يبدو ان التوافق على تسمية عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة الجديدة هو خيار اضطراري للكتل التي أخفقت في تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا بما يؤهلها لتسمية مرشحها لتشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي فان عبد المهدي هو المرشح التوافقي للكتل النيابية وفق تفاهمات اعتاد رؤساء الكتل اللجوء عليها لتجاوز الازمات، حتى لو كانت تشكل خرقا لمواد الدستور.
وفي نص المادة 67 من الدستور، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء وهو ما تم القفز عليه بتكليف عادل عبد المهدي كمرشح توافقي بين الكتل المتنافسة، وهو بالتالي ليس مرشحا عن كتلة نيابية تتفوق على غيرها بعدد نوابها.
ولا تجيز المحكمة الاتحادية العليا اختيار مرشح لرئاسة الوزراء من غير الكتلة النيابية الأكثر عددا الا بتعديل المادة الدستورية ذات الصلة.
بعد غزو العراق عام 2003، شغل عبد المهدي منصب نائب رئيس الجمهورية لدورتين متتاليتين، وهو من ابرز قيادات المجلس الأعلى الإسلامي الذي اسسه محمد باقر الحكيم في إيران مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
واذا كان ترشيح عادل عبد المهدي يعد "خيارا إيرانيا" يضاف إلى خياري ترشيح محمد الحلبوسي لرئاسة مجلس النواب وبرهم صالح لرئاسة الجمهورية، فانه بدا لدى قطاعات واسعة من الراي العام العراقي انه مرشح قائمة "سائرون" التي يراسها مقتدى الصدر كشخصية يصفها، الصدر، رافعة لراية الإصلاح ومكافحة للفساد.
وتمثل مسالة إعادة هيبة الدولة العراقية والمؤسسة العسكرية أولوية متقدمة وتحديا لرئيس الحكومة بعد ان تراجع دورها بسبب النفوذ الواسع للحشد الشعبي وقياداته الحليفة لإيران في القرارين السياسي والأمني.
وحصلت الاجنحة السياسية لفصائل عدة من الحشد الشعبي على مقاعد لها في انتخابات مايو 2018؛ ومعظم هذه الفصائل تدين بالولاء "الشرعي" للمرشد الأعلى علي الخامنئي وترتبط تنظيميا بـ"فيلق القدس"، الذي يتولى مهمة تدريب وتمويل وتسليح اكثر من 40 فصيلا من اصل 71 فصيل يشكلون هيئة الحشد الشعبي.
سبق لهادي العامري، الامين العام لمنظمة بدر، رئيس ائتلاف "البناء"، الحليف لإيران، أن هدد خلال لقاء جمعه بالمبعوث الأمريكي الخاص باسقط أي حكومة خلال شهرين اذا تدخلت الولايات المتحدة في تشكيلها؛ ويضم ائتلاف البناء 18 حزبا سياسيا تمثل اجنحة سياسية لفصائل الحشد الشعبي.
وليس من الواضح جدية تهديدات بعض فصائل الحشد الشعبي باستهداف المصالح الامريكية والجنود المتوجدين في العراق وتسعة قواعد اقامتها الولايات المتحدة لا تزال تستضيف ما لا يقل عن ثمانية الاف جندي، وفق تقديرات غير رسمية.
وتعرض محيط السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد لضربات صاروخية مساء 6 سبتمبر/أيلول الماضي، وحينها، أشار مسؤولون امريكيون إلى ان فصيلا من فصائل الحشد الشعبي هو من نفذ الضربات التي تجددت في 8 سبتمبر/أيلول على القنصلية الامريكية في البصرة، على خلفية اتهامات بوقوفها وراء تاجيج سكان البصرة ضد النفوذ الإيراني ومسؤوليتها عن احراق القنصلية الإيرانية في المدينة.
لذلك سيكون على رئيس الوزراء الجديد مهمة التصدي لاي استهداف للامريكيين بالعراق طالما ان وجودهم جاء باتفاق مع الحكومة العراقية للحرب على تنظيم داعش، وبالتالي فانها ليست قوة احتلال، من وجهة نظر الحكومة التي سيتوجب عليها التعامل مع الفصائل التي هددت أكثر من مرة باستهدافها بصفتها "قوات احتلال".
