الدخل، عوضاً عن وقف الهدر في بعض القطاعات، ووضع حد للتعديات على الأملاك البحرية، وإصلاح قطاعات تكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة.
وضاقت ساحات بيروت ومدن أخرى من شمال البلاد حتى جنوبها، ببحر من المتظاهرين من مختلف الأعمار رددوا هتافات بصوت واحد "الشعب يريد إسقاط النظام" و"كلهن يعني كلهن"، في إشارة إلى مطالبتهم برحيل كل الطبقة السياسية.
وبدت هذه التحركات غير مسبوقة ولم تستثن منطقة أو طائفة أو زعيم. وطالت هتافاتها وتصريحات المشاركين فيها الزعماء كافة، وكسرت هيبة القوى السياسية التي وجدت نفسها مضطرة لسماع صخب الشارع واتهامات قاسية بالسرقة، والفساد، ونهب مقدرات الدولة.
ويصف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الأمريكية عماد سلامة، في حديث لفرانس برس، التحركات في الشارع ببركان يصعب احتواؤه بحلول آنية، مؤكداً أن "من الصعب أن يكسب المتظاهرون ثقة الدولة بـ 72 ساعة وبحلول تُقدم على الورق".
ويقول: "دخلنا اليوم مرحلة أزمة نظام والورقة التي اقترحها الحريري هدفها تهدئة الشارع، لكنها لا ترقى إلى حل لأزمة لبنان الاقتصادية العميقة".
وبينما كانت الطرق تقطع تباعاً والأنظار تتوجه إلى القصر الرئاسي في بعبدا، يؤكد سلامة أن خطة الإنقاذ المقترحة "عملية تخدير، وأي عملية إنقاذية لا تراعي إشراك فئات اجتماعية واسعة في الحكم غير التي تحكم اليوم، هي محاولة تقطيع مراحل ولن تصل إلى أي مكان".