يواجه التعديل الوزاري الذي أجراه فائز السرّاج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، معارضة من عدة أطراف، لتشكيكها في الهدف من ذلك الإجراء المفاجئ، الذي جرى الأحد الماضي.
فلم يمض يوم على إعلان التعديلات من قبل السراج، حتى توالت التصريحات من كل حدب وصوب، معتبرةً الخطوة "محاولة لقطع الطريق أمام سعي مجلسي النواب (المنعقد بطبرق) والدولة (نيابي استشاري)، لتغيير كامل الحكومة ومجلسها الرئاسي".
تصريحات أخرى صدرت عن سياسيين، اعتبرت الخطوة "محاولة لكسب تحالفات جديدة"، لا سيما وأن من بين الوزراء الجدد فتحي باشاغا، الذي يمتلك سلطة غير رسمية على "كتيبة الحلبوص" من مدينة مصراتة (شرق العاصمة طرابلس)، أكبر كتائب غربي البلاد، والتي يسعي السراج لإدخالها العاصمة لحماية حكومته.
والأحد الماضي، أجرى السراج، تعديلات وزارية شملت ثلاث حقائب في حكومته وهي: الداخلية، والمالية والاقتصاد، بالإضافة إلى الهيئة العامة للشباب والرياضة.
وجرى تسمية علي عبد العزيز العيساوي وزيرًا للاقتصاد والصناعة؛ خلفًا لـ"فضل الله الدرسي"، وتسمية فتحي علي باشاغا وزيرًا لوزارة الداخلية؛ خلفًا لـ"عبدالسلام عاشور".
كما أُسندت حقيبة المالية لفرج عبدالرحمن عمر بومطاري؛ خلفًا لسلفه، أسامة حماد.
وفور الإعلان، علّق النائب عبد السلام نصية، المكلف من قبل مجلس نواب طبرق (شرق)، بالتواصل مع المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، لوضع آلية لاختيار مجلس رئاسي برئيس ونائبين، بدلًا من الحالي (9 أعضاء).
تعليق "نصية" جاء عبر تغريدة له على "تويتر"، اعتبر فيها أن خطوة السراج، "محاولة لقطع الطريق على إيجاد سلطة تنفيذية موحدة".
وقال "نصية"، إن "أي حكومة على أي رقعة جغرافية (في ليبيا) هي استمرار لتكريس الانقسام".
وتابع أنه "في هذه المرحلة الصعبة ليست المشكلة في الوزراء والكفاءات، ولكن المشكلة في أن تكون (كيفية تحقيق) حكومة لكل الليبيين تبسط سيطرتها على كل البلاد".
وفي ذات يوم إعلان السراج، عن وزرائه الجدد، اجتمع 40 نائباً من مجلس النواب عن المنطقة الغربية في مدينة الزاوية (غرب طرابلس)، وأعلنوا رفضهم لما اتخذه السراج من إجراء.
النواب المجتمعون، وهم من داعمي الاتفاق السياسي الموقع في المغرب أواخر 2015، قالوا في بيان عقب الاجتماع، إنهم "عقدوا اجتماعا ناقش بندا واحدا يتعلق بإعادة هيكلة المجلس الرئاسي، حسب مقترح أقره مجلس النواب، لاعتماد آلية اختيار مجلس رئاسي جديد، مكون من رئيس ونائبين".
وفي اليوم التالي، أصدر مجلس النواب، بيانا جماعيًا، قال فيه إن "أكثر من 134 نائب من النواب الداعمين والرافضين للمجلس الرئاسي طلبوا سحب الثقة من الرئاسي".
وأضاف بيان مجلس النواب، أن "انفراد رئيس المجلس الرئاسي، باتخاذ القرارات الهامة وتسيير العمل دون الرجوع إلى بقية أعضاء الرئاسي - بما يخالف آلية عمل المجلس الرئاسي - أدى إلى انسحاب عدد كبير من أعضاء الرئاسي وبطلان القرارات التي يصدرها السراج، منفردا بالمخالفة للاتفاق السياسي".
وفي حين حسم مجلس النواب رأيه بالرفض، عقد المجلس الأعلى للدولة، اجتماعا، مساء اليوم الخميس، قال إنه لمناقشة مقترح تغيير المجلس الرئاسي، لكنه لم يحسم الجدل حول رأيه في تعديلات السراج الوزارية، وتم تأجيل الحسم إلى الجلسة المقبلة.
وتمت إحالة المقترح المقدم من مجلس النواب، في هذا الشأن، إلى لجنة الحوار بمجلس الدولة لإدخال بعض التعديلات عليه بسبب تحفظات عدد من أعضاء مجلس الدولة، بحسب ما أعلن عنه عضو مجلس الدولة سعيد بن شرادة، لموقع محلي.
وقال بن شرادة، إن "هناك توافقًا كبيرًا على المقترح (قدمه مجلس النواب لاختيار مجلس رئاسي جديد) من حيث المبدأ، إلا أن هناك تخوفًا من بعض النواب (أعضاء مجلس الدولة)، ولذلك جرى الاتفاق على إحالته للمناقشة لإجراء بعض التعديلات عليه".
غير أن النائب الثاني لرئيس مجلس الدولة، فوزي العقاب، وصف الأحد، التعديل الوزاري في حكومة الوفاق بـ"الخادع".
"العقاب"، أوضح في تغريدة له عبر تويتر، أن "الأزمة تكمن في المجلس الرئاسي وليس في الحكومة، سواء في هيكلته وآلية اتخاذ قراره أو لأنه يمثل عائق أمام إنهاء الانقسام السياسي".
فيما اعتبر السياسي الليبي عبد الله المحيشي، في حديث للأناضول، أن الانتقادات الموجهة للتعديل الحكومي "كانت سببًا في تأخر إجراء التسليم والاستلام بين الوزراء الجدد وسابقيهم".
وأشار إلى أن "التسليم والاستلام، تم في وزارتين؛ الداخلية، اليوم، والمالية قبل يومين، ويعتبر هذا الإجراء متأخرا".
وبالنسبة للهدف من وراء خطوة السراج بإجراء تعديل وزاري، أوضح المحيشي، أنه "كان لجلب تحالفات جديدة، حمايةً لحكومته والحفاظ على الوضع الأمني في العاصمة، التي تعتبر مركزا للحكم، الذي كان مهددا خلال المعارك الأخيرة التي شهدتها المدينة".
وأضاف: "مثلا فتحي باشاغا، رغم أنه عضو بمجلس النواب، إلا أن السراج، عيّنه وزيرا للداخلية، لعلمه أنه يتحكم في كتيبة الحلبوص (الكتيبة 301)، أكبر كتائب البلاد، التي تملك لوحدها أكثر من 800 دبابة".
واستطرد بالقول: "بقدوم باشاغا، لطرابلس، من المؤكد أن الحلبوص، سيكون لها دور محوري في حماية الحكومة، وستدخل طرابلس حتما، ويكون السراج، قد حقق هدف مهما جدًا بذلك".
وفي نفس اتجاه التحالفات يرى المحيشي، أن "تعيين بومطاري الزوي، في وزارة المالية، خلفا لأسامة حماد، وكلاهما من الشرق، يأتي بعد فشل الأخير في جلب تحالف في شرق البلاد، وربما ينجح في ذلك الوزير الجديد بومطاري".
وختم السياسي الليبي، كلامه قائلًا، إن تحليله "حول النية والقصد من وراء إجراء تعديل وزاري مفاجئ جاءت لأن الوزراء الذين تم استبدالهم خاصة في حقيبتي المالية أو الداخلية، هم وزراء أكفاء جدا، ويعملون بشكل جيد، ما يؤكد أن النية من وراء تغييرهم ليست تحسين الأداء".
وعلى الطرف الآخر، هناك من رحّب بما أعلنه السراج من قرار تعديل وزاري، فالبعثة الأممية لدى ليبيا علّقت في بيان لها الأحد الماضي، قائلة إنها تتمني النجاح للوزراء الجدد.
البعثة الأممية عبرت في بيانها ذلك، عن "كامل استعدادها لدعم هؤلاء الوزراء لتنفيذ الترتيبات الأمنية الجديدة في طرابلس، والسير قُدما في الإصلاحات الاقتصادية والسعي لتوحيد المؤسسات الوطنية".