ساهمت مبادرة شاب كويتي في إنقاذ ما تبقى من حياة أقدم شجرة معمرة في البلاد (سدرة حولي) والتي يقارب عمرها نحو 200 سنة بغية رعايتها والحفاظ عليها من التلف والهلاك.
وسلطت هذه المبادرة التي تبناها الشاب مبارك العويني الضوء على أهمية الشجرة وما تحمله من تراث في تاريخ الكويت إذ كانت تعرف قديما باسم (سدرة داحي) نسبة إلى الشخص الذي تكفل بزراعتها في مزرعته الخاصة بمنطقة حولي آنذاك وهو داحي شلش الصابري.
ونجحت المبادرة في تسوير الشجرة بسياج حديدي للحفاظ عليها ورعايتها من الآفات والأمراض والمخلفات بالتنسيق بين محافظة حولي والهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية إيمانا منهم بالمحافظة على الهوية القديمة للمنطقة إذ كانت تشتهر قديما بالزراعة.
وورد ذكر هذه الشجرة في قصائد بعض الشعراء الكويتيين قديما إذ كانت تعد آنذاك رمزا في منطقة حولي وتحيط بها العديد من المزارع والآبار وكان الناس يستريحون تحت ظلها لاسيما الرحل من مالكي الغنم.
وقال المزارع الكويتي مبارك العويني وهو صاحب مبادرة (المليون شتلة) لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الاحد ان الأشجار المعمرة تعتبر شاهدا على تاريخ البلدان ما يكسبها أهمية بيئية واجتماعية مؤكدا ضرورة رعايتها والاهتمام بها والتحذير من إزالتها أو الاعتداء عليها.
وحول مبادرته في الحفاظ على (سدرة حولي) أوضح العويني أن قصتها بدأت بتسجيل مقطع فيديو على احد برامج التواصل الاجتماعي بغية حث المسؤولين على سرعة انقاذ ورعاية الشجرة إذ كانت في حال يرثى لها.
وأضاف انه و"خلال ساعة ونصف الساعة من نشر المقطع تم تسوير وحماية الشجرة بسياج حديدي بتعليمات من محافظ حولي الفريق أول متقاعد الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح" معربا عن شكره وتقديره لسرعة استجابته لهذه المبادرة. وأوضح أنه تم بعد ذلك العناية بالشجرة بشكل دوري عن طريق "التناوب بينه وبين الجهات المعنية" موضحا أن الشجرة أصيبت بعدة أمراض لكبر سنها علاوة على إلقاء بعض الناس حولها المخلفات من زيوت السيارات وغيرها من المخلفات.
وذكر أنه تم علاج بعض أمراضها إلا أنها بحاجة الى رعاية أكثر إذ أن بعض أمراضها يعالج خلال مدة زمنية طويلة لافتا إلى أن أشجار السدر من الأشجار المعمرة إذ تصل أعمارها إلى مئات السنين.
وأفاد بأن هذه السدرة شهدت عدة أجيال بالمنطقة عندما كانت منطقة حولي مخصصة لرعي الاغنام ومن ثم منطقة زراعية إلى أن تم تخصيصها منطقة سكنية وبعدها إلى منطقة تجارية.
وأكد أن الهدف من المبادرة هو حث المواطنين والمقيمين لاسيما الشباب على رعاية وزراعة الاشجار ومساعدة الدولة في هذا الجانب.
وبالنسبة لعمر الشجرة أفاد العويني بأن الأشجار يذكر عادة عمرها التقريبي ولا يعرف عمرها بشكل دقيق إلا بعد قطعها ورؤية جذعها من الداخل مبينا أنه "عندما ننظر إلى حجم جذعها سنجد أنها السدرة الوحيدة في البلاد التي وصل حجم جذعها إلى هذا الحجم الكبير ما يدل على أن عمرها لا يقل عن 150 عاما وقد يزيد عن 200 عام". وأفاف بأن من الأدلة الأخرى التي تشير الى عمر الشجرة هي أن داحي بن شلش ولد تقريبا في أوائل عام 1800 علاوة على أن هذه الشجرة ذكرت في أبيات أحدى القصائد قديما ومنها هذا البيت: "يا الله بمزن ينتثر في حولي / يسقي من السدرة إلى ساحل الراس".
وقال انه هذا البيت ورد في كتاب (حول تاريخ المياه في دولة الكويت) الذي تطرق بجزئية منه عن تاريخ منطقة حولي قديما.
وذكر أن هذه الشجرة تغنى بها الشعراء لاسيما أهل الغوص مشيرا الى ان الرحل من مالكي الغنم كانوا يستريحون تحت ظل (سدرة داحي) والتي تحولت مع التطور في المنطقة إلى مظلة لأصحاب (سيارات التاكسي).
وحول دور الهيئة العامة للبيئة في دعم مبادرات الشباب أكدت الهيئة في بيان ل(كونا) سعيها الدائم في دعم مبادرات الشباب الكويتي لما لهم من مجهودات واضحة وفكر خلاق يعود بالنفع على الفرد والمجتمع وعلى البلاد بشكل عام.
وأشارت إلى ضرورة توسيع الرقعة الخضراء في البلاد لأنها الأساس في التأهيل البيئي مضيفة أن هذه المشاريع تسهم في الحد من ظاهرة التصحر وخفض نسبة الأتربة والعواصف الترابية.
ولفتت إلى أهمية زيادة الاهتمام العام بالبيئة ومشكلاتها للتمكن من تحقيق توعية شاملة لجميع شرائح المجتمع بهدف الوصول للتنمية المستدامة.
وحول أهمية شجرة السدر في تاريخ الكويت ودور الدولة في الاهتمام بالأشجار ودعم المبادرات الشبابية أكد نائب المدير العام للزراعة التجميلية بالهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية المهندس غانم السند ل(كونا) أن الهيئة عممت زراعة أشجار السدر على مشاريع الزراعة التجميلية بالبلاد.
وأضاف السند أن شجر السدر يعد من أكثر أنواع الأشجار ملاءمة للبيئة الكويتية فضلا عن احتلاله المركز الثاني من حيث القيمة الاقتصادية بعد النخيل.
وأوضح أن الهيئة عمدت إلى اختيار أفضل أصناف السدر وزيادتها في مشاريعها نظرا لأهميتها وقيمتها التراثية والدينية لاسيما أنه تم ذكرها في عدة مواضع في القرآن الكريم.
وأفاد بأن أشجار (السدر) تحمل عدة أسماء منها عرج وزجزاج وزفزوف واردج وغسل ونبق وكنار موضحا أن النحل يتغذى على أزهارها وينتج منها عسلا ذا قيمة غذائية عالية يسمى (عسل السدر).
وحول فوائد واستخدامات شجرة السدر قديما جاء في كتاب (البيت الكويتي القديم) للباحثين في التراث الشعبي محمد الخرس ومريم العقروقة أن شجرة السدر في الكويت أحيطت بنوع من التقدير ما جعل لها مكانة لدى الناس لاسيما أنها تتمتع أيضا بمكانة كبيرة عند العرب والمسلمين الذين أخذوا منها الظل والعلاج.
وبحسب الكتاب فان شجرة السدر تم ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من آية ويكره تكسير أغصانها أو تعريضها للحرق أو التشويه.
وكان الآباء والأمهات قديما يجمعون أوراقها ويقومون بتجفيفها وطحنها لاستعمالها في غسل الرأس وكانوا يجمعون أيضا أزهارها ويقومون بتجفيفها وغليها مع الشاي إذ تسهم في تخفيف الآلام العصبية وأوجاع الرأس وعلاج امراض اخرى.
وبحسب كتاب (البيت الكويتي القديم) فقد كانت أوراق شجرة السدرة تستخدم في غسل جثامين الموتى ايضا نظرا إلى رائحتها الطيبة.
وتنقسم (السدر) إلى نوعين الأول بري ويحتوي على الشوك وتسمى ثمرته (الضال) وتكون صغيرة وسيئة الطعم ولا يصلح ورقها لشيء أما النوع الثاني فيخلو من الشوك ويسمى (العبري) وثمرته صالحة للأكل.
وأسست (حولي) عام 1906 ومعناها في اللغة العربية كل ما أتى عليه حول من كل ذي حافر وغيره وسميت بهذا الاسم لحلاوة مياهها إذ كانت آبارها عذبة وصالحة للشرب كما ذكر المؤرخ الكويتي سيف الشملان في كتابه (من تاريخ الكويت).
وكانت (حولي) تعد موقعا مناسبا للزراعة حيث امتازت تربتها بالخصوبة وتميز هواؤها العليل وآبارها ذات المياه الصالحة للري وتنوعت اشجارها من سدر وأثل وغيرها من المزروعات.