ومن بين أهم التحديات الأخرى التي سيواجهها رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي، تحسين الخدمات الأساسية التي كانت سببا من بين أسباب عدة أدت إلى خروج سكان البصرة بتظاهرات احتجاجية منذ أوائل 8 يوليو/تمور الماضي أدت إلى عنف وعنف متبادل بين المحتجين من جهة والقوات الأمنية ومسلحي الحشد الشعبي من جهة أخرى.
على الصعيد الدولي المتداخل مع الإقليمي تاتي العقوبات الامريكية على إيران التي سيسري العمل بها بدء من 4 نوفمبر/تشرين الثاني على رأس أهم التحديات التي ستفرض على عبد المهدي الموازنة بين حاجته للدعم الثنائي من كل من الولايات المتحدة وايران، وكيفية التوفيق في الموقف من العقوبات بين الالتزام بها كما صرح سلفه حيدر العبادي، وهو ما تعتبره فصائل الحشد الشعبي غير ملزم للحكومة الجديدة، أو تجاهلها بما يضع العراق تحت طائلة التهديد الأمريكي باجراءات عقابية على الشركات والدول التي لا تلتزم بتلك العقوبات.
وتواجه أي حكومة تسعى لنزع أسلحة المجموعات المسلحة معضلة الانتماء الفكري وازدواجية الولاء بين الولاء الوطني للدولة والولاء الاخر لجهات دينية مثل المرجعيات الدينية العراقية او مرجعية المرشد الأعلى علي خامنئي. 
ومن أهم أولويات الحكومة الجديدة معالجة المشاكل اليومية والأزمات الاقتصادية وظاهرة الفساد وعقد مصالحة وطنية حقيقية بين مكونات المجتمع العراقي لتجنب دخول العراق في حالة من الفوضى الأمنية.
وحيث ان الدستور العراقي لا يسمح باستخدام العراق منطلقا لاي عمليات عابرة للحدود فان عبد المهدي سيواجه تحدي إعادة فصائل الحشد الشعبي التي تقاتل على الأراضي السورية إلى جانب قوات النظام بصفته القائد العام للقوات المسلحة الذي ترتبط هيئة الحشد الشعبي بمكتبه مباشرة.
يتوقف نجاح رئيس الوزراء الجديد على قدرته في إرساء الامن والاستقرار وانهاء البيئة الجاذبة لنمو الجماعات الإسلامية المتشددة في غرب وشمال غربي العراق من خلال برنامج كفوء لاعادة الثقة بين الحكومة المركزية والمجتمع السني، ومعالجة ازمة النازحين داخليا والمهجرين قسرا، وكذلك الكشف عن مصير عدة الاف من المغيبين قسرا خلال عمليات استعادة المدن من تنظيم داعش والذي تشير أصابع الاتهام إلى وجودهم في سجون سرية تشرف عليها بعض فصائل الحشد الشعبي، وهي المهمة التي فشل فيها سلفه حيدر العبادي.
ومن بين ابرز التحديات وأكثرها تعقيدا رسم مسارات جديدة للعلاقة بين حكومة إقليم شمال العراق والحكومة المركزية وحل الخلافات حول المناطق المتنازع عليها وعائدية مدينة كركوك بين العرب والاكراد والتركمان، إضافة إلى اقتسام الموارد والمنافذ الحدودية وعوائد النفط سواء المستخرج من محافظات الشمال أو المار عبرها.
سيواجه رئيس الحكومة الجديد، عادل عبد المهدي، إذن جملة تحديات، حيث تفتقر بنية الدولة الأساسية وشروط اختيار الحقائب الوزارية وفق المحاصصة السياسية إلى الأرضية الصلبة التي يستند إليها رئيس الحكومة لمواجهة تلك التحديات وتجاوزها خلال السنوات الأربع القادمة في حال امتلك عبد المهدي القدرة على الاستمرار ولم يقدم استقالته، أو تتم اقالته بضغوط قوى سياسية متنفذة تمتلك اجنحة عسكرية قادرة على العبث بالامن الداخلي وإشاعة حالة من عدم الاستقرار.
وبعيدا عن التدخلات الخارجية في رسم شكل العملية السياسية، وهو امر مالوف اعتادت عليه النخب السياسية، فإن عموم العراقيين لم تعد هذه التدخلات الخارجية تثير الكثير من اهتمامهم بالقدر الذي يتطلعون فيه إلى ما يمكن ان يقدمه ساسة العراق من تلبية لحاجاتهم الأساسية في إرساء الامن والاستقرار وتحسين المستوى المعيشي ومكافحة الفساد وصولا إلى تقديم الخدمات الأساسية.