لم يتمكن الأوروبيون من تجاوز خلافاتهم حول ملف الهجرة رغم اتفاق صعب توصلوا إليه اليوم الجمعة، في بروكسل يثير تساؤلات عدة حول كيفية تطبيقه، فضلاً عن الانتقادات التي طاولته من منظمات غير حكومية.
وذكرت مأساة جديدة اليوم الجمعة، قبالة السواحل الليبية بضرورة إيجاد حلول دائمة. فقد قضى ثلاثة رضع واعتبر 100 آخرون في عداد المفقودين بعد غرق زورق مطاطي.
واعتبرت دول وسط أوروبا الأكثر مناهضة لاستقبال المهاجرين، إنها حققت انتصاراً إثر القمة مؤكدة أن التسوية لم تتضمن أي إجراء استقبال إلزامي، وذلك بعدما توعدت إيطاليا بتعطيل صدور أي نص مشترك بسبب عدم تضامن جيرانها معها لمواجهة وصول المهاجرين إلى سواحلها.
وعلق رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، بعد "توصيات" القمة التي تمت الموافقة عليها بالإجماع في الساعة الرابعة والنصف فجراً (2:30 توقيت غرينيتش)، إثر 9 ساعات من المفاوضات الشاقة، أن "إيطاليا لم تعد وحدها".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه "اتفاق للبناء عليه، إنه لا يعالج الأزمة التي نعيشها"، فيما أقرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأن الأوروبيين "لم يصلوا بعد إلى نهاية المطاف".
بدوره، اعتبر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الجمعة، أن "من المبكر جداً الحديث عن نجاح" أوروبي، موضحاً أن الاتفاق السياسي هو "في الواقع الجانب الأكثر سهولة من المهمة مقارنة بما ينتظرنا على الأرض حين نباشر تطبيق" الاقتراحات.
يقترح الاتفاق خصوصاً "مقاربة جديدة" تقوم على إنشاء "نقاط وصول" للمهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي لمنع عمليات عبور البحر المتوسط، في موازاة دعوة الدول الأوروبية المنظمات غير الحكومية إلى "عدم عرقلة عمليات خفر السواحل الليبيين".
لكن مسؤولة العمليات الطارئة في منظمة أطباء بلا حدود كارلين كلايغر، لاحظت بأسف، أن "العناصر الوحيدة التي يبدو أن الدول الأوروبية توافقت في شأنها هي من جهة تجميع الناس على أبواب أوروبا...ومن جهة أخرى معاداة" المنظمات غير الحكومية التي تنشط بحراً.
بالنسبة إلى المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في المياه الأوروبية، يقترح الاتفاق أن تقيم الدول الأعضاء على أساس طوعي "مراكز تخضع للمراقبة" لكن غير "مغلقة" كما كانت تأمل فرنسا.
وسيتم التمييز "سريعاً" بين المهاجرين غير الشرعيين الواجب طردهم ومن يحق لهم طلب اللجوء على أن يتم توزيعهم داخل الاتحاد الأوروبي ولكن أيضاً "على أساس طوعي".
وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان: "من الواضح أن إعادة توزيع المهاجرين لا يمكن أن تتم من دون الموافقة المسبقة للدول المعنية" معتبراً أن "المجر ستبقى مجرية ولن تصبح بلد مهاجرين".
ورأى نظيره البولندي ماتيوش مورافيسكي، أنه "نجاح هائل" بعدما رفضت بلاده على غرار المجر مبدأ إعادة توزيع المهاجرين بحسب حصص تم تبنيه مؤقتاً بين 2015 و2017.
ثمة سؤال يطرح أيضاً حول الأمكنة التي ستقام فيها المراكز التي نصت عليها التسوية الأوروبية. وذكر رئيس الوزراء الإيطالي بأن "دولاً أبدت استعدادها ولكن ليس إيطاليا" ومثله المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، الذي أعلن أن بلاده غير معنية بإقامة تلك المراكز.
بدوره، قال ماكرون، إن "فرنسا ليست بلد وصول أول بالنظر إلى وضعها ولن تقيم مراكز مماثلة".
ويدعو الاتفاق أيضاً الدول الأعضاء إلى "اتخاذ كل الإجراءات" الداخلية الضرورية لتفادي تنقل المهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يحصل غالباً في اتجاه ألمانيا التي تشهد جدلاً سياسياً يضعف موقع ميركل.
وأعلنت الحكومة الألمانية الجمعة، أن "اليونان وإيطاليا أبدتا استعداداً لاسترداد طالبي اللجوء الذين سيتم اعتراضهم مستقبلاً على الحدود الألمانية النمساوية من جانب السلطات الألمانية"، وذلك إذا كانوا قد سجلوا أسماءهم مسبقاً في هذين البلدين.
وكانت ميركل وعدت باتفاقات ثنائية مماثلة لإقناع وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، الذي يمثل الجناح اليميني المحافظ في ائتلافها، بالتخلي عن دعوته إلى طرد إي طالب لجوء بشكل أحادي.
إلى ذلك، دعا الاتفاق الأوروبي إلى "التوصل لتفاهم حول تسوية دبلن" التي تثير خلافاً كبيراً ولكن من دون تحديد جدول زمني.
وتقترح المفوضية الأوروبية، أن يتم وقف العمل بهذه القاعدة بصورة استثنائية في فترات الأزمات مع توزيع طالبي اللجوء انطلاقاً من نقطة وصولهم، لكن دولاً مثل المجر وبولندا ترفض ذلك بدعم من النمسا.
وتطالب إيطاليا بنظام توزيع دائم والتخلي بشكل نهائي عن مسؤولية دول الوصول.
واعتبر رئيس الوزراء السويدي شتيفان لوفن، أن المفاوضات في شأن تسوية دبلن "كان ينبغي أن تنتهي الآن، ولكن مساراً طويلاً لا يزال في انتظارنا"، مؤكداً "أنها مشكلة رئيسية يجب أن يعالجها الاتحاد الأوروبي".