عانت الكويت قديما الكثير من الامراض والأوبئة التي عصفت بها قبل دخول مفهوم الطب الحديث ومنها امراض معدية وفتاكة كانت شائعة عند اهل المدينة والبادية على مر السنين كالسل والطاعون والكوليرا علاوة على امراض العيون والانفلونزا وغيرها.
وكان قد جاء في تقارير اطباء الارسالية الامريكية وأطباء المفوضية البريطانية ان من بين الامراض الشائعة في الكويت قديما مرض (السل) الذي كان يسمى (ضيق) او (المرض الخبيث) لانه من الأسباب الرئيسية للوفيات في ذلك الوقت.
وفي هذا السياق تحدث الدكتور خالد فهد الجارالله في كتابه (تاريخ الخدمات الصحية في الكويت من النشأة حتى الاستقلال) عن مذكرات الدكتور اللبناني الاصل أحمد سلامة والذي يعد احد الرواد الأوائل من الأطباء الذي كان له السبق والريادة في مكافحة (السل) في الكويت قديما.
 
وذكر الدكتور سلامة في مذكراته ان سكرتير حكومة الكويت آنذاك المرحوم محمد سليمان العتيبي اتصل به عام 1950 طالبا منه الاجتماع في مدينة بحمدون اللبنانية مع مدير الصحة في الكويت انذاك المرحوم نصف يوسف النصف حيث عرضا عليه تولي مسؤولية علاج الامراض الصدرية في الكويت لا سيما (مرض السل) الذي كان منتشرا بشكل واسع في البلاد بين اهل المدينة والبادية.
وأضاف انه قدم الى الكويت في سبتمبر 1950 لاستطلاع الوضع الصحي في البلاد والتعرف على الطاقم الطبي العامل آنذاك والذي يذكر منهم المرحوم الدكتور زاهي حداد والمرحوم الدكتور سامي بشارة والدكتور نايف حسن وغيرهم من الأطباء.وتابع انه رجع الى الكويت في شهر أكتوبر من العام ذاته ليبدأ فور وصوله العمل في (المستشفى الاميري) في منطقة شرق وكان فيه جناحان أحدهما للرجال والاخر للنساء إضافة الى بعض الغرف الخصوصية وبسعة اجمالية قدرها 100 سرير خصص معظمها لمرضى السل.
وأفاد الدكتور سلامة أن مرض السل كان قد انتشر آنذاك بشكل واسع في الكويت سواء بين أهل المدينة أو أهل البادية كما كان منتشرا في بادية السعودية والعراق اللتين يفد منهما أفواج المرضى للعلاج في الكويت.
وأشار الى انه نظرا لسهولة العدوى كان هذا المرض في أحيان كثيرة يصيب عدة افراد من العائلة الواحدة لذلك كانت الخطوة الأولى التي "قمنا بها هي العمل على عزل مرضى السل للتقليل من انتشار المرض عبر استخدام ملجأ للايتام كان تحت التشييد في منطقة شرق بجوار (كراج الملا) حيث تم تحويله الى مصح للأمراض الصدرية بسعة 120 سريرا ونقل مرضى السل من المستشفى الأميري الى المصح لعزلهم وعلاجهم فيه وكان ذلك في أواخر عام 1951".
واوضح انه بعد فترة من الزمن تمت توسعة هذا المصح وزيادة قدرته الاستيعابية الى اكثر من 200 سرير كما زود بمعدات الاشعة إضافة الى الصيدلية وغرفة للعمليات وفي عام 1956 تم بناء مبنى العيادة الخارجية بجانب منطقة شرق وتم تزويده بوحدة اشعه عادية واشعة قطعية.
وأضاف انه تم خلال الفترة ذاتها ايضا بناء مصح للنساء في الشويخ يستوعب 200 سرير وبعدها تم تأسيس قسم الصحة الوقائية عن طريق إضافة شبرتين كبيرتين مخصصتين للأطفال المصابين بسل الغدد اللمفاوية وسل المفاصل والعظام ولمن ليس لديهم صديد خارجي ولا خوف منهم في نقل العدوى.وقال سلامة ان مكافحة مرض السل في الكويت لم تقتصر على تقديم العلاج انما تم التفكير بكيفية مكافحة الإصابة بالمرض والحد من انتشاره في البلاد مشيرا الى انه من ضمن إجراءات الوقاية التي تمت في عام 1953 اخضاع جميع أعضاء السلك العسكري من جيش وشرطة وعمال وتلامذة وأطفال وجميع المخالطين لمرضى السل لعملية الفحص ومن ثم القيام بعدها بعملية التحصين والتطعيم لما يطلق عليهم "بالسلبيين" للوقاية.
وبين انه مع ازدياد حالات الإصابة بمرض السل لا سيما من القادمين من بادية العراق والسعودية رأت إدارة الصحة الكويتية ضرورة توسعة الإمكانيات العلاجية فتمت الاستعانة بمستشفى (شركة النفط) المؤقت الذي تم اخلاؤه في منطقة المقوع وضمه الى إدارة الصحة لتحويله الى مصح للامراض الصدرية بطاقة استيعابية قدرها 250 سريرا.
وأكد أن العمل في (مستشفى المقوع) ومصح منطقة شرق (ملجأ الايتام) استمر حتى عام 1959 عندما تم افتتاح (المستشفى الصدري) الكبير في منطقة الشويخ والذي بلغت طاقته الاستيعابية آنذاك اكثر من 300 سرير وزود بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية والمختبرات التي ساهمت بشكل كبير في انحسار المرض والتغلب عليه.