بحسب رئيس قسم جراحة الأطفال في مستشفى ابن سينا -أحد أهم مشافي الجراحات التخصصية الحكومية في الكويت- الدكتور إسماعيل تقي تعود بداية الالتفات لخطر تلك اللعبة للعام 2010 الذي شهد بداية ظهورها على الساحة الكويتية وما تبعه من وجود عدد بسيط من الأطفال قدر بنحو حالتين أو ثلاث ابتلعوا الخرز، الأمر الذي استدعى التدخل الطبي.
يضيف تقي للجزيرة نت أنه خلال السنوات التالية بدأ عدد الأطفال الذين ابتلعوا هذا الخرز المغناطيسي في الازدياد حتى شهد عام 2017 نحو 20 حالة، وهو ما اعتبر ظاهرة استدعت تحركا قويا لمواجهتها خاصة بعد تسجيل حالات إصابة لأطفال بين الثامنة والعاشرة من أعمارهم، أغلبهم من الفتيات اللاتي أقدمن على ابتلاعها لدخولهن في تحد مع أقرانهن أثناء اللعب، إضافة لعدد آخر من الأطفال دون الرابعة.
وتكمن خطورة اللعبة، بحسب تأكيدات تقي، في أن مغناطيس حبة الخرز تلك أقوى 15 مرة من المغناطيس العادي، وبالتالي فإن حبيباته التي تدخل إلى المعدة والأمعاء تلتصق ببعضها بعضا بقوة، مما يجعلها تخترق جدار الأمعاء والمعدة مخلفة ثقوبا تشبه تماما تلك التي تسببها طلقات الرصاص داخل البطن.
تهتك
يؤدي إحداث تلك الثقوب، وفقا لرئيس رابطة جراحي الأطفال الكويتية الدكتور عبد الله رجب، إلى تهتك الأنسجة وتعرض الطفل المصاب للتسمم إذا تأخر التدخل الجراحي نتيجة خروج الإفرازات الخاصة بالأمعاء والمعدة إلى باقي الجسم، مما يستلزم حينها نقله للعناية المركزة، وقد يصل الأمر كما حدث في عدد من الدول الأوروبية قبل سنوات إلى فشل الأعضاء الحيوية والوفاة.
ولا تتوقف مشاكل الطبيعة المغناطيسية القوية للخرز عند حد الثقوب، إذ تتسبب في خلق مشكلة أخرى أثناء التعامل الطبي معها سواء عبر المنظار أو الجراحة مرجعها التصاق المغناطيس نفسه بالأدوات الطبية، وهو ما دفع أطباء مستشفى ابن سينا إلى تطوير أسلوب جراحي يقوم على سحب المغناطيس إلى الزائدة الدودية واستئصالها بهدف تقليل عدد الفتحات والثقوب التي تتعرض لها الأمعاء.
ويسهم إدراك الأسرة المبكر لابتلاع الطفل تلك الحبة في تدارك الأمر من دون مضاعفات أو مخاطر مقارنة بتأخر الأمر ليومين أو ثلاثة.
كانت الحاجة ماسة للتواصل مع بعض أطباء جراحة الأطفال في دول الجوار الخليجي وكذلك في الدول الغربية للاطلاع على مدى انتشار هذه الظاهرة لديهم، ومعرفة المسارات التي اتبعت للحد من خطورتها، وبالفعل تم التحرك على مسارين، الأول التوعية من خلال وسائل الإعلام وكذلك توزيع منشور لأولياء الأمور عند استلامهم شهادات اجتياز أبنائهم للدراسة في مرحلتي الروضة والابتدائية.
أما المسار الثاني فتمثل في التنسيق مع وزارة التجارة والصناعة بالبلاد لمواجهة انتشار اللعبة في المحال والمجمعات التجارية، وهي الجهود التي أسفرت عن انخفاض عدد الحالات التي احتاجت لتدخل جراحي في العام 2018، إذ وصلت لأقل من 6 حالات كانت جميعها إما لأطفال حصل ذووهم على اللعبة عبر طلبها إلكترونيا من المتاجر العالمية، وإما لحالات أخرى كانت اللعبة موجودة لديهم وتم إهمالها من قبل الأسرة لمدة قبل أن يعاود الطفل اللعب بها مجددا.
حالات جديدة
في الأسابيع الستة الأخيرة، سجل قسم جراحة الأطفال ثلاث حالات ابتلاع للخرز المغناطيسي، مما استدعى بحث الأمر ليكتشف الأطباء بأنفسهم عودة المحال التجارية في سوق المباركية الشهير وبعض الجمعيات التعاونية لبيعها مجددا، مما ينذر بموجة قريبة من حالات ابتلاع الأطفال للخرز، وهو أمر استدعى الاستنفار.
على الفور قام مكتب حماية الطفل في وزارة الصحة، بحسب تأكيد رئيسة المكتب الدكتورة منى الخواري للجزيرة نت، بمخاطبة وزارة التجارة لممارسة دورها الرقابي وضبط تلك المحال المخالفة وكذلك تدشين حملة جديدة للتوعية على مختلف المستويات.
ويؤكد رجب أن تراكم خبرات الأطباء في الكويت ساهم كثيرا في تقليل المضاعفات، مشيرا إلى أنه في بداية الاكتشاف قبل سنوات كان الدارج عند التعامل معها هو الانتظار لحين خروج تلك القطعة من الجسد أثناء عملية الإخراج بشكل طبيعي كما يحدث حال ابتلاع قطعة نقود أو غيرها من المعادن، إلا أن اكتشاف الطبيعة المغناطيسية حتم لاحقا ضرورة التدخل السريع وإقناع الأهل بأهمية الجراحة.
ولا يقصر الأطباء التوعية على الأهل، إذ يشددون على أهمية توعية زملائهم في المستوصفات وأقسام الحوادث بشأن سرعة تحويل مثل هذه الحالات للمختصين وعدم الانتظار كما كان يحدث في السابق حفاظا على حياة هؤلاء الأطفال