تراقب سوق النفط العالمية بقلق تبعات بدء سريان العقوبات التي لوح بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب على صادرات النفط الايرانية.
وقال الخبير الاقتصادي والنفطي الدكتور بشير بن علية في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان تطبيق هذه العقوبات بشكل مشدد مثلما أعلن الرئيس ترامب ستكون لها تداعيات سلبية جدا ليس على ايران فحسب بل ستلقي بتبعاتها على الاقتصاديات العالمية بما فيها الاقتصاد الامريكي نفسه.
واوضح بن علية وهو صاحب العديد من المؤلفات والكتب السياسية والاقتصادية اخرها الموسوعة الاقتصادية ان التداعيات السلبية لهذه الخطوة تعزى الى الترابط القوي بين هذه الاقتصاديات ضمن نظام العولمة الذي بات لا يستثني اي بلد وان كان بدرجات متفاوة.
وردا على سؤال فيما اذا ستلاقي العقوبات الامريكية قبولا من المجتمع الدولي وبالتالي استهداف النظام في ايران بشكل جوهري اعرب الخبير الاقتصادي والنفطي عن اعتقاده بان العقوبات الامريكية لن تؤدي الى تغيير النظام القائم حاليا في ايران.
واضاف ان العقوبات لن تلاقي القبول الدولي الواسع الذي تعول عليه الإدارة الامريكية معيدا الى الاذهان العديد من المواقف الدولية بما فيها مواقف الدول الحليفة للولايات المتحدة كألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي التي عبرت عن اسفها الشديد لفرض الولايات المتحدة مجددا عقوبات على ايران بعد انسحابها من الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين المجموعة الدولية وايران".
اما الدول غير الحليفة مثل روسيا والصين وفنزويلا وغيرها التي هي أصلا في صراع اقتصادي قوي مع واشنطن فإنها ترفض هذه العقوبات بشكل قوي وتؤكد استمرار تعاونها مع ايران في مختلف المجالات بما فيها المجال النفطي.
وفيما اذا يرى بان العقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس ترامب قابلة للتطبيق الفعلي حتى في غياب التأييد الدولي قال الخبير الاقتصادي و النفطي انه يمكن تطبيق هذه العقوبات التي دخلت بالفعل حيز التنفيذ الفعلي.
واضاف بن علية انه يبدو ان الادارة الامريكية التي اعطت مهلة بضعة أشهر الى ايران استغلت في الواقع هذه المهلة لتهيئة الظروف الجيوسياسية والفنية لانجاح فرض العقوبات مشيرا الى ان الحسابات الجيوسياسية للادارة الامريكية تتمثل في استغلال الظروف التي تمر بها حاليا منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والدول الفاعلة فيها.
ورأى بان هذه الحسابات الجيوسياسية تنسجم مع سياسة الرئيس الأمريكي المبنية على الحماية الاقتصادية التي تضع مصلحة الولايات المتحدة فوق كل اعتبار حتى وإن كان ذلك على حساب أهم حلفائها مشيرا الى ان هذه النظرة هي التي جعلته يلجأ الى تهديد حتى اقرب حلفائه.
وحول طبيعة الظروف الفنية التي هيأها الرئيس ترامب لفرض عقوباته قال الخبير الاقتصادي ان ذلك يتمثل في رفع المخزون التجاري الأمريكي من النفط الى أعلى مستوى له منذ 2016 وتعزيز القوة الشرائية للدولار مقابل العملات القوية الأخرى.
كما اعتبر ان تهديدات الرئيس الامريكي للدول والشركات والمؤسسات الدولية باستثناء ثماني دول منها تركيا واليابان بإخضاعها لعقوبات قاسية اذا استمرت في التعامل مع ايران تأتي في اطار تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ العقوبات على الصادرات الايرانية من النفط.
وحول وجود مخاوف من احتمال حصول نقص في الامدادات النفطية في السوق النفطية العالمية قال الخبير الاقتصادي والنفطي انه يبدو ان الرئيس الامريكي حصل على موافقة فعلية من دول نافذة في منظمة (اوبك) على زيادة انتاجها من الخام اذا دعت الحاجة لذلك.
وبهذا الصدد اعاد الخبير الى الاذهان تصريحات وزير النفط السعودي خالد الفالح في اعقاب اجتماعات (اوبك) الاخيرة التي اشار فيها الى ان بلاده قادرة اذا اقتضي الامر على زيادة امداداتها النفطية بما لا يقل عن مليوني برميل في اليوم وهو ما يعادل تقريبا صادرات الخام الايراني ( 3ر2 مليون برميل يوميا).
واعرب بن علية عن اعتقاده بان الادارة الامريكية عملت خلال الاسابيع الاخيرة على توفير اكثر ما يمكن من الضمانات لتنفيذ عقوباتها على ايران بدون اثارة ازمة في الامدادات و بدون ارتفاع الاسعار ليس ذلك فحسب بل تأمل ادارة ترامب في تحقيق تراجع في الاسعار لتوفر امدادات اكبر مما كانت حيث ستستمر ايران في بيع جزء من نفطها بشكل مباشر او غير مباشر الى الدول الرافضة للعقوبات لاسيما روسيا والهند والصين مما يعني توفر كميات وافرة من الخام في الاسواق العالمية.
وفي هذه الحال لم يستبعد الخبير الاقتصادي والنفطي فعلا ان تتراجع الاسعار التي تجاوزت معدل سبعين دولارا اخيرا.
وقال في ختام حديثه ل(كونا) انه يجب الا نغفل ايضا امكانية بروز فرضية معاكسة وان كان هذا الاحتمال ضعيفا جدا تتمثل في ان تتخذ العقوبات منحى اخر يؤدي الى تصعيد خطير في المنطقة بين ايران من ناحية والولايات المتحدة وحلفائها في الخليج من ناحية اخرى بحيث تتراجع الامدادات النفطية بشكل ملحوظ مما يلهب الاسعار وفي هذه الحالة ليس من المستبعد ان يتجاوز سعر البرميل 150 دولارا و هذا ما حصل فعلا اثناء الازمة المالية العالمية في 2008.