في الوقت الذي يقترب فيه الاقتصاد الأميركي من الخروج من أزمته الاقتصادية التي عصفت به أواخر عام 2008، يبدو الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم وكأن أزمته تستفحل يوما بعد آخر. فآخر البيانات الرسمية تشير إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من هذا العام لم يتجاوز 6.9 بالمئة، ليكون بذلك أدنى معدل نمو في الصين منذ عام 2009.
وعلى الرغم من أن المعدل المحقق أعلى من توقعات الاقتصاديين البالغة 6.8 بالمئة، إلا أنه أقل من معدل النمو الرسمي المستهدف المقدر بـ 7 بالمئة. وقد تركت أنباء انخفاض معدل النمو الصيني عن المعدل المستهدف آثارا سلبية في كل من البورصة الصينية والبورصات الآسيوية ومؤشر فوتسي 100 لبورصة لندن.
و على خلاف البورصات الآسيوية وبورصة لندن فإن البورصات الأوروبية كانت في وضع أفضل. إذا ارتفع مؤشر AEX لبورصة أمستردام بنحو 0.75 بالمئة وفي بلجيكا تحسنت البورصة بنحو 0.67 بالمئة، أما في ألمانيا فإن كافة مؤشرات بورصة فرانكفورت حققت ارتفاعا، وبالمثل في باريس وزيورخ.
والتر بارنت المحلل الاقتصادي والمالي في بورصة لندن يفسر الأداء المتباين لبورصة لندن مقارنة بالبورصات الأوروبية فيما يتعلق بمعدل النمو الصيني قائلا «بالنسبة إلى مؤشر فوتسي 100، فإن التراجع يعود إلى عاملين الأول أن رئيس الوزراء الصيني سيبدأ زيارة لبريطانيا هي الأولى من نوعها منذ عقد من الزمان، واستبق الزيارة حديث عن «عهد ذهبي» في العلاقات الثنائية بين البلدين، بما يعنيه ذلك من توقيع اتفاقيات بالمليارات، آخذا في الاعتبار أن وزير المالية جورج أوزبورن قام بزيارة بكين أخيرا لتعزيز العلاقات المالية والاقتصادية بين الجانبين، لكن أنباء تراجع معدل النمو الصيني تطرح الآن شكوكا حول قدرة الصين على تلبية التفاؤل السائد في بريطانيا بعلاقات اقتصادية «ذهبية» بين الطرفين، العامل الثاني في تراجع بورصة لندن هو شركات المعادن، فالصين تعد المستهلك الأكبر في سوق المعادن في العالم، وتراجع معدل النمو يعني انخفاض الطلب الصناعي على المعادن في الصين»، ويستدرك قائلا «بالنسبة إلى الأسواق الأوروبية وتحديدا ألمانيا أكبر مصدر أوروبي للصين سواء في مجال السيارات أو السلع الهندسية والصناعية، فإن أنباء تحقيق الصين معدل نمو 6.9 بالمئة وعلى الرغم من أنه أقل من المستهدف حكوميا، لكنه يظل أفضل من التكهنات التي كانت تشير إلى معدلات أكثر انخفاضا من ذلك».
ومع هذا فإن تحليل تفاصيل النمو الصيني قد تخفف نسبيا من حدة السلبية المرتبطة بتراجع معدل النمو. فالحكومة الصينية بصدد عملية تغيير هيكلي شامل للاقتصاد الوطني، وتحويله من اقتصاد قائم على التصدير للخارج، إلى اقتصاد قائم على تعزيز الطلب الداخلي وتحديدا قطاع الخدمات.
ويعلق الدكتور المختص في الاقتصادات الآسيوية أندروا ماك أدر قائلا «قطاع الخدمات نما بنحو 8.4 بالمئة خلال الربع الثالث من هذا العام، القطاع الصناعي في المقابل تراجع بنحو 0.3 بالمئة وهذا أدنى معدل منذ ثماني سنوات، وهذا يشير إلى أن عملية إعادة الهيكلة تؤتي ثمارها لكن بتكلفة اقتصادية مرتفعة».
ومع هذا فإن بعض المنتقدين أداء الاقتصاد الصيني، يشككون في مصداقية الأرقام التي تعلنها الحكومة الصينية، سواء تعلق الأمر بمعدل النمو أو تفاصيل النمو ذاتها. الدكتورة سوزان مار أستاذة الاقتصادات الناشئة في جامعة أكسفورد ولديها عديد من الدراسات النقدية للاقتصاد الصيني، تشير إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لا يعكس حقيقة الاقتصاد الصيني، وأن هناك عديدا من المؤشرات الاقتصادية الأخرى تكشف أن الاقتصاد الصيني مليء بالثغرات والنواقص.
و تعلق قائلة «علينا أن نتذكر أولا أن عديدا من كبار الاقتصاديين الصينيين غير الحكوميين، اعتبروا أن ما أعلنته بكين خلال الربع الثاني من هذا العام، بأنها حققت معدل نمو اقتصادي بلغ 7 بالمئة محض دعاية، وإنه لو استخدمت المعايير الإحصائية التي تستخدم في بريطانيا على سبيل المثال فإن النسبة لن تزيد على 4 بالمئة».
وتستدرك قائلة «بتحليل تفاصيل النمو الذي حققته الصين أخيرا لا تبدو الصورة منطقية، فالبيانات تقول معدل النمو الصناعي 5.7 بالمئة الأقل منذ عام 2008، معدل نمو قطاع الخدمات 8.4 بالمئة مقارنة بـ 6 بالمئة خلال الربع الثاني، وتلك قفزة كبيرة لكن على أي حال فإن البيانات تشير إلى أن معدل النمو في قطاع تجارة التجزئة 10.9 بالمئة، وهذا لا يمكن أن يكون منطقيا في ظل خسارة البورصة نحو ثلاثة تريليونات دولار خلال أيام، نتيجة تغير سعر اليوان الصيني، فكيف يمكن للملايين من أبناء الطبقة المتوسطة أن يخسروا جل ثروتهم في البورصة ومع ذلك يزيد الطلب على السلع».