بدأت تبعات الأوضاع الاقتصادية المضطربة في الصين، وغياب الانتعاش الاقتصادي في عديد من الاقتصادات الآسيوية تدق أبواب النظام المصرفي البريطاني. بنك «ستاندرد تشارترد» البريطاني الذي يستهدف بالأساس الاقتصادات الناشئة في القارة الآسيوية، تعرض لخسائر خلال الربع الثالث من العام الجاري، وبذلك تراجعت أرباحه خلال الأشهر التسعة الماضية من 4.8 مليار دولار إلى 1.6 مليار فقط.
ودفع هذا الوضع مجلس الإدارة إلى العمل على زيادة رأسمال البنك بـ5.1 مليار دولار عن طريق زيادة إصدار الحقوق، وإعادة النظر في هدف استراتيجية خفض التكاليف والمخطط أن تصل إلى 2.9 مليار دولار خلال الفترة من 2015-2018، إضافة إلى ما جاء في بيان البنك بإعادة التركيز على «عملاء التجزئة الأثرياء»، بدلا عن قطاع الأعمال المصرفية سواء للشركات أو المؤسسات، كما سيقوم بإعادة هيكلة أصول تبلغ قيمتها السوقية 100 مليار دولار. وسط تعهد المسؤولين باتخاذ سلسلة سريعة من الإجراءات التقشفية لخفض التكاليف أبرزها خفض عدد العاملين بنحو 15 ألف موظف.
وتقدر حجم الخسائر التي تعرض لها البنك خلال الربع الثالث من هذا العام بنحو 139 مليون دولار وذلك قبل خصم الضرائب، مقابل أرباح بلغت 1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. ووفقا للبيانات المعلنة من مجلس الإدارة فإن إيرادات البنك تراجعت بنحو 18.4 بالمئة لتصل إلى 3.68 مليار دولار، وتضاعفت تقريبا قيمة الديون الفاسدة أو التي لم يعد في قدرة أصحابها سدادها إلى 1.23 مليار دولار.
وحول أسباب الخسارة التي تعرض لها بنك «ستاندرد تشارترد» يعلق المختص المصرفي بيتر برنيت قائلا: «هناك أسباب تعود إلى البيئة المحيطة بالوضع الاقتصادي في آسيا والاقتصاديات الناشئة، فانخفاض معدلات النمو في عديد من البلدان الآسيوية، خلق بيئة سلبية فيما يتعلق برغبة المستثمرين في الاقتراض، أضف لذلك أنه أضعف من قدرة البنك من استرداد قيمة القروض التي منحها لبعض المستثمرين الآسيويين، وارتفع عدد العملاء العاجزين عن السداد».
وأضاف: «هناك أسباب أخرى شديدة الأهمية، وهو أن البنك ارتكب كثيرا من المخالفات المالية التي أوقعت عليه غرامات مالية بملايين الدولارات، إذ انتهك عام 2012 العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وترتب على ذلك غرامة مالية من قبل السلطات الأميركية تقدر بـ 415 مليون دولار، وهناك إمكانية لفرض المزيد من العقوبات عليه بهذا الشأن، ثانيا: السنوات المتتالية من تحقيق الأرباح أدت إلى تراخي مجلس الإدارة في القيام بالإصلاحات الضرورية لهيكلة البنك، ولهذا فإن مبلغ الـ5.1 مليار دولار الذي يسعى إلى جمعها من المستثمرين لإنقاذ الوضع، سيوجه منها ثلاثة مليارات أي أكثر من النصف لإعادة الهيكلة».
ويعلق المستشار المالي لعدد من المؤسسات المالية البريطانية فيليب كروك بالقول: الأمر لا يتعلق بخسائر تعرض لها أحد المصارف البريطانية، ولكن الأكثر خطورة أن تلك الخسائر ستتطلب من مصارف بريطانية عملاقة إعادة النظر في استراتيجيتها المصرفية بأكملها».
لكن مخاوف المستثمرين تتجاوز حاليا الخسائر التي أصيب بها البنك، لتتركز على ما سيعلنه بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) في الأول من (ديسمبر) بشأن نتيجة «اختبارات الإجهاد» التي خضعت لها المصارف البريطانية ومن بينها بنك «ستاندرد تشارترد» وتعد «اختبارات الإجهاد» إحدى الوسائل التي استحدثها بنك إنجلترا لمعرفة مدى قدرة المصارف البريطانية على مواجهة أزمة مالية مفاجئة على غرار ما حدث عام 2008، ولا شك أنه إذا ما أعلن أن بنك «ستاندرد تشارترد» لم يتجاوز تلك الاختبارات فإن الوضع المالي له سيزداد سوءا، وستشهد قيمة أسهمه في البورصات العالمية مزيدا من التدهور